لكن بعد مرور عامين ونصف على هذا الحدث المهم وعودة طالبان إلى السلطة، لم يتقدم الوضع حسب رغبة بكين، ويثير التساؤل عن الاتجاه الذي سيتخذه مستقبل العلاقات بين الصين وطالبان؟
ويزداد قلق بكين بشأن مستقبل العلاقات مع طالبان عندما تظهر نظرة سريعة على سياسة الجوار التي تنتهجها طالبان أن هذا البلد خلق أزمة وتوترا لجيرانه بطرق مختلفة.
وصلت العلاقات بين طالبان وباكستان، كحليف وصديق قديم، إلى مرحلة من التوتر حيث أعلن قائد الجيش الباكستاني صراحة أن حياة الباكستاني أهم من أفغانستان بأكملها. صدر هذا التصريح في ظل الدعم العلني والسري الذي تقدمه طالبان لحركة طالبان باكستان لتنفيذ هجمات إرهابية في باكستان، والاشتباكات الحدودية المستمرة بين البلدين، والإغلاق المنتظم للمعابر الحدودية وتعليق الأنشطة التجارية، تؤدي إلى توتر العلاقات بين الطرفين.
ورغم أن العلاقات بين طالبان وجمهورية إيران الإسلامية شهدت توترات أقل حدة، فلا شك أن سياسات طالبان، خاصة في مجال بناء السدود الواسعة على الأنهار المشتركة، تعمل على تقليل بل وقطع المياه الداخلة إلى ثلاث محافظات وهي سيستان وبلوتشستان، وخراسان الجنوبية وخراسان الرضوية، وتوفر الأرضية لاندلاع توترات شديدة بين الجانبين في المستقبل القريب، كما كشفت حركة طالبان عن رغبتها في خلق أزمة في العلاقات مع جيران أفغانستان الشماليين من خلال بناء قناة “غوش تيبي” ودعم الجماعات الإرهابية الطاجيكية والأوزبكية.
ومن ناحية أخرى فإن الصين هي الجارة الوحيدة التي نجت إلى حد ما من لسعة سياسات الجوار التي تنتهجها طالبان. ومع ذلك، تواجه سلطات بكين دائما مسألة مفادها متى سيحين دورها لتكون هدفا لخطط وسياسات طالبان.
للإجابة على هذا السؤال وتحليل مستقبل علاقات الصين مع طالبان، يكفي الانتباه إلى هذه الأمور القليلة:
1-تشير التقارير الإعلامية المختلفة وكذلك التقارير الدورية للأمم المتحدة إلى استمرار علاقات طالبان مع الإيغور الانفصاليين. ومن ناحية أخرى، تدرك بكين جيدا أن طالبان لا تعتبر جماعات مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية، التي تنتمي إلى الأويغور، جماعة إرهابية وتصفهم بإخوانها. وعليه، ترى حركة طالبان، وخاصة حركة طالبان قندهار، أن الصين لا تستطيع الاستمرار في سياسة “الرقص مع طالبان وقمع الإيغور”.
2-أدى موقف طالبان تجاه الجماعات الإرهابية العرقية مثل الأويغور إلى زيادة مخاوف الصين بشأن تدفق التطرف الديني من أفغانستان إلى شينجيانغ. وتظهر كلمات شي جين بينغ خلال زيارته الأخيرة إلى هذه المنطقة قلقه العميق بشأن هذه القضية. وفي مقابلة مع وسائل الإعلام خلال زيارته إلى شينجيانغ، صرح الرئيس الصيني: يجب على جميع المسؤولين الحكوميين حماية “الاستقرار الذي تم تحقيقه بشق الأنفس في هذه المنطقة”.
3-بكين تدرك جيدا أنه حتى لو كانت لدى طالبان الرغبة والإرادة في السيطرة على الإيغور فإن أيديها مقيدة لهذه المهمة لأن أي ضغط مفرط على هذه الجماعات يعادل انضمامها إلى داعش في خراسان وتقوية هذا العدو لطالبان. وخاصة أن الأويغور لديهم تاريخ طويل في الحرب السورية.
علاقات معقدة
4-بالإضافة إلى العلاقات المعقدة بين طالبان والإيغور الانفصاليين والجماعات الإرهابية الأخرى مثل حركة تركستان الشرقية الإسلامية وحركة طالبان باكستان، والتي من أهدافها مهاجمة مصالح الصين في المنطقة، يشعر المسؤولون في بكين بالقلق بشأن العلاقات المعقدة بين طالبان والولايات المتحدة. يعتقد العديد من المحللين الصينيين، وخاصة الروس، أن طالبان تعمل بشكل وثيق مع الولايات المتحدة لجعل أفغانستان مصدر القلق الأكبر للدول الثلاث المتنافسة والعدوة لواشنطن وهي إيران وروسيا والصين.
وبحسب هذا الرأي فإن حركة طالبان تعتمد اعتمادا خاصا على الولايات المتحدة لبقاء حكومتها لأنها لا تريد تكرار تجربة حكومتها الأولى التي أطاحت بها الولايات المتحدة. وبناء على ذلك، على المدى المتوسط والطويل، تبحث طالبان عن سياسة “لاعب صغير في اللعبة الكبيرة” وتريد الحصول على امتيازات خاصة من واشنطن من خلال أن تصبح أداة لممارسة المزيد من الضغط على منافسي أمريكا وأعداءها في المنطقة. ومن المفترض أن يعيد هذا الفاعل الصغير تركيز إيران على منطقة الشرق الأوسط والحدود الغربية إلى شرق البلاد؛ والهاء روسيا في آسيا الوسطى بالإضافة إلى أوكرانيا، وجعل قضية شينجيانغ مصدر قلق كبير للصين إلى جانب قضية تايوان.
5-لقد صرحت طالبان مرارا وتكرارا أن لديها مطلبين رئيسيين من الصين: الدعم المالي والمساعدة في الاعتراف الدولي. وحتى الآن، تجنبت سلطات بكين تلبية هذين المطلبين؛ لكن من ناحية أخرى، وعلى الرغم من انسحاب قواتها من أفغانستان، فإن واشنطن تتجه نحو تحقيق هدفي طالبان. ووفقا للتقرير الأخير للمفتش العام الأمريكي الخاص لإعادة إعمار أفغانستان، قدمت إدارة بايدن أكثر من 13 مليار دولار من المساعدات المالية لأفغانستان في العامين الماضيين. ومن ناحية أخرى، تحاول الولايات المتحدة توجيه الدول نحو مشاركة أكثر جدية مع طالبان تحت غطاء الأمم المتحدة، بما في ذلك في شكل التقرير الأخير الذي قدمه سينيرلي أوغلو، المقرر الخاص للأمين العام المعني لتقييم الوضع في أفغانستان.
6-لكن من ناحية أخرى، دعت السفارة الصينية في كابول، بعد تعيين سفير جديد للبلاد، وهو ما يرى العديد من المحللين أنه خطوة كبيرة نحو الاعتراف الرسمي بحركة طالبان، في بيان لها مسؤولي طالبان إلى تشكيل حكومة شاملة وتبني سياسات أكثر اعتدالا لمحاربة الإرهاب بجدية أكبر وإقامة علاقات ودية مع الدول الأخرى. ويكشف هذا البيان عن مخاوف الصين بشأن سلوك طالبان وابتعادها عن الاعتراف بحكومة طالبان.
7-ومن ناحية أخرى، وعلى الرغم من التهديدات والإصرار المتكرر لطالبان، فإن الصين لم توافق بعد على الاستثمار بكثافة في أفغانستان، بل إنها تركت مشروع تطوير منجم النحاس في عينك، وهو أمر مهم للغاية بالنسبة لطالبان، غير مكتمل بعد أكثر من أكثر من 10 سنوات. كما يظهر هذا السلوك الصيني أن سلطات بكين لا تزال لا تثق في استقرار حكومة طالبان على المدى الطويل وحتى على المدى المتوسط، على هذا يمكن القول إن علاقة الصين مع طالبان ليست علاقة يمكن التنبؤ بها، إذا اعترفت الولايات المتحدة بحكومة طالبان، فسوف تواجه الدول الغربية الأخرى المزيد من التوتر والأزمات عما كانت عليه في الماضي، لأن طالبان، التي تعترف بها وتدعمها القوى الغربية، ستتبنى بالتأكيد سياسات أكثر عدوانية تجاه جيران أفغانستان، بما في ذلك الصين.
المصدر: صحيفة اطلاعات
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-02-03 00:57:46
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي