القضية الفلسطينية وفشل نموذج حل الدولتين

إن صنع السياسات، وهو عالم النماذج، يوفر دائما لصانعي السياسات والسياسيين بحرا عميقا من السياسة والتكتيكات والأدوات اللازمة لتنظيم النموذج وإنجاحه. لكن تعدد السياسات والنماذج وعمق هذا العلم يجعل من المستحيل التوصل إلى إجماع حول خيار واحد باعتباره سياسة أو نموذجا يتسم بالكفاءة والفعالية. 

إن تنوع السياسات والنماذج القائمة يجعل صناع السياسات والحكام يضيعون في تحديد وتنفيذ مثل هذه السياسات والنماذج في إطار أهدافهم ونواياهم. إن حيرة صانع السياسات في اختيار وإعادة خلق وتنفيذ سياسة أو نموذج ما يؤدي في نهاية المطاف إلى فشل السياسة وانهيار هدف سامي ويكشف عن النقطة العمياء في صنع السياسات. ولا يمكن لمثل هذه العملية أن ترسم منظورا واضحا ومؤاتيا لصناع السياسات.

ان إحدى الأزمات الحالية في العالم والتي ركز عليها بعض الخبراء وصناع القرار هي قضية فلسطين وإسرائيل، التي واجهت سياستها المتميزة المتمثلة في “حل الدولتين” تحديا أساسيا وفشلت. ويمكن تحليل انهيار فكرة ونموذج الدولتين بالنسبة لفلسطين على النحو التالي:

أولا -فشل فكرة من النهر إلى البحر: من أهم المثل والمفاهيم المتعلقة بالأزمة بين إسرائيل والعرب في العقود الثمانية الأخيرة يمكن رسمها في إطار تشكيل دولة موحدة وكبيرة تكون أراضيها من نهر الأردن (النهر) إلى البحر الأبيض المتوسط ​​(البحر). صورة مثالية تتكرر في التفسير الإيراني للأزمة الفلسطينية في السنوات الأخيرة.

تعتبر فكرة “من النهر إلى البحر” فكرة مثالية في الجبهة الغربية تناولها رجال الدولة الإسرائيليون وقادة الحركة الصهيونية، والتي تتمثل صورتها التقليدية في فكرة “من النيل إلى الفرات” وعنصرها الجديد هو تصميم سياسة الشرق الأوسط الجديدة أي “الشرق الأوسط الكبير”، التي تجاوزت في العقدين الأخيرين المفهوم الإسلامي “من النهر إلى البحر”، فرسمت أراضي إسرائيل إلى ما وراء نهر الأردن وربطتها بنهر دجلة أو الفرات في العراق!

لقد أصبح طرفا الفكرة المثالية من البحر إلى النهر أو الشرق الأوسط الكبير يدركان العجز الاستراتيجي لهذه الفكرة خلال العقد الماضي ويرون أن تحقيقها أصعب بكثير من رؤيتهم المثالية وأدواتهم وتكتيكاتهم الحالية.

النظرة الجيوسياسية

وهذه النظرة الجيوسياسية التي تحكم طرفي القضية الفلسطينية، لا تهتم بالحالات المشابهة والعواقب المترتبة على مثل هذه النظرة الجغرافية والدينية المطلقة. إن التوسعية المطلقة، بمعنى إلغاء الوضع القائم والعودة إلى الوضع الغامض السابق في قضية العرب وإسرائيل، وهي ليست نهجا عقلانيا، كما أن عودة وإعادة خلق الإمبراطوريات الكبرى السابقة مثل الاتحاد السوفييتي ويوغوسلافيا أمر مستحيل.

كما تعد فكرة إعادة بناء وإعادة إنشاء الإمبراطورية العثمانية على يد أردوغان في العقد الماضي مثالا بارزا على السياسات التوسعية المطلقة التي فشلت وتوضح انهيار أفكار مثل: من البحر إلى النهر، من النيل إلى الفرات أو الشرق الأوسط الكبير.

ثانيا-غموض فكرة النموذج الفلسطيني اليهودي: إن المفاوضات الطويلة والمتعددة الأوجه والمتعددة بين العرب وإسرائيل، والتي استضافتها العديد من دول العالم وسميت بمفاوضات السلام، أدت أخيرا إلى فكرة حل “الدولتين” الذي تم التوصل إليه. لقد كان ذلك على أجندة صناع القرار الفلسطينيين وإسرائيليين. وهذا الحل، الذي رحب به العديد من الجهات الفاعلة في النظام العالمي، بما في ذلك العرب وأوروبا والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة وغيرها، يصر على تشكيل دولتين مستقلتين، إسرائيل وفلسطين.

إن سياسة حل الدولتين في قضية العرب وإسرائيل تنطوي على العديد من السلبيات والغموض، منها:

– عدم الوضوح في تعريف البلد

– التعقيد الجغرافي وحدود البلدين

– أزمة المهاجرين العرب وحق العودة إلى فلسطين

– الاستقلال والقوة العسكرية للبلدين

و …

في هذه الحالة يتحدث بعض الخبراء عن عدم فعالية هذا الحل ويقدمون الحلين التاليين:

1-حل الدولتين: تقوم هذه السياسة على مبدأ وجود دولتين على الأراضي الفلسطينية، والتي تشمل دولة إسرائيل الكبرى المستقلة، أو دولة إسرائيل، ودولة الحكم الذاتي الهشة أي فلسطين. ونفس النموذج الموجود الآن والسلطة الفلسطينية تعتبر مظهرا من مظاهر الدولة الفلسطينية المحدودة مع قيود السياسة الخارجية والعسكرية. إن الحل الأحادي الجانب الذي أثبت عدم فاعليته ونموذجه التجريبي (الوضع الحالي لإسرائيل وفلسطين) لم يستفد منه إلا إسرائيل ولم يتمكن من تخفيف وإدارة التوتر والأزمة بين إسرائيل والعرب.

2-حل الدولة الواحدة: يشير هذا الحل إلى تشكيل دولة يهودية إسلامية شاملة على كامل أراضي فلسطين، يحق فيها للمواطنين الفلسطينيين تقرير مصيرهم ويتمتعون بنفس الامتيازات والحقوق التي يتمتع بها المواطنون اليهود. .

إن تصميم نماذج لحل المشكلة الفلسطينية، والتي لا تستند إلى الحقائق الجيوسياسية في المنطقة، جعل الحل النهائي للمشكلة العربية الإسرائيلية صعبا ومستحيلا للغاية. وقد دفع هذا الوضع صناع السياسة الدولية إلى التجول في اختيار نموذج فعال.

*

إن جزءا مهما من عدم الاستقرار في جنوب غرب آسيا، الذي يشمل محوره الأفقي من النيل إلى الفرات ويعتبر مركزا للتوتر العالمي، هو نتيجة السياسات والأنماط الغامضة لتفكيك الأزمات العربية والإسرائيلية لقرابة 8 عقود. لقد أدت عملية الغموض النمطي إلى إدخال السياسة الخارجية لهذه المنطقة في فجوة عميقة بين الواقعية والمثالية.

ان النماذج والسياسات المثالية: “فلسطين من البحر إلى النهر”، و”إسرائيل من النيل إلى الفرات”، و”الشرق الأوسط الكبير”، و”نظام البلدين”، و”نظام الدولتين” و. التي بنيت كل منها على أساس خاص ويحمل أهدافا مثالية، لا تتوافق مع واقع الأزمة.

إن ما يحدث الآن في فلسطين وغزة يظهر أن نموذج الدولتين، إسرائيل وفلسطين، لا يتوافق مع الواقع السياسي والاجتماعي والعسكري وغيرها في هذه المنطقة، هذا وقد سحقت عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر كل النماذج المثالية للجغرافيا السياسية الإقليمية

**

إن أنماط وسياسات حل الأزمة بين العرب وإسرائيل، وخاصة حل الدولتين، غامضة للغاية وغير متوافقة مع الظروف القائمة بحيث أن فرص نجاحها ضئيلة للغاية، كما أن حيرة صناع السياسات في امرهم يتسبب في استمرار وزيادة الانتشار الواسع النطاق للأزمة الإقليمية.

إن تحقيق كل من هذه النماذج والسياسات المثالية يعني وضع الحجر والزجاج معا، مما يؤدي إلى التفوق المطلق لأحد طرفي الصراع. إن حيرة واضعي السياسات في تصميم واختيار سياسة ونموذج للحد من الأزمة، أدت إلى شعور مواطني المنطقة بعدم الأمان والخوف، الذين يعتبرون تطبيق أي من النماذج الموجودة يعني القمع أو النفي من أرضهم.

المصدر: ديبلماسي إيراني

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية