ماذا تحقق وماذا لم يتحقق بعد مئة يوم من هذه الحرب؟ أكثر من مئة يوم على العدوان الإسرائيلي علي غزة، وها هو نتنياهو يجد نفسه عاجزاً عن تحقيق أي من هذه الأهداف الثلاثة. لذلك، طلب من الأمريكيين منحه فرصة إضافية لعله يُحقّق أياً من أهدافه ولو بنسبة 20 بالمئة!.
ما يقودنا إلى الإستنتاج أن اخفاق الجيش الإسرائيلي في تحقيق الأهداف الثلاثة يُمثّل بالحسابات الإستراتيجية هزيمة لا تقل أهمية عن الهزيمة التي مُني بها الكيان في السابع من تشرين الأول/أكتوبر عندما تمكنت مجموعة من المقاومين من اقتحام “غلاف غزة” وأخذ رهائن وتوجيه ضربة للجيش الذي لطالما قيل عنه بأنه “الجيش الذي لا يقهر”. أيضاً هي هزيمة لفكرة أوجع بها الكيان رؤوسنا منذ 75 عاماً وهي “قضية الأخلاق”؛ أي أن النموذج الذي كان يُريد تصديره للخارج هو أن الجيش الإسرائيلي يتميز بـ”أخلاقياته”. وعندما كان الفلسطينيون يقولون إن الجيش الإسرائيلي “لا يمت بصلة للأخلاق”، سُرعان ما كانت تُرمى عليهم تهمة معاداة السامية؛ ومن أراد في المجتمع الدولي أن يُدقّق ـ لا أن يُصدّق ـ فلا يلقى إلا الضغط والإبعاد بتهمة معاداة السامية أيضاً، لكن بعد اجتياح قطاع غزة سقطت كل هذه الإدعاءات في ضوء ما شهده العالم من قتل واستهداف للأطفال والنساء والشيوخ والصحفيين وكل المدنيين ونحن نتحدث عن حوالي مئة ألف بين شهيد وجريح ومفقود.
في المحصلة، فشل هذا الكيان بتحقيق أهدافه خلال المئة يوم الأولي، وبحسب عديد المراقبين العسكريين والسياسيين، فإنه لن يتمكن من تحقيقها تلك الأهداف ليس في مئة يوم جديدة بل في مئة شهر، إلا عبر وقف إطلاق النار ومفاوضات التبادل غير المباشرة مع حركة حماس وبقية المقاومين حيث ذكرت القناة الرسمية الإسرائيلية أن العسكريين الأمريكيين الذين يتعاملون مع نظرائهم في تل أبيب باتوا يشيرون إليهم باستحالة تحقيق أهداف الحرب التي أعلنوها، مثلما أبلغ وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن رئيس وزراء إسرائيل خلال زيارته الأخيرة باستحالة إنهاء حركة حماس عسكرياً.. حتى إذا توفرت الفرصة لإسرائيل بالوصول إلى أنفاقها الموعودة لتحرير الرهائن فإنها لن تجدهم أحياء، وهذا قرار اتخدته فصائل المقاومة في غزة؛ الأمر الذي من شأنه أن يُحرّك موجة غضب داخلي ضد نتنياهو وحكومة الحرب التي شكّلها.. وصولاً إلى إسقاطها في الشارع.
أمريكياً؛ وبرغم التغطية المستمرة لقرار الحرب وعدم وقف النار، فإن إستمرار العمليات العسكرية بوتيرتها الحالية وبهذا القدر من الضحايا يومياً، بات يُضرّ بمصداقية الولايات المتحدة أمام الرأي العام الأمريكي وأيضاً المجتمع الدولي. حتى أن الخلافات بين واشنطن وتل أبيب باتت حقيقة لا تقبل الجدل وما جنته زيارة بلينكن الأخيرة لإسرائيل لم تكن إلا فشلاً ذريعاً حيث كان الخلاف سيد الموقف، وهو الأمر الذي تم تكريسه بعد اتصال الرئيس الأمريكي جو بايدن بنتنياهو، أمس الأول (الجمعة)، حيث نقلت شبكة “سي إن إن” عن مسؤولين أمريكيين قولهم إن نتنياهو لم يستبعد خلال الإتصال فكرة إقامة دولة فلسطينية، وهو الأمر الذي استدعى نفياً من نتنياهو في اليوم التالي.
في ظل هذه الأجواء، يبرز سؤال ساذج من نوع هل كان “طوفان الأقصى” يستحق كل هذا الثمن قتلاً وتخريباً وتدميراً وتهجيراً؟ وهو سؤال منطقي جداً، لكن المنطقي أيضاً أن التحرير والخلاص من الاستعباد والتمييز العنصري والاحتلال يستأهل أكثر من ذلك. ولعل تجارب الشعوب علي مدي التاريخ تتحدث عن مثل هذه الضرائب ليس في منطقتنا وإنما في كافة أرجاء المعمورة، وهذا ما حصل في فيتنام، كما في الجزائر بلد المليون شهيد وفي العديد من دول إفريقيا وآسيا.. وحتي في أوروبا والقائمة تطول مع المستعمر الإنكليزي والإسباني والفرنسي والأمريكي والإيطالي والألماني وهكذا دواليك. زدْ على ذلك أن قضية فلسطين ليست قضية عابرة. إنها قضية مقدسات دينية وأرض محتلة وقبلة أولي للمسلمين ومولد السيد المسيح ناهيك عن التداعيات السياسية للإحتلال التي أثّرت علي كافة دول المنطقة بشكل أو بآخر منذ 75 عاماً..
ماذا بعد وهل سيتحقق السلام؟ قبل الإجابة علي هذا السؤال؛ عن أي سلام نتحدث؟ هل نحن نتحدث عن السلام بالمقاسات الإسرائيلية أم الغربية أم الفلسطينية؟ الإعتقاد السائد أن الدول الغربية وتحديداً أمريكا تحاول طرح مشاريع إستسلام وهي عملت بهذا المسار منذ سبعينيات القرن الماضي لكنها كانت تصطدم ليس بالرفض الفلسطيني وإنما بالرفض الإسرائيلي لكنها كان تُوضع برسم الفلسطينيين والعرب لأسباب متعددة. ومن خلال التاريخ فإن إسرائيل لا تريد السلام؛ ومن يعتقد غير ذلك فإنه يعيش في وهم وسراب لأن الكيان رفض كل مشاريع السلام؛ واليوم يرفض مشروع حل الدولتين. لقد وافق علي السلام الإبراهيمي لأنه مفصل علي مقاساته ولا سيما على مقاسات “يهودية الدولة” العبرية.
فلسطينياً؛ أعطت الأحداث والتطورات دفعاً للقضية الفلسطينية وصارت قضية الأمم والرأي العام العالمي بعدما كانت انحسرت إلى حد التصفية في ضوء أجواء التطرف والتشدد اليميني الإسرائيلي وبناء المستوطنات في الضفة الغربية وانتهاك المسجد الأقصى يومياً؛ وأيضاً في ضوء ما قامت به الولايات المتحدة من جهود للتطبيع وتنفيذ “صفقة القرن” والتداعيات التي عاشتها الأمة العربية بعد “الربيع العربي” وسقوط أنظمة سياسية كانت تُشكّل في يوم من الأيام دول “الصمود والتصدي” غداة زيارة الرئيس المصري أنور السادات للقدس عام 1977 وانهيار جيوش هذه الدول، الواحدة تلو الأخرى! إن مرحلة ما بعد السابع من تشرين الأول/أكتوبر ليست كما قبلها بكل المقاييس؛ كما أن المئة يوم الأولي من العدوان علي غزة لن تكون كما المئة يوم الثانية؛ ولن تكون قواعد الإشتباك السياسي والأمني والعسكري هي ذاتها التي كانت تحكم الكيان.
وبعيداً عن المبالغة فإن ما أصاب سكان غزة من قتل ودمار وتهجير أصاب الكيان أكثر بكثير “وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ۖ إِن تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ ۖ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا” صدق الله العلي العظيم.
(U2saleh@gmail.com)
/انتهى/
المصدر
الكاتب:
الموقع : tn.ai
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-01-22 15:29:43
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي