بقلم العميد محمد الحسيني
حاولت الحكومة الصهيونبة بعد السابع من أكتوبر (طوفان الأقصى) جاهدةً إظهار نفسها كدولة معتدى عليها لا بل أكثر من ذلك عمدت إلى الفبركة والترويج لمزاعم قطع رؤوس أطفال إسرائيليين وحرق جثثهم خلال هجوم “حركة حماس” على مستوطنات غلاف غزة، عبر أذرعها الإعلاميّة المتعددة وأجهزتها المخابراتيّة وعلى رأسها “الوحدة 8200” المتخصّصة في الحروب الإلكترونية، مستعرضة صوراً مزيفة أمام وزير الخارجية الأميركي “أنتوني بلينكن” ووزراء دفاع الدول الأعضاء بحلف شمال الأطلسي، مستعيدة إلى أذهانهم محارق “الهولوكست” التي يدّعونها، تفاعلت هذه الدول مع مزاعم العدو من دون تقصي للحقائق، فحصل “نتنياهو” على حربه المدمرة ضد قطاع غزة في “توأمة للنازية” إن لم تكن أصلها، وهي حرب إبادة لم يشهد مثلها التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الثانية.
لم يكتفِ العدو بدعاية “حرق الأطفال وقطع رؤوسهم” فقط، حتى بعد انكشاف أن لا أساس لها في الواقع، بل انتقل بدعايته إلى “دعشنة حماس”، في إشارة إلى تنظيم الدولة الإسلامية، ومن ثم الحديث عن أدلة تثبت تورط “حماس” في محاولة إنتاج سلاح كيميائي، إلى إتهام المدنيين الفلسطينيين بالإرهاب عبر إسقاط آلاف الرسائل الورقيّة على سكّان القطاع لإخلائهم من شماله إلى جنوب وادي غزة معتبرة كل من يتمسّك بأرضه ومنزله “شريكٌ بتنظيم إرهابي”.إلخ…..
فلماذا الإصرار على بث وتكرار هذه البروباغاندا رغم اكتشاف زيفها ومحاولة ربط المقاومة الفلسطينية والفلسطينيين عموماً بالإرهاب؟
لعل أبرز ما يتبادر إلى الأذهان أنه لتخويف الغرب وإثارة استعطاف مشاعر العالم، هذا صحيح، لكن للعدو أهداف خبيثة أبعد ذلك، تبرر إفتقاره لهكذا حملة إعلامية:
1- الحاجة الملحة والفورية لإمتصاص نقمة الداخل الإسرائيلي بعد فشل المنظومة الأمنية لغلاف غزة.
2- التعمية على مجازر جيش الإحتلال يوم 7 اكتوبر بحق مستوطنيه خلال هجومه المعاكس، سيما بعد فضيحة الدبابات التي قتلت مدنيين بينهم أطفال في مستوطنة “بئيري”، أو المروحية الإسرائيلية التي استهدفت بالنار المشاركين في حفل “مهرجان الطبيعة” في “غلاف غزة” قرب مستوطنة “رعيم” فتسببت بقتل وجرح الكثير منهم.
3-إمتصاص صدمة عائلات الأسرى بادىء الأمر عبر الإيحاء بأنّ الحرب ثأرٌ لمجازر “حماس” لا يمكن السكوت عنها ولتحرير الأسرى قاطعاً الطريق على أية مفاوضات لتحريرهم سلمياً.
4-شد عضد ضباط وأفراد جيش الإحتلال بتعزيز روح الإنتقام لديهم، ودفعهم بالتالي إلى ارتكاب المجازر الممنهجة ضد الفلسطينيين من دون مساءلة.
5 -إستغلال الموافقة الدولية بالقضاء على “حماس” وتسخيرها في تنفيذ مجازر وتدمير شامل للقطاع من دون رادع إنساني أو محاسبة أممية، بغية زرع الرعب والخوف في قلوب الفلسطينيين لتنفيذ أكبر مخطط تطهير عرقي في العصر الحديث، تمهيداً لتمرير مشروع القناة المائية (قناة بن غوريون) التي ترمي إلى الربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط.
6 -بعد 8 اكتوبر كانت حكومة العدو بحاجة إلى التكتم عما يجري على جبهتها الشمالية تخفيفاً للإرباك السياسي الداخلي، لذلك وجّهت كل الوسائل الإعلامية بادئ الأمر باتجاه غزة متجاهلة جبهة “حزب الله”. ولم تُسلط الضوء عليها إلا بعد تنامي خسائر جيشها في الميدان وضغط مستوطني الشمال عليها.
7 – الدافع الشخصي ل”بنيامين نتانياهو” فهو يريد حرباً بهذا الحجم هرباً من واقعه السياسي المأزوم لا بل يسعى إلى إطالة أمدها خشية مما ينتظره من مساءلة على “كرة الفشل” التي تدحرجت بدءاً من 7 اكتوبر مراكمة خيبة تلو الأخرى يتقاذفها بين وزرائه والجيش، ناهيك عن ملاحقته قضائياً في 3 قضايا فساد.
هي ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يلجأ فيها العدو للخداع وتزوير الوقائع وتلفيق التهم وإبتكار الدعايات الكاذبه حتى لو أدى ذلك إلى مقتل مواطنين يهود والأمثلة على ذلك كثيرة:
في 26 يوليو 1994 تم استهداف سفارة الإحتلال في لندن بسيارة مفخخة أصيب خلالها 20 مدنيا بجروح، وبعد 13 ساعة انفجرت سيارة مفخخة أخرى خارج منزل بلفور الذي كان في ذلك الوقت مقراً لإحدى أكبر الجمعيات الخيرية اليهودية، أسفر عن إصابة 6. إعتقل الأمن البريطاني فلسطينيين بريئين، لتكشف وكالة الاستخبارات البريطانية بعد سنوات، عن قيام الموساد الإسرائيلي بتدبير انفجاري عام 1994.
في العام 1982 تم استعمال محاولة إغتيال شلومو أرجوف سفير الإحتلال في المملكة المتحدة آنذاك سبباً لإجتياح لبنان.
عملت حكومة الإحتلال التي نشأت في سنة 1948، على إيذاء يهود البلاد العربية بهدف دفعهم إلى الهجرة إلى فلسطين، حيث فجرت يوم 20 يونيو 1948 في حارة لليهود في وسط القاهرة عبوة نجمَ عنها مقتل 22 يهودياً وإصابة 41 آخرين بجروح. بعد أربعة أسابيع من الحادث الأول وفي توقيت مشبوه وبالتحديد يوم 15 يوليو قامت ثلاث طائرات تابعة لسلاح جو العدو بقصف حي سكني في القاهرة خلال موائد الإفطار في شهر رمضان في أول خرق لهدنة 1948 بين مصر وإسرائيل مما تسبب في مقتل العديد من المدنيين وتدمير الكثير من المنازل أدى ذلك الى مظاهرات عفوية للمصريين ضد اليهود.
وفي أوائل الستينيات من القرن الماضي كُشف عن خلية كبيرة للموساد في المغرب، لتنفيذ أعمال إرهابية ضد اليهود، واتهام سلطات المغربية بذلك، لكي تسمح للحركة الصهيونية باستجلابهم إلى فلسطين المحتلّة.
قامت المنظمة الصهيونية عام 1940 بتفجير قنبلة داخل السفينة “إس إس باتريا” الفرنسية التي كانت ترسو في ميناء حيفا وعلى متنها حوالي 1800 مهاجر يهودي لإعطابها ومنع إعادة ترحيلهم من قبل السلطات الانتداب البريطاني، أدت إلى مقتل 267 شخصاً منهم، فيما أصيب 172 آخرون بجراح، إتُهم الفلسطينيون بادئ الأمر بالتفجير، ونتج عنه فتح باب الهجرة لليهود على مصراعيه …
والأدهى من كل هذا عندما نبتت ذهنية الخداع الإعلامي من رحم التزوير التاريخيّ لدى “بنيامين نتنياهو” حيث إتهم في العام 2015 الزعيم الفلسطيني في الاربعينيات المناضل الحاج “أمين الحسيني” بأنه هو من أقنع “هتلر” شخصياً بتنفيذ محرقة اليهود في أوروبا، مستغفلاً العلاقة “الصهيونازية” منذ ما قبل الحرب العالمية الثانية، فماذا كان يفعل ستة آلاف جندي يهودي عام 1940 في الجيش الألماني؟ والعشرات من اليهود الأعضاء في الحزب النازي؟ أليسوا وسيلة لتحقيق غاية؟… فهل يعيد التاريخ نفسه ويتكرر سيناريو “محاكمات نورنبيرغ” في لاهاي مجددا لكن هذه المرة “بنسخته الصهيونية”؟…فإنّ من دأب على تفجير بني قومه عمداً لتحقيق أهدافه، وقتله أطفاله وأسراه ليُضلّل بهم الرأي العام تنفيذاً لمآربه، تَهون عليه إقناع النازيين والمشاركة بمحارق أبناء دينه لصياغة رواياته النيرونية! كما فعل بالأمس واليوم في فلسطين كل فلسطين، “خسئت أممٌ يَكتب تاريخها المتكبرون ليقرأها المستضعفون”…