ٍَالرئيسية

64 عاماً على “اليربوع الأخضر”..كيف اختبرت فرنسا قنبلة نووية بالجزائر 5 أضعاف هيروشيما؟

شفقنا- رغم مرور 6 عقود على استقلال الجزائر عن الاحتلال الفرنسي، تظل ملفات الإرث الاستعماري عالقة بين البلدين، ولعل ملف التجارب النووية يُعَد من أهم مخلفات هذا الإرث وأخطرها، خصوصا أن معاناة سكان المناطق التي احتضنت هذه التجارب لا تزال قائمة حتى يومنا هذا، فيما لا تزال باريس تواصل سياسة الإنكار المعتادة وترفض تحمل المسؤولية عن جرائمها.

ودام الاستعمار الفرنسي للجزائر بين 1830 و1962، وتقول السلطات الجزائرية ومؤرخون إن هذه الفترة شهدت جرائم قتل بحق قرابة 5 ملايين شخص، إلى جانب حملات تهجير ونهب الثروات.‎

وظل ملف التجارب النووية الفرنسية، موضوع مطالب جزائرية رسمية، وأهلية، من أجل الكشف عن أماكن المخلفات النووية، وتعويض الضحايا ومن تعرضوا لعاهات مستدامة، مقابل رفض فرنسي لهذه المطالب. وبينما تقول الجزائر إن ما جرى هو “تفجيرات نووية”، تعتبر فرنسا أنها “مجرد تجارب نووية”.

نهاية أبريل/نيسان 1961 كانت فرنسا تُنهي عملية “اليربوع الأخضر”، وهي التجربة النووية الرابعة في منطقة رقان جنوب غربي الجزائر. سبقها وتلاها تجارب أخرى قدّرت بأنها وصلت إلى 17 تجربة حتى حدود 1967. فكيف جعلت فرنسا الجزائر أرض تجاربها النووية؟

بعد ثلاث عمليات في منطقة رقان جنوبي غرب الجزائر: “اليربوع الأزرق” و”اليربوع الأبيض” و”اليربوع الأحمر” التي نفذت جميعها عام 1960، كانت فرنسا تُنهي عملية “اليربوع الأخضر” الرابعة نهاية أبريل/نيسان 1961 التي تصادف ذكراها الستين هذه الأيام.

لم تتوقف التجارب النووية الفرنسية عند هذه العمليات، إذ أجرت السلطات الاستعمارية 17 تجربة نووية في المجمل، تحت الصحراء الجزائرية وفوقها بين عامَي 1960 و1967، تسببت في مقتل 42 ألف جزائري وإحداث عاهات مستديمة بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال تلوث المكان حتى اليوم.

الجزائر حقل تجارب لطموح فرنسا

بعد نهاية الحرب العالمية الثانية كانت فرنسا تسعى بكل ما أوتيت من قوة ضئيلة وهي الجريحة حينها، لتدخل نادي الدول النووية. إذ كثّفت منذ 1945 جهودها لتطوير قنبلة نووية وبدأت تجارب بيولوجية تحت اسم “تجارب علمية”، وتلقت لهذا الغرض مساعدات إنجليزية وإسرائيلية ومباركة أمريكية-أطلسية (حلف شمال الأطلسي “ناتو”) لاحقاً.

يوم 13 فبراير/شباط 1960 سيكون شاهداً على تمكُّن فرنسا أخيراً من تنفيذ تفجيرات نووية، وستكون صحراء الجزائر أرضاً لها، لتستمر في تنفيذ تفجيرات نووية في الجنوب الجزائري حتى 1966″.

وكشفت صحيفة إندبندنت البريطانية قبل أسابيع عن إجراء فرنسا 17 تجربة نووية في الجزائر بين عامَي 1960 و1967، من بينها 11 اختباراً في منشآت عسكرية فرنسية على الأراضي الجزائرية بعد حصول البلاد على استقلالها عام 1962.

ووفقاً لتقديرات اللجنة الفرنسية التابعة للحملة الدولية لإلغاء الأسلحة النووية، فإن كثيراً من النفايات ومخلفات تلك التجارب بما في ذلك الدبابات والمروحيات والطائرات التي استخدمت آنذاك لا تزال مدفونة في الرمال وتعادل 3 آلاف طن.

ولا تزال الإشعاعات التي تتسرب من تلك المعدّات تشكل خطراً على البيئة والسكان والمحاصيل والماشية بعد مرور عقود على التجارب النووية الفرنسية في الجزائر، فيما لم تكشف الحكومة الفرنسية عن تفاصيل هذه النفايات المدفونة في الرمال أو مواقعها إلى اليوم.

ويقول المؤرخ الجزائري عامر رخيلة إن “التقارير الفرنسية السرّية، المعلنة بداية القرن الحالي، وشهادة جزائريين من أبناء الجنوب، كشفت أن القوات الاستعمارية التي أشرفت على التفجيرات استعملت أسرى جزائريين فئران تجارب للانعكاسات التي تتركها أشعة النووي على الإنسان ومختلف أنواع الحيوانات”.

وشدد رخيلة على أن “الجريمة كانت بشعة عبر آثارها المباشرة وأثبتت السنوات أنها مستمرة”، وأردف: “مئات المواليد ولدوا مشوهين، والكثير من الأصحَّاء أصبحوا عرضة لأمراض مزمنة، فضلاً عن الآثار على النباتات والمياه السطحية والجوفية”.

وأفاد بأن “الدراسات الأكاديمية أكدت أن آثار جرائم فرنسا النووية بين 1960 و1966 لا تتوقف في الحدود الجزائرية، بل ستمتد وعبر ملايين السنين لتمس إفريقيا وآسيا وأوروبا”، واستطرد: “هذه القارات الثلاث ستظل عرضة للإشعاعات النووية وستلعب الرياح الدور الرئيس في سحب الإشعاعات التي ستظل تسبح في الفضاء لملايين السنين حسب العلماء”.

هذا الأمر أثبته بيير باربي الباحث الفرنسي في جامعة “كان”، قائلاً إن “الرياح التي شهدتها فرنسا مؤخراً (مطلع مارس/آذار الماضي) حملت معها إشعاعات نووية وقدمت من صحراء الجزائر”.

وأضاف باربي وهو خبير في الحماية من الإشعاعات النووية أن “سماء فرنسا كانت مغطاة بلون برتقالي بسبب رمال الصحراء التي جلبتها الرياح”، وأفاد بأن الرمال تحتوي على مادة “السيزيوم 37” المشعة، وهي تعود إلى بداية ستينيات القرن الماضي، عندما أجرت فرنسا تجارب نووية في صحراء الجزائر.

أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما

 

وفي فبراير/شباط الماضي، قال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقادوم، إن التفجير النووي لفرنسا بصحراء بلاده في الستينيات كان يعادل أربعة أضعاف من قنبلة هيروشيما باليابان.

ونشر الوزير الجزائري تغريدة جاء فيها: ‏في مثل هذا اليوم (13 فبراير/ شباط) من عام 1960 على الساعة 7:04 صباحا، قامت فرنسا الاستعمارية بأول تفجير نووي في منطقة رقان بالصحراء الجزائرية (جنوب)، في عملية سُميت بـ”اليربوع الأزرق”.

وتابع أن التفجير كان “بقوة 70 كيلوطن، وهو ما يعادل من ثلاثة إلى أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما، كان لهذا الانفجار تداعيات إشعاعية كارثية لاتزال” .

57 تفجيرا نوويا

وأوردت مجلة “مصادر تاريخ الجزائر المعاصر” (حكومية) في عدد 2019 أنّ “الصحراء الجزائرية كانت بين 13 فبراير/شباط 1960 و16 فبراير 1966 مسرحا لـ57 تفجيرا وتجربة واختبارا نوويا”.

وذكرت المجلة (علمية مُحكّمة) التي يصدرها المركز الحكومي للدراسات والبحث في الحركة الوطنية وثورة أول نوفمبر 1954 (تابع لوزارة المجاهدين)، أنّ “4 تجارب جوية بحمودية رقان، كانت ملوثة للغاية و13 بتاوريرت تان أفال، إين أكر، وكانت فاشلة”، وجميعها مناطق جنوبي البلاد.

وقالت إنّ ” أخطر حادث نووي “بريل – Béryl” في أول مـايو/أيار 1962، إضافة إلى 35 اختبارا نوويا للسلامة على مستوى آبار بحمودية و5 تفجيرات نووية بموقع تاوريرت تان أترام (محافظة تمنراست) في الهواء الطلق باستعمال مواد انشطارية مثل البلوتونيوم”.

وأشارت إلى أنّ “11 تفجيرا نوويا أُجري بعد الاستقلال 1962 إلى غاية فبراير/شباط 1966، ثم في يونيو/حزيران 1967، أُرجعت تلك المواقع إلى السلطات الجزائرية، بعد تفكيك المنشآت التقنية والتنظيف حسب وزارة الدفاع الفرنسية عام 2010”.

ولفتت إلى أنّ “التفجيرات النووية بدأتها فرنسا وهي على دراية تامة بمخاطرها على صحة الإنسان والبيئة والتوازن الإيكولوجي، خاصة بعد نشر الآثار الصحية المترتبة عن القصف الذري على هيروشيما وناجازاكي في أغسطس/آب 1945”.

وباشرت فرنسا تفجيراتها النووية الأولى عام 1960، غير مبالية بقرار الأمم المتحدة عام 1959 المناهضة لتجاربها في صحراء الجزائر، والتوقيف الدولي (الاتحاد السوفييتي سابقا، الولايات المتحدة والمملكة المتحدة) للتفجيرات النووية الجوية في نوفمبر/ تشرين الثاني 1958.

** خرائط النفايات.. مطلب عالق

وفي ظل عدم وجود إحصاءات دقيقة، تسببت التجارب النووية بمقتل 42 ألف جزائري وإحداث عاهات مستدامة؛ بسبب الإشعاعات النووية التي لا تزال تلوث المكان حتى اليوم.

وما زالت السلطات الجزائرية تطالب نظيرتها الفرنسية بتسليمها خرائط دفن نفايات هذه التفجيرات لحماية السكان وتطهير المنطقة من الإشعاعات لكن باريس تماطل في ذلك.

وفي 2020 وضعت السلطات الجزائرية الملف رسميا، على مستوى الأمم المتحدة للنظر في تعويض فرنسا لضحايا التفجيرات النووية، لكن القضية لم تتحرك، بحسب مبادرة أطلقها كمال بلعربي نائب برلماني سابق حول قانون “تجريم الاستعمار”.

من جانبه، قال المؤرخ الجزائري عامر رخيلة للأناضول: “فرنسا بدأت سنة 1935 تسعى للانتساب إلى ما يسمى بـ”النادي النووي” وتمكنت من ذلك بتفجير أول قنبلة نووية في 13 فبراير/شباط 1960 بصحراء الجزائر”.

 

“وفي الفترة من 1960 إلى 1966 حفر الاستعمار خنادق في الجنوب الجزائري لرمي وردم المخلفات النووية التي أكلت الزرع والضرع”، وفق رخيلة.

وقال رخيلة إنّ “جريمة المخلفات النووية مستمرة، عن طريق تفشي الأمراض وتلوث البيئة وانقراض الحيوانات”.

وشدد المتحدث على أنّه “من حق الجزائر المطالبة باستعادة الخرائط التي تحدد أماكن التفجيرات والخنادق التي تضم بقايا التفجيرات والمواد المشعة المستمرة آثارها إلى اليوم”.

ولفت إلى أنّ “عدد ضحايا التفجيرات يعدّ بالآلاف ولكن لا يمكن إحصاؤه بدقة لأنّها تمت بعيدا عن الإعلام والمنظمات الحقوقية”.

مصادر: وکالات

النهایة

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-19 01:07:29
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى