ٍَالرئيسية

العلاقات بين آسيا الوسطى والدول العربية من وجهة نظر موسكو

شفقنا-أصبحت الدول العربية في الخليج لاعبين ناشئين في آسيا الوسطى. فالزيارات الدورية التي يقوم بها الأمين العام لمجلس التعاون إلى آسيا الوسطى، وعقد اجتماعات عديدة على مستوى رؤساء ووزراء الخارجية في الدول العربية، فضلا عن عقد أول زيارة إقليمية للقادة العرب إلى آسيا الوسطى، هي علامات جديدة على الاتجاه المشار اليه. وبطبيعة الحال، في مثل هذا الوضع، ستحاول روسيا السيطرة على الاتجاهات السياسية والإقليمية وإدارتها، وتشكيل ترتيبات جميع الألعاب السياسية في آسيا الوسطى لصالحها. ومع ذلك، فإن السؤال عن الأدوات والقدرات التي تمتلكها موسكو في مثل هذا الوضع وما إذا كانت ستتمكن من تثبيت اتجاهاتها المرغوبة في المنطقة؛ تعد أسئلة جدية في هذا المجال.

اللعبة الأوراسية للدول العربية

في الشهر الماضي، شهدنا زيارة بوتين إلى دولتين مهمتين في الخليج، المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة. وجاءت هذه الزيارة بعد انتهاء أعمال القمة العالمية للمناخ في دولة الإمارات، والتي عقد على هامشها رؤساء دول آسيا الوسطى اجتماعات ومفاوضات جادة مع ممثلي الدول العربية، وكان هدف هذه الزيارة تشجيع مستثمرون من دول الخليج لزيارة روسيا ودول آسيا الوسطى. إلى جانب ذلك، تعتبر مثل هذه الزيارات إشارة سياسية واضحة للولايات المتحدة والدول الأوروبية بأن جهودها لعزل موسكو قد باءت بالفشل.

ولتقديم تحليل أفضل، من الضروري أن نتذكر أنه في يوليو 2023، عُقدت القمة الأولى للدول العربية في الخليج ودول آسيا الوسطى. واستضافت المملكة العربية السعودية في هذا الاجتماع قادة الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج ودول آسيا الوسطى؛ وأكد الاجتماع، في بيانه الختامي، على أهمية تطوير العلاقات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية ومحاربة الإرهاب ومواصلة التعاون والتنسيق من أجل الاستقرار الإقليمي والدولي.

وتظهر الأجواء التي تشكلت في الأشهر الماضية اهتمام الدول العربية في الخليج، وخاصة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، بتشكيل مساحة سياسية واقتصادية مشتركة بين دول الخليج وآسيا الوسطى وإنشاء ” أوراسيا الكبرى”. وبالنظر إلى الإيرادات النفطية الضخمة لدول مثل السعودية والإمارات وقطر، فإن هذه الدول تشكل خيارات جذابة لدول منطقة آسيا الوسطى من حيث مصادر الاستثمار الأجنبي.

التعاون الاقتصادي

وبناء على ذلك وبالنظر إلى النتائج الإيجابية لقمة دول الخليج وآسيا الوسطى يمكن أن نستنتج أن دور قادة دول آسيا الوسطى حاليا في إقامة العلاقات مع الدول العربية في الشرق الأوسط مرتفعة للغاية، ولهذا السبب يمكن القول إن أهداف زيارة بوتين إلى البلدين الإمارات والسعودية، إلى جانب قضايا مثل حرب غزة وأوبك، كانت قضايا تتعلق بالتعاون الاقتصادي لهذه الدول مع دول آسيا الوسطى. وذلك لأن الكرملين مهتم بتوسيع التعاون بين الدول العربية وآسيا الوسطى بحضور ومن خلال موسكو، حتى يستفيد من كافة جوانبه السياسية والأمنية والاقتصادية.

كما أنه في الوضع الذي أدت فيه الضغوط المتزايدة للعقوبات على روسيا إلى تقليص دور “موسكو” في اقتصاد آسيا الوسطى، يفضل الكرملين عدم إعطاء فرصة لمنافسين مثل الولايات المتحدة وأوروبا للظهور في باحته الخلفية وذلك من خلال تشجيع الدول العربية التي تتفق مع سياساتها. وستؤدي هذه الاستراتيجية إلى القضاء على الأدوار النيابية المحتملة للدول العربية في آسيا الوسطى. ولذلك تريد موسكو توسيع وتطوير التعاون الاقتصادي بين هذه الدول، وتشجع دول الخليج على الاستثمار في آسيا الوسطى.

كما أن حجم التجارة بين المنطقتين، والذي يتجاوز حاليا ثلاثة مليارات دولار سنويا، يوفر فرصة لتطوير العلاقات الاقتصادية، مع الأخذ في الاعتبار أن اقتصادات دول آسيا الوسطى تعد من أسرع الاقتصادات نموا في السنوات الماضية. كما ان فرص الاستثمار الأجانب جذابة للغاية في أجزاء مختلفة من هذه البلدان. وفي السنوات الماضية، شهدت معظم الاقتصادات، سواء في دول الخليج أو في دول آسيا الوسطى، تحولات وتغيرات هيكلية في اتجاه التنويع.

تعزيز العلاقات مع الدول العربية

في الظروف الحالية للنظام الدولي، إذ نشهد تغيرات خطيرة في العلاقات بين الجهات الفاعلة والقوى العالمية، من المهم لآسيا الوسطى أن تعزز علاقاتها مع الدول العربية ليس فقط من حيث توسيع التعاون الاقتصادي والتجاري ليشمل النقل والمواصلات والطرق اللوجستية، بل من حيث إبراز القواسم المشتركة في الحضارية والثقافية.

بمعنى آخر، تريد دول آسيا الوسطى أن توضح هذه القضية للجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية، أنه بصرف النظر عن القوى الدولية التي ينطوي التعاون المكثف معها على تعقيدات سياسية وأمنية، هناك جهات فاعلة أخرى يمكنها توفير المصالح السياسية والاقتصادية لدول هذه المنطقة.

كما يمكن الإشارة إلى أن دول الخليج ودول آسيا الوسطى تواجه تهديدات مشتركة، أبرزها تحديات الأمن القومي والتطرف والإرهاب الدولي والاتجار بالمخدرات.

  وذلك لأن اهتمام دول آسيا الوسطى بتوسيع التعاون مع الدول العربية في الخليج، وذلك من خلال تواجدها في أهم هياكل الدول الإسلامية، مثل منظمة التعاون الإسلامي والبنك الإسلامي للتنمية والاتحاد الإسلامي العالمي وغيرها؛ أصبح أكثر بروزا مما كان عليه في الماضي في التفاعلات في العالم الإسلامي. ومن ناحية أخرى، فإن الدول العربية، في إطار استراتيجيتها الجديدة التي تتطلع إلى الشرق لتطوير التفاعلات مع روسيا والصين والتوازن مع الغرب، لديها رؤية خاصة لكسب النفوذ في الفناء الخلفي للقوى الشرقية أي آسيا الوسطى.

آخر الكلام

وعلى الرغم من الرغبة الثنائية في توسيع التعاون والإمكانات العالية التي تتمتع بها آسيا الوسطى لجذب رؤوس أموال الدول العربية، إلا أنه لا توجد حاليا قفزة كبيرة في مجالات البنية التحتية الاقتصادية بين الدول العربية وروسيا أو دول آسيا الوسطى، الأمر الذي سيقلل على الأقل من التواجد الاقتصادي العربي في آسيا الوسطى بشكل كبير على المدى القصير.

علاوة على ذلك، ووفقا للنقاط المذكورة أعلاه، إذا استمرت هذه المصلحة المشتركة على المدى المتوسط ​​والطويل، فيمكننا التنبؤ بتحقيق تعاون اقتصادي واسع النطاق. ما يبحث عنه الكرملين والدول العربية وقادة آسيا الوسطى حاليا هو تنويع شركائهم الإقليميين من أجل زيادة قوتهم الجيواقتصادية والجيوسياسية ضد القوى الأجنبية. ومع ذلك، ستكون هناك عقبات بينهما.

 على سبيل المثال، فإن توسع السياسات الدينية لبعض الدول العربية في آسيا الوسطى سيزيد من خطر انتشار التطرف، الأمر الذي سيؤدي إلى حساسية موسكو وبكين. في السنوات القليلة الماضية، حاولت المملكة العربية السعودية زيادة سلطتها في منطقة آسيا الوسطى بطرق مختلفة، وفي حالة تلقي الضوء الأخضر من الكرملين، ستكون الرياض في وضع أقوى من ذي قبل وستكون أكثر قدرة على القيام بالخطوات التي يمكن أن تغير الجغرافيا السياسية الإقليمية ومن ناحية أخرى، يمكن لدول آسيا الوسطى استخدام هذا التنسيق لإنشاء كتلة إقليمية، وهو أمر حيوي لتطوير علاقاتها المشتركة مع الدول الأخرى.

بالإضافة إلى ذلك، فإن توسيع التعاون الإقليمي من هذا النوع يمكن أن يؤدي إلى تعزيز الشعور بالانتماء للمجتمع بين دول آسيا الوسطى الخمس وتشجيعها على التغلب على خلافاتها الحالية والعمل على القضايا ذات الاهتمام المشترك، مثل ندرة المياه أو حتى الوصول إليها الاتفاقيات النهائية بشأن النزاعات الحدودية.

وبناء على كل ما ذكر، يمكن القول إن زيارة بوتين إلى الرياض وأبو ظبي ستؤدي على الأرجح إلى تسريع العلاقات بين هذه الدول مع آسيا الوسطى، وهي حقيقة من المرجح أن تجعل معادلات الجهات الفاعلة من خارج المنطقة أكثر تعقيدا من ذي قبل.

المصدر: مطالعات شرق

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-01-30 03:12:26
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى