ٍَالرئيسية

حرب الجميع على الجميع…. هل عاد العالم إلى المفهوم الهوبزي؟

 

شفقنا-إن أحد مكونات السياسة العامة التي تتخفى وراء الأهداف الجميلة لرفاهية وسعادة الإنسان والمجتمع هو تراكم القوة. لقد شكّل مفهوم تراكم القوة كونه سياسة إستراتيجية ووسيلة لتحقيق النوايا والأهداف الإستراتيجية لصانعي السياسات والحكام؛ جزءا مهما من السياسة الخارجية. إن محاولة تراكم القوة وسيادة فكرة تراكم القوة التي تؤدي إلى سلطة حكومة أو فاعل في النظام الإقليمي والعالمي هي في حد ذاتها أحد مكونات النموذج العالمي الذي يسمى بالدولة الهوبزية. وضع وصفه توماس هوبز، المفكر الإنجليزي في القرن السابع عشر الذي قال “حرب الجميع على الجميع”. 

لقد قدم توماس هوبز، باعتباره مفكرا وفيلسوفا سياسيا للغرب في عصر كانوا لا يزالون يواجهون ظروف أوروبا في العصور الوسطى، وصفا كاملا للغاية للوضع في العالم، وخاصة في أوروبا في ذلك الوقت، وهو ما يمكن رؤيتها وتحليلها في جملتين فقط: “حرب الجميع على الجميع” و” الإنسان للإنسان ذئب”. 

يؤكد الوضع الهوبزي في هاتين الجملتين على وصف الحالة الطبيعية للحياة في الغرب وضرورة تغيير الظروف الطبيعية والفوضوية إلى الظروف الاجتماعية والتعاقدية للدولة-الشعب. وضع يقرر فيه الناس تقليص بعض حرياتهم وأدواتهم الخاصة والطبيعية أو تركها لمؤسسة وهيكل جديدين، أي الحكومة، حتى يتمكنوا من تحقيق الرخاء والراحة، والأهم من ذلك، ضمان بقاء أنفسهم أو مجتمعهم.

ضمان البقاء

وبالإضافة إلى مفهوم ضمان البقاء وهو الهدف الأساسي للإنسان من العقد الاجتماعي وتسليم جزء من حرياته للحكومة، فإن مفهوم الخوف من المستقبل والخوف من الحرب وانعدام الأمن، كان السبب في بذل المواطنين الأوروبيين وخاصة المفكرين مثل هوبز، الجهود للتخلص من حالة حرب الجميع على الجميع أو الإنسان للإنسان ذئب.

 كان الوضع غير آمن وغير منظم لدرجة أنه أطلق عليه اسم “ الإنسان للإنسان ذئب” ويظهر جميع الناس في حرب شاملة ضد بعضهم البعض. وفي مثل هذا الوضع يعهد تراكم القوة من المواطنين إلى المؤسسات والهياكل الاجتماعية والوطنية القوية، ولا يعيش المواطنون إلا على أمل الغطاء الأمني ​​الحكومي. 

تحذيرات فكر توماس هوبز 

كما أن العالم الحالي يعاني من حالة غير آمنة وفوضوية وممزقة بالحروب، وهذا يبرهن على تعريفات توماس هوبز. نفس الوضع الذي كان قائما قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية وجعل العالم يواجه كارثة الحرب العالمية. إن الوضع الحالي الذي يعيشه العالم، وخاصة ظروف وتبعات الحربين في أوكرانيا عام 2022 وغزة في أكتوبر 2023، أكد مرة أخرى تحذيرات فكر توماس هوبز، وهي حرب الجميع على الجميع والإنسان للإنسان ذئب.

 ويمكن تحليل عودة العالم إلى الوضع الهوبزي في المحاور التالية:

1 – حرب أوكرانيا وخروج أوروبا الباحثة عن الحروب من الغيبوبة:

كان الغزو الروسي واسع النطاق على أوكرانيا في 24 فبراير 2022 والتقدم الأولي السريع للجيش الروسي في قلب أوكرانيا، مما أدى بالمحليين إلى ان يذهبوا إلى الإطاحة بحكومة زيلينسكي والتفكك الكامل لأوكرانيا؛ كان علامة على خروج أوروبا الباحثة عن الحرب والتي مزقته الحروب من غيبوبة ما بعد الاتحاد السوفيتي. إن حرب أوكرانيا، التي جاءت نتيجة استفزاز طرفي الحرب (روسيا وأوكرانيا) على يد الغرب، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية، كشفت مرة أخرى ان أوروبا القرن الحادي والعشرين والاتحاد الأوروبي المثالي صار أمام فترة جديدة من الحروب الأوروبية وكما أصبح العالم يواجه حربا عالمية.

لقد أيقظ الغزو الروسي لأوكرانيا التنين الهائج لحرب الجميع على الجميع في أوروبا من غيبوبته التي دامت عقودا بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، ورفع مظلة الإرهاب لحرب عامة في أوروبا والعالم على مواطني النظام العالمي. لقد أجبر الغزو الروسي لأوكرانيا في العامين الماضيين الحكومات الغربية على إعادة كتابة استراتيجياتها، وقد هيمن سياسات تراكم القوة والسياسات العسكرية والأسلحة على السياسة الخارجية بطريقة جعلت التهديدات العسكرية والجيو سياسية تسيطر على معظم خطابات واجتماعات الزعماء الأوروبيين أو رجال الدولة الروس.

ثانيا-حرب أكتوبر 2023 في غزة وحرب الجميع على الجميع: 

فبينما كان الغرب، وخاصة أوروبا، منشغلا بحرب أوكرانيا وإدارة التبعات الجيوسياسية لهذه الحرب، وكان العالم يترقب غزو الصين لتايوان، فجأة خرجت ملامح حرب عالمية من مركز التوتر البالغ من العمر 70 عاما ونشأت الأزمة العالمية أي فلسطين ووضعت العالم في حالة من الذعر العالمي. حرب أكتوبر 2023 على غزة، والتي بدأت باجتياح محور المقاومة في غزة لإسرائيل وسرعان ما قسمت العالم إلى قطبين مؤيدين لغزة أو إسرائيل، جعلت مؤيدي إسرائيل حريصين على مواصلة القتال حتى تدمير غزة وفصائل المقاومة.

وفي مثل هذا الوضع، فإن الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الحكومات الأوروبية المتشددة، بدلا من محاولة التوصل إلى وقف لإطلاق النار أي السلام المسلح بين العرب وإسرائيل، وضعت استمرار الحرب وتدمير حماس وغزة على جدول أعمالها. وقد قدمت دعمها واسع النطاق المالي والسياسي والاقتصادي وكذلك الأسلحة؛ لإسرائيل!

ان التشكيل الحربي والتهديدات الكلامية للولايات المتحدة الأمريكية والحكومات الأوروبية من جهة، وتصرفات المقاومة وبعض الحكومات المستقلة الداعمة لغزة أو تثبيت وقف إطلاق النار من جهة أخرى، والتي أثرت على الرأي العام والأسواق العالمية وما إلى ذلك يمكن أن تكون مثالا دقيقا لأفكار هوبز على أنه “حرب الجميع على الجميع”. إن الوضع المصحوب بالهجمات الثقيلة والشاملة التي تشنها إسرائيل على غزة، والقتل والتطهير العرقي لمواطني غزة، وصمت المؤسسات الدولية، يثبت قول هوبز الآخر: “الإنسان ذئب للإنسان”.

الوضع العالمي الراهن

ان الوضع الحالي الذي يعيشه العالم، والذي يتشابه كثيرا مع الوضع قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، هو الوضع الذي يُعرف ويعرف باسم “حرب الجميع على الجميع” استنادا إلى فكر توماس هوبز.

ان حرب الاستنزاف في أوكرانيا، التي واجهت رد فعل فوري وشديد وشامل من الغرب، والآن الحرب العنيفة للغاية في غزة، والتي تعززت بسبب صمت وتعاون بعض الحكومات الغربية، وخاصة الولايات المتحدة خلقت العنف والقتل العالمي، وجعلت العالم على حافة حرب عالمية، إنها عودة إلى عصر هوبز المخيف وخوفه من الوضع العالمي في تلك الفترة، والذي ينصح أخيرا لتسليم معظم حريات الشعب وأدوات السلطة للحكومة.

الآن أصبح العالم بحق في حالة “حرب الجميع على الجميع” الهوبزية وتحول البشر إلى ذئاب بشرية ليضيفوا ورقة سوداء لتاريخ العالم ويلقي الخوف العالمي بظلاله على بقاء الإنسان. يبدو أن الجميع قد نهضوا للحرب على بعضهم البعض!

في الوقت الحالي، تحولت السياسة الخارجية إلى سياسة حرب، ولا ينظر صناع السياسات إلى التطورات العالمية إلا من خلال عدسة اللعب على القوة وتراكم القوة، فهم يسعون إلى ضمان بقائهم وإقامة سلطتهم حتى على حساب تدمير وقتل البشرية كافة.

المصدر: موقع ديبلماسي إيراني

————————

المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

 

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2024-01-07 03:19:56
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى