وقال حجة الإسلام والمسلمين حميد رضا شريعتمداري في حوار خاص بشفقنا: إن جهود الأئمة المعصومين (ع) وعلماء الشيعة في فترة الغيبة أضفى عمقا على الشيعة الاثني عشرية ومنحها ثراء خاصا، في حين أن هذا العمق والثراء والهوية العقائدية والفقهية المستقلة على هذا النحو لا نشاهدها كما ينبغي في الفرق الشيعية الأخرى.
وأضاف: وهذا يدل على أن مجموعة التدابير والجهود التي قام بها أئمة الشيعة وعلماءها كانت ناجحة لأنهم جعلوا الشيعة الاثني عشرية خالدة، وقد تطورت الشيعة في الجانب الكمي واكتسبت العمق الفكري والغنى اللازم.
ثم تابع: بغية محافظة المذهب الشيعي الاثني عشري على نفسه وتقوية ذاته والانتشار في العالم المعاصر، عليه أن يسلك نفس الطريق وألا ينجرف إلى المسارات والتجارب الفاشلة التي حدثت أحيانا في فرق شيعية أخرى. ففي فترة ما، كان للشيعة الإسماعيليين خلافة فاطمية تنافس الخلافة العباسية، أما اليوم، فليس لدينا حتى طائفة إسماعيلية مستقلة. اعتلت الزيدية السلطة في وقت أبكر بكثير من الشيعة الاثني عشرية (عام 175 في المغرب الحالي -وعام 284 في اليمن)، وحتى وقت قريب كانت الإمامة الزيدية تمارس السلطة، ولكن في الستينيات من القرن العشرين انهارت حكومتها.
العلاقة بالحكومات
هذا وقارن الشيعة الاثنا عشرية مع الفرق الشيعية الأخرى، بالقول إذا أردنا الحفاظ على الوضع الحالي وتعزيزه، علينا أن نتبع طريق الائمة . احدى المسارات هي أن الشيعة الإثني عشرية لم تربط بقاءها بالحكومات قط، بل استغلت كل فرصة لتعزيز وتوسيع نفسها.
كما صرح أن الشيعة الاثني عشرية في ثوريتها واهتمامها بالسياسة لم تضف الأصالة على السياسة، بل أعطت الأصالة في الحفاظ على جوهر التشيع وعمق المعرفة، و ان الإصرار على البعد المعرفي والتربوي للمذهب يشكل المقولة الثانية التي يمكن أن تترك تأثيرها على مستقبل التشيع، بمعنى أنه لا ينبغي أن نبالغ في اقامة الشعائر وألا نهمل الحقائق الدينية وتعاليم القرآن الكريم وأهل البيت (ع) هذا ونرى بان الشعائر الشيعية خاصة المجالس الحسينية والعزاء لعبت دورا مؤثرا في الحفاظ على الهوية الشيعية وتعزيزها.
جذب الآخرين بأفعالنا
كذلك صرح شريعتمداري إن الأئمة (ع) قد أكدوا على التبليغ العملي، أي أنه ينبغي لنا أن نكون أكثر التزاما بالأخلاق وأكثر تمكسا بأحكام الدين وشعائره، وأن نجذب الآخرين إلى الدين والمذهب بأعمالنا. مثلما كان الأئمة المعصومون (ع) يجذبون الناس بعلمهم وعملهم.
وفي نفس السياق أضاف إن النجاحات العملية يمكن أن تترك تأثيرها على الناس في يومنا هذا؛ ويمكن لهذه النجاحات العملية أن تظهر نفسها أحيانا على مستوى العلاقات والأوساط الاجتماعية المحدودة وأحيانا على المستوى الكلي. على سبيل المثال، على المجتمع الشيعي أن يظهر أنه كان أكثر نجاحا من المجتمعات الأخرى في القضاء على الفقر أو على الأضرار الاجتماعية، أو في جذب الناس، أو يجب على المجتمع الشيعي الاثني عشري أن يظهر أنه الأكثر جدية وصدقا في جانب المقاومة وقد حقق النتائج أكثر من غيره من المجتمعات، أنه برهن حزب الله اللبناني والجماعات الفلسطينية بأنهم قادرون على خلق تحدي لإسرائيل.
هذا وأضاف ان القرآن الكريم يقبل مبدأ الاختلاف ويدعو الناس إلى النافس في الخيرات. كما قال الإمام موسى الصدر: “أقترح أن تخدم الأديان والمذاهب باسم دينها ومذهبها بدلا من محاولة إقناع بعضها البعض”.
واستطرد شريعتمداري قائلا: بقدر ما نحقق المزيد من النجاح في مجال السياسة الداخلية وممارسة الديمقراطية وتكريم الحريات المدنية والقضايا الأخلاقية والروحية، يمكننا أن نقدم المذهب إلى الأمام.
مستقبل المذهب الشيعي
وعلى صعيد آخر قال الأستاذ المشارك في قسم الدراسات الشيعية بجامعة الأديان والمذاهب إن مستقبل التشيع يعتمد على النجاح العملي أكثر من اعتماده على الدعاية الدينية. هذا وان أقسام المعارف والدين لها أهمية كبرى، ويجب ان تصبح ذات عمق معرفي في المجتمع الشيعي.
وعن أهم التحديات والفرص التي تواجه التشيع قال: يبدو أن التحديات السياسية هي أهم التحديات التي يواجهها التشيع؛ سواء التحديات داخل المجتمعات الشيعية أو التحديات التي تواجهها مع الدول الأخرى. في لبنان، تعرض هذا النظام والنموذج الطائفي للتحدي بسبب تدخلات الدول المختلفة. لقد كان حزب الله اللبناني فعالا ومؤثرا مادام يخوض المقاومة والمواجهة مع إسرائيل، لكنه فقد فعاليته في مجال التفاعل السياسي الداخلي بسبب تدخلات إيران والسعودية.
وفي نفس السياق تحدث عن تحديات وفرص التشيع في العراق بالقول: اننا نرى ان أحد أنجح النماذج في توجيه المجتمع الشيعي في العراق، هو النموذج التي طبقه آية الله العظمى السيد السيستاني على أرض الواقع، فان سماحته بصفته مرجع ديني ومؤسسة دينية شيعية لم يتدخل مباشرة في القضايا ذات الصلة بالسياسة والحكومة ولم يتخذ موقف اللامبالاة، انما تواجد في أصعب الأحداث وأصدر الفتاوى واتخذ القرارات وقدم المبادرات. وهذا هو نموذج للعمل السياسي الذي حدث في العراق وكان فعالا. وبطبيعة الحال، من الواضح أن دعم إيران للعراق في الحرب ضد داعش ونموذج آية الله العظمى السيد السيستاني وفتواه الجهادية كان سببا في قمع داعش.
يجب على الشيعة أن يتخذوا قراراتهم بناء على متطلباتهم الجغرافية
كما وأشار شريعتمداري إلى التحديات التي يواجهها الشيعة في أجزاء أخرى من العالم، مضيفا: إن أحد الحلول لحل التحديات في المناطق التي لا توجد فيها حكومة شيعية، وتعد الشيعة الأغلبية، هو اتخاذ القرارات والتفاعل على أساس متطلباتها. هذه الفكرة والذهنية القائلة بأن هناك مركزية شيعية في إيران أو العراق وتدير كافة قضايا الطوائف الشيعية ليست مبررة. يجب أن يتبنى الشيعة في المجتمعات ذات الأغلبية الشيعية مجموعة من السلوكيات مع الولاء للوطن والأرض والسيادة السياسية، ومن أجل الحفاظ على أنفسهم والتوسع والنفوذ في المجتمع وجذب الآخرين، عليهم استخدام النماذج الأخلاقية والعملية المناسبة لموطنهم.
كذلك أضاف يبدو أن الحلول والأفكار الشيعية للتعامل مع مختلف التحديات يجب أن تأتي من داخلها، وليس من مناطق أخرى تفرض أفكارها واستراتيجياتها على الدول ذات الأغلبية الشيعية.
التنوع والتعددية هي أهم فرصة للشيعة
وعلى صعيد آخر اعتبر التنوع والتعددية إحدى فرص التشيع الأنثى عشري، قائلا إن وجود الشيعة في مختلف الأراضي يمكن أن يقوي التشيع ويوحد صفوفهم. ويمكن الاستفادة من إمكانيات تواجد الشيعة في أوروبا وأمريكا والإمكانيات المتاحة لخدمة الدين وسد الحاجات.
وقال شريعتمداري: إن إحدى أهم الفرص المتاحة للشيعة اليوم هي السيادة السياسية في إيران والعراق والحضور القوي للشيعة في لبنان. وكلما نجحت هذه الحكومات السياسية في توفير الحوكمة الناجحة، فإنها بلا شك تخدم المذهب الشيعي.
لقد حال التشيع في سوريا دون انهيار الدولة القومية
هذا واعتبر نجاحات المقاومة في المنطقة فرصة أخرى للتشيع بالقول: لقد لقي التشيّع مصيرا سيئا في مناطق مثل ليبيا وتونس حيث لم تكن المقاومة موجودة هناك، لكن في سوريا منعنا انهيار الدولة القومية في هذا البلد.
واستطرد قائلا لقد حقق المذهب الشيعي نجاحات وكان له أعمال علمية وحضارية وثقافية عبر التاريخ، تركتها في كل مكان في العالم الإسلامي. إن هذا العمق الفكري والمعرفي والشخصيات العلمية البارزة التي كانت موجودة في تاريخ التشيع، مثل الفارابي، وزكريا الرازي، وابن سينا، وأبو الريحان البيروني، والخواجة نصير الدين الطوسي، وغيرهم من العلماء الكبار، هي قدرات الشيعة. فالعقلانية التي كانت موجودة عند الشيعة، والامتداد الفلسفي عند الشيعة، من المزايا الأخرى لهذا المذهب التي يمكن الاستثمار فيها. وعلى رأس هذه الفرص تشكيل ولاية الفقيه في إيران ووجود نظام الجمهورية الإسلامية، الذي ينبغي استخدام مجموعة هذه الفرص لتوسيع الحريات المشروعة ونشر الاخلاق والعمران وازدهار البلاد.
كما تحدث شريعتمداري عن وضع التشيع في قارتي أوروبا وإفريقيا وقال لا شك أن التشيع تقدم في أفريقيا، ويرجع جزء كبير منه إلى الثورة الإسلامية وجزء كبير منه إلى نجاحات المقاومة. ومن المؤكد أن علماء ودعاة الشيعة لعبوا دورا في هذا التطور، ولكنهم جميعا استفادوا مما وفرت لهم النجاحات العملية للشيعة.
النسخة المقدمة في نيجيريا
هذا وبين أنه كلما زادت النجاحات العملية التي يحققها الشيعة، كانت أكثر فعالية، وقال يبدو أن النسخة التي قدمت في نيجيريا لم تكن نسخة تفاعلية، بل نسخة تصادمية خلقت العديد من المشاكل للشيعة.
وضع الشيعة في أوروبا وإفريقيا وأمريكا
كما ختم شريعتمداري حديثه بالإشارة إلى نمو التشيع في أوروبا وإفريقيا وأمريكا وقال الوضع والظروف هشة إلى حد ما؛ ومع ذلك، فإن تاريخ التشيع وقدراته الكامنة ستلعب بالتأكيد دورا إيجابيا في تقدم التشيع، لكن هذه الريادة التي خلقتها إيران -سواء النجاحات أم الفشل -متأثر بأداء الجمهورية الإسلامية لعقود. وأعتقد أنه بدلا من الدعاية المباشرة للتشيع يجب أن نركز على خلق تجربة ناجحة للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي يمكن أن تكون ناجحة في مختلف الجوانب، وكلما زاد النجاح، تم خدمة التشيّع. إن الصورة الرئيسية للتشيع في عالم اليوم مأخوذة من إيران، وبالتالي، فإن الصورة الحقيقية الأفضل التي يمكننا تقديمها عن التشيع، ستفيد بالتأكيد التشيع في عالم اليوم.
*شفقنا العراق
انتهى
المصدر
الكاتب:Sabokrohh
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-01-26 10:08:18
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي