وفيما تدخل الحرب بين إسرائيل وحماس يومها 87 ، لا تلوح في الأفق أي بوادر نحو خفض التصعيد، ما يطرح أسئلة عن الأدوار التي يمكن أن تلعبها أبو ظبي والرباط والمنامة في إنهاء هذه الأزمة، خاصة وأنها قدمت تطبيعها كفرصة من شأنها أن تفتح آفاق السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
عندما تم توقيع اتفاقيات أبراهام في سبتمبر/أيلول 2020، اعتبر معارضو هذه الخطوة بأنها مثال حيّ وصلِف للانتهازية الجيوساسية. يتعلّق الأمر برغبة الولايات المتحدة، تحت إدارة دونالد ترامب، في إعادة إحياء هيمنتها التي باتت في تراجع، وذلك من خلال التفاوض على اتفاقات سلام إسرائيلية عربية جديدة، تفضي إلى تعزيز الجبهة المعادية لإيران، وتحسين علاقاتها مع حلفائها العرب. قام هؤلاء الحلفاء (الإمارات العربية المتحدة والبحرين والمغرب) بالتلويح بإمكانية التطبيع مع إسرائيل من أجل الحصول على اتفاقات تجارية جديدة، ومساعدات عسكرية، ومكاسب أخرى. استغلّ المغرب خصوصية تراثه التاريخي (أي وجود أقلية يهودية كبيرة في البلاد) لتبرير التقارب مع إسرائيل، آملاً أنه من خلال مدّ يده نحو تل أبيب سيخفّف من الضغوط المفروضة عليه بشأن الصحراء الغربية، وسيحظى بالاعتراف بسيادة الرباط على هذا الإقليم.
أمّا إسرائيل، فقد كان هدفها تعزيز مكانتها الدولية من خلال الاتفاقات التي تم التوصل إليها مع دول عربية تتشارك معها – وهذا الأمر ليس بالصدفة – هدف احتواء إيران التي تمتلك قوة عسكرية.
تهميش القضية الفلسطينية
استفاد جميع هؤلاء الفاعلين من تهميش القضية الفلسطينية، التي عُزلت عن باقي أزمات الشرق الأوسط خلال ثورات “الربيع العربي”. وهو ما جعل من اتفاقيات أبراهام مثالًا حيّا على الواقعية السياسية الصلفة. ومع ذلك، فقد تبنّت دول عربية أخرى مواقف مختلفة على المستوى الجيوسياسي. فقد راهنت الجزائر على فشل هذه الاتفاقيات، بينما فضّلت قطر البقاء خارج الصراعات الإقليمية من خلال سعيها للعب دور وسيط، كما فعلت في أفغانستان.
جاء اتفاق “أبرهام” من منطلق وحدة التهديد أو التحدي المتمثل في دولة إيران، إضافةً إلى الفصائل الفلسطينية المُسَلَّحة التي يصنِّفها طرفا الاتفاق ضمن مُسَمَّى “جماعات إرهابية”، والتمدد التركي الذي يمثل رافِدًا وحليفًا لانتشار الإسلام السُّنِّي المعتدل الذي يُعَدُّ عَدُوًّا لهما. ومن منطلق وحدة التحدي يكون الاتفاق أو “التحالف” فرصة لتجسيد الأهداف المتقاربة.
ونظرًا لخصوصية البيئة العربية التي تَشَكَّل وعـيُها الجَمْعِيُّ على العداء العميق لإسرائيل باعتبارها كيانًا محتلًّا للأراضي الفلسطينية، فإنَّ إقناع الشركاء بسلامة الخيار يفترض الترويج لأهداف سامية من قبيل إحلال السلام في الشرق الأوسط، وإنقاذ الأراضي الفلسطينية من خطر الضم، وتحقيق السعادة للشعب العربي من خلال الرَّخاء المُزمَع تحقيقه من هذا الاتفاق.
من هذا المنطلق كان لاتفاق أبراهام بُعدان؛ أولهما مُعلَنٌ سعى طرفاه ورُعاته إلى الترويج له، والثاني خَفِيٌّ يعمل أطرافه على تحقيقه على المستوى القريب والمتوسط والاستراتيجي. وفي هذه الورقة، سنتطرَّقُ إلى نقاط التشابه والتمايُز بين اتفاق أبراهام ومعاهدات التطبيع السابقة، ثم إلى الأبعاد المُعلَنة للاتفاق، وفي مستوى ثالث سنتعرض للأبعاد المخفيَّة لاتفاق “أبراهام”والأهداف الاستراتيجية المشتركة للدول الموقّعة عليه.
- التشابه والتمايُز بين اتفاق “أبراهام” ومعاهدات التطبيع السابقة
يمثل التطبيع أو إنهاء حالة الحرب عودة إلى العلاقات الطبيعية بسياقاتها السياسية والاقتصادية والأمنية بين دولتين أو أكثر تتقارب أوزانها العسكرية والاقتصادية والديمغرافية، كما حدث بين ألمانيا وفرنسا بعد نهاية الحرب العالمية الثانية، وبين اليابان والصين، وهذا ما ينتفي في حالة اتفاق أبراهام؛ فالحرب غير واقعة بين دولة الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل، ولا بين مملكة البحرين وإسرائيل، كما أنَّ الدفاع عن القضية الفلسطينية ضَعُفَ في الإمارات إلى مستوى الزوال مع القادة الجُدد. أمَّا من حيث الوزن العسكري والسياسي والاقتصادي، فإنَّ الفرق شاسع في المؤشرات بين إسرائيل والإمارات والبحرين. وتَبَعًا لما تقدَّم، يمكن القول: إنَّ مصطلح التطبيع ليس دقيقًا في هذه الحالة، وما حصل هو اتفاق أمنيٌّ اقتصاديٌّ يخدم مصالح الطرفين بمستويات متفاوتة. فكيف يتنزَّل اتفاق أبراهام في سياق مبادرات التطبيع السابقة.
لعبة الخفاء والعلن
لقد مرَّت العلاقات الإماراتية-الإسرائيلية بسياق منسجم مع البيئة العامَّة التي تتَّـسم بالمُعاداة العربية لإسرائيل المحتل للأراضي الفلسطينية. فكان التقارُبُ السري في البداية خدمة للمصالح الثنائية بينهما، لأن الجهر بها يضر هذا المسار، أما التخفي فيخدم استمرارية العلاقة انتظارًا لتوفر الظروف المناسبة لخروجها إلى العلن وزوال الموانع التي تقف أمامها.
علاقات ممتدة بين طرفَيْ الاتفاق
امتـدَّت العلاقات بين الإمارات وإسرائيل في شكلَيْها، السري والعلني، مدة عَقدَيْن من الزمن، واتَّخذت أبعادًا مختلفة، فشملت المجالات الأمنية والعسكرية والتجارية والاقتصادية. من ذلك أنَّ “هيئة المنشآت والمرافق الحيوية في أبوظبي” المسؤولة عن الأمن والسلامة، وقَّعت، عام 2008، عَقدًا مع شركة “آي جي تي إنترناشيونال (AGT International) السويسرية المملوكة لرجل الأعمال الإسرائيلي، ماتي كوتشا في، بقيمة 816 مليون دولار، لشراء معدات مراقبة للبنى التحتية الحيوية في الإمارات. كما زوَّدت الشركة المذكورة أبوظبي بثلاث طائرات مُسَيَّرة لتعزيز قدراتها الاستخباراتية والأمنية. واقتنت شرطة أبوظبي من الشركة نفسها نظام المراقبة الأمنية المركزي “عين الصقر (Falcon Eye)، الذي بدأ تشغيله في منتصف شهر يوليو/تموز 2016 .كما زودت مجموعة “إن إس أو (NSO) الإسرائيلية الإمارات، في أغسطس/آب 2018، بتكنولوجيا متقدمة تُعتَمَدُ في قرصنة الهاتف الجوال والتجسس على العناصر المُناوِئَة لها.
أمَّا على المستوى العسكري، فقد اشتركت الإمارات مع إسرائيل في مناورات عسكرية مثل مناورات “العَلَم الأحمر (Red Flag)، وهي مناورات متقدمة على القتال الجوي، تُشرِفُ عليها القوات الجوية الأميركية، وفي مارس/آذار 2017، وأبريل/نيسان 2019، شارك كُلٌّ من سلاح الجو الإماراتي وسلاح الجو الإسرائيلي في تدريبات عسكرية عُرفت باسم “إينيو هوس (Iniohos) في اليونان.
التدرُّج المُحتَـشِم في الكشف عن التقارُب
حافظت الإمارات العربية المتحدة على نهجها الرافض للعلاقات مع إسرائيل في عهد الشيخ زايد؛ حيث ربطت مشاركتها في المؤتمرات التي تحضرها إسرائيل بحدوث تقدُّم على كل مسارات العلاقات العربية-الإسرائيلية بما فيها المساران، السوري واللبناني. فالقانون الإماراتي كان يجرِّم الاعتراف بالإسرائيلي على حساب الفلسطيني، وعَـدَّ مجاملة الإسرائيلي جريمةً يعاقَب مرتكبها بالسجن. إلا أنَّه بُعَيْدَ رحيل الشيخ زايد تتابعت زيارات الوفود الإسرائيلية إلى أبوظبي، وكانت أول زيارة علنية لمسؤول إسرائيلي إلى الإمارات العربية المتحدة من طرف عوزي لنداو (Uzi Landau) خلال مشاركته في مؤتمر وكالة الأمم المتحدة للطاقة المتجددة في عام 2010.
كما تواترت المعلومات التي تدور في الأوساط السياسية وتشير إلى أنَّ هناك تقارُبًا وعلاقات إماراتية-إسرائيلية غير مؤكَّدة حتى أواخر يوليو/تموز 2017، حين كشفت جريدة هآرتس الإسرائيلية عن لقاء سري جرى بين رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد، في نيويورك، في 28 سبتمبر/أيلول 2012(12). وقد مثَّل مؤتمر وارسو محطة مهمة في مسار هذا الاتفاق؛ حيث تضمن خطة هدفها الأساسي تطبيع العلاقات العبرية على أوسع نطاق مع الدول العربية. ولم تكن مواجهة الخطر الإيراني وحشد القوى المضادة لها سوى الطُّعم الذي يضمن مشاركة الدول العربية في هذا المؤتمر، فـتمَّ الإعلان الرسمي عن إطلاق “صفقة القرن”. وقد كشف هذا الاتفاق التحول في جدلية التستُّر والاحتشام والعلن التي كانت تحكم شكل العلاقات بين الدول المُطَبِّعَة وإسرائيل؛ حيث يقتصر الأمر على التواصل داخل غرف مغلقة.
كما أنَّ انضمام البحرين لم يكن سوى رسالة للمترددين من بقية الدول العربية؛ بأنَّ الإمارات ليست الوحيدة التي تسير في هذا المضمار، وأنَّ البحرين لم يكن لها أن تُـقْدِمَ على هذه الخطوة لولا نَيْلها الضوء الأخضر من المملكة العربية السعودية. ولا ينبغي الاستغراب من الصمت تجاه الاتفاق الذي يُجهِضُ مبادرتها للسلام في الشرق الأوسط، عام 2002؛ فالقيادة الفعلية للسعودية في يد ولي العهد، محمد بن سلمان، الذي أَقَـرَّ في لقاء له بزعماء منظمات يمينية يهودية أميركية، عُقِدَ في نيويورك بتاريخ 27 مارس/آذار 2018، بوجوب “أن يأخذ الفلسطينيون المقترحات ويوافقوا على القدوم إلى طاولة المفاوضات، أو الصمت والتوقف عن الشكوى”، وفي ذلك إِقرارٌ ضِمنِيٌّ بأنَّ استمرار الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين لم يَعُدْ عقبة ضد التطبيع.
المصادر: وکالات
النهایة
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-01-10 02:00:37
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي