بتهمة ارتكاب إبادة جماعية، كيان الاحتلال يواجه جنوب إفريقيا أمام العدل الدولية.. ماذا نعرف عن القضية؟
العالم-الاحتلال
وكانت محكمة العدل الدولية قد قالت يوم الجمعة 29 ديسمبر 2023، إنها تلقت طلبا من جنوب إفريقيا لرفع دعوى ضد كيان الاحتلال لانتهاكه اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وجاء في الدعوى أن “إسرائيل قامت بأفعال تهدف للتطهير العرقي في غزة”.
ويأتي التحرك الجنوب أفريقي بعد استشهاد أكثر من 21 ألف فلسطيني معظمهم من النساء والأطفال نتيجة الحرب الصهيونية المتواصلة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023.
قدمت جنوب إفريقيا ملفا قانونيا يتألف من 84 صفحة، يقول إن أفعال “إسرائيل تحمل طابع الإبادة لأنها تهدف إلى تدمير جزء كبير” من الفلسطينيين في غزة.
بحسب الحجج المقدمة في الملف، فإن أعمال الإبادة المذكورة تشمل قتل الفلسطينيين، والتسبب بضرر جسدي ونفسي خطير، وتعمّد خلق ظروف تهدف إلى “تحقيق تدميرهم جسديا كمجموعة”، كذلك يرد في الملف أن هناك تصريحات علنية لمسؤولين صهاينة تعبر عن نية الإبادة.
وقالت المحاضرة في القانون في جامعة جنوب أستراليا جولييت ماكنتاير لشبكة “بي بي سي”، إن ملف جنوب إفريقيا “شامل للغاية” وقد تمت “صياغته بعناية مطلقة”، مضيفة أن الملف “يسعى للرد على كل حجة محتملة من كيان الاحتلال.. ومعالجة أي ادعاء قد يشكك في اختصاص المحكمة. وتقول جنوب إفريقيا إنها طرحت الموضوع مع الاحتلال في منتديات مختلفة قبل رفع القضية”.
وأعلنت جنوب إفريقيا عن الفريق القانوني الذي سيمثلها، ويضم عددا من المحامين والخبراء القانونيين، في مقدمتهم جون دوغار، وهو محام وأحد أبرز خبراء القانون الدولي في البلاد، وكان مقررا خاصا للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية، وعمل قاضيا في محكمة العدل الدولية سابقا.
رفض الاحتلال ما وصفته بـ “المزاعم التي لا أساس له من الصحة وتهدف إلى إثارة الكراهية لليهود”، واعتبرت إسرائيل أن ادعاء جنوب إفريقيا “يفتقر إلى أساس واقعي وقانوني ويشكل استغلالا خسيسا ومهينا للمحكمة”.
وقالت وسائل إعلام صهيونية إن الاحتلال قرر المثول أمام محكمة العدل الدولية للرد على دعوى قدمتها جنوب إفريقيا لمقاضاة كيان الاحتلال بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.
وذكرت تقارير إعلامية نية الاحتلال إرسال القاضي السابق في المحكمة العليا الإسرائيلية، أهارون باراك، للمشاركة في جلسة الاستماع أمام المحكمة التي تتخذ لاهاي مقرا لها والتي ستنظر في القضية.
واتهمت خارجية الاحتلال حركة المقاومة الإسلامية (حماس) بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وقالت إنها مسؤولة عن معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة.
ودعى الاحتلال محكمة العدل الدولية والمجتمع الدولي إلى “الرفض التام لادعاءات جنوب إفريقيا التي لا أساس لها من الصحة”، على حد قولها.
ما هي الإبادة؟
بحسب اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، الصادرة عن الأمم المتحدة عام 1948، تعني الإبادة ارتكاب أعمال بقصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، وتشمل تلك الأعمال: “قتل أعضاء من الجماعة، إلحاق أذى بدني أو نفسي خطير بأعضاء من الجماعة، إخضاع الجماعة عمدا لظروف معيشية يراد بها تدميرها مادياً كليا أو جزئيا، فرض تدابير تستهدف الحؤول دون إنجاب الأطفال داخل الجماعة، نقل أطفال من الجماعة عنوة إلى جماعة أخرى”.
أهمية طلب جنوب إفريقيا وما بعده
لفت عضو هيئة التدريس بكلية الحقوق في جامعة “ميديبول” بمدينة إسطنبول التركية، الدكتور عبد الله مصعب شاهين لوكالة “الأناضول” إلى أن الطلب الذي قدمته جنوب إفريقيا “يتضمن مطالبات لمنع أعمال إسرائيل التي ترقى لتكون إبادة جماعية، وتسجيلها إبادة جماعية، وتحديد التزامات إسرائيل باعتبارها دولة، ومحاكمة ومعاقبة المجرمين من خلال التنسيق بين محكمة العدل والجنائية الدولية“.
وبين أنه في المرحلة الأولى يجوز إصدار أمر قضائي “مؤقت فوري” وفقا للوائح، نظرا لوجود حالة طارئة.
وقال: “بعد الطلب، قد تبرز على جدول الأعمال قرارات احترازية مثل تعليق العمليات العسكرية الإسرائيلية العلنية أو السرية، ووقف الأعمال التي ترقى لأن تكون إبادة جماعية، ومنع تدمير الأدلة، وعدم منع الوصول إلى قطاع غزة، وضمان حرية وصول المنظمات الإغاثة الدولية للمنطقة“.
وذكر الأكاديمي التركي أن “إسرائيل قد تبدي مقاومة وعدم الامتثال لقرارات محكمة العدل”، واستدرك: “لكن أي سلوك من جانب إسرائيل يتعارض مع قرارات محكمة العدل الدولية التي تشكل الجهاز القضائي للأمم المتحدة سيزيد الضغوط التي يمارسها المجتمع الدولي، وفي مثل هذا السيناريو فإن دعم الساسة الغربيين لإسرائيل يعني رفض مبدأ حقوق الإنسان برمته“.
واستطرد: “فضلا عن ذلك، فإن موقف إسرائيل المناهض لقرارات محكمة العدل قد يدفع مجلس الأمن الدولي إلى التدخل، فضلا عن الضغوط الشعبية الناجمة عن ذلك“.
وأوضح أن “إسرائيل” منذ تأسيسها “لم تتصرف أبدا وفقا لقواعد القانون الدولي، وأن الإسرائيليين يعيشون معزولين عن محيطهم ضمن فقاعة”، لافتا إلى أنهم “يتمكنون من البقاء غير مبالين بالتطورات العالمية ضدهم، وقد تكون هذه الخطوة من جانب جنوب إفريقيا نقطة تحول في مدى حصولها على الدعم من دول أخرى على الساحة الدولية“.
وقال: “بعد عقود، توفرت إمكانية إخضاع إسرائيل بوصفها كيانا سياسيا للمساءلة القانونية عن أفعالها، وفتح طريق محاسبتها بذلك، ومن أجل أن تسير هذه العملية على النحو المنشود، فلا بد أن تحظى خطوة جنوب إفريقيا الجريئة بدعم عاجل من الدول الأخرى وأن تتدخل تلك الدول بالانضمام إلى القضية التي رفعتها“.
ولفت إلى أن تحديد ما إذا كانت ممارسات “إسرائيل” تشكل جريمة إبادة جماعية من عدمه “يقع ضمن اختصاص المحكمة”، وبين أن جنوب إفريقيا قدمت طلبها بناء على اللائحة الواردة في المادة 9 من اتفاقية “منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها” لعام 1948، وتعد جنوب إفريقيا وإسرائيل طرفين فيها، ووفقا لأحكام الاتفاقية يقع على عاتق الدول الأطراف فيها الالتزام بمنع الإبادة الجماعية.
وعلى هذا النحو، أشار شاهين إلى أن جنوب إفريقيا “قدمت طلبها من خلال تسليط الضوء على مسؤوليتها في منع الإبادة الجماعية الناشئة عن الاتفاقية المذكورة التي هي طرف فيها“.
وأوضح أن هذا الالتزام بمنع الإبادة الجماعية “يعني أن الدول التي تدعم إسرائيل أو التي لا تتخذ إجراءات ضدها على المدى الطويل، يمكن أن تتحمل أيضا مسؤولية الإبادة الجماعية“.
وذكر أن جنوب إفريقيا تربط مطالبها بالتشديد على أن تصرفات إسرائيل “لا يمكن اعتبارها ضمن نطاق الدفاع المشروع”، فهي تنص بوضوح على أن الإجراء الذي اتخذته “حماس” عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر الماضي، “لن يضفي الشرعية على أعمال إسرائيل التي ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية“.
ومن ثم، يجري تأكيد أن “ممارسات إسرائيل لا يمكن اعتبارها ضمن نطاق الدفاع المشروع عن النفس، بل يجب اعتبارها إبادة جماعية”، على حد قوله.
ردود الفعل الدولية على محاكمة الاحتلال
أعلن عدد من الدول دعمها للدعوى وتجهيزها للحجج القانونية اللازمة من بينها الأردن وبوليفيا وبنغلادش وجزر القمر وجيبوتي.
وأكد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط تأييد جامعة الدول العربية للدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد “إسرائيل” أمام محكمة العدل الدولية.
وقال أبو الغيط في تصريحات للصحفيين: “نؤيد بشكل كامل الدعوى التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية بتهمة ارتكاب جرائم إبادة جماعية، وخرق اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948.. وأتطلع الي حكم عادل يوقف هذه الحرب العدوانية ويضع حدا لنزيف الدم الفلسطيني“.
وأضاف أبو الغيط “أشكر جنوب إفريقيا وحكومتها على اتخاذ هذا الموقف المبدئي الذي يضع الأخلاق والقيم الإنسانية فوق أي اعتبار.. وأؤكد على دعم الأمانة العامة للجامعة للمسعى الجنوب إفريقي بكل السُبل الممكنة“.
وأشادت وزارة الخارجية البوليفية بالخطوة التي اتخذتها جنوب إفريقيا بهذا الصدد بموجب التزامها باتفاقية “الإبادة الجماعية”، معتبرة إياها خطوة تاريخية في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، مؤكدة ضرورة دعم هذه المبادرة من قبل المجتمع الدولي.
ولفتت الوزارة إلى أن بوليفيا بالشراكة مع جنوب إفريقيا وبنغلاديش وجزر القمر وجيبوتي تقدمت في الـ 17 من نوفمبر الماضي بدعوى إلى محكمة الجنايات الدولية للتحقيق في الأوضاع في الأراضي الفلسطينية، وتعتبر بوليفيا أول دولة في أمريكا اللاتينية تعلن تأييدها دعوى جنوب إفريقيا.
يذكر أن قرارات محكمة العدل الدولية تكون ملزمة بشكل عام، ولكن القضاة ليس لديهم سلطة فرض هذه الأحكام.
المصدر
الكاتب:
الموقع : www.alalam.ir
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-01-11 06:01:34
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي