حرب غزة واستراتيجية أمريكا فی الشرق الأوسط

شفقنا-في أعقاب تكثيف الهجمات الصاروخية والطائرات بدون طيار لقوات أنصار الله اليمنية على السفن في البحر الأحمر، أحد أهم الممرات المائية في العالم للتجارة العالمية وشحنات الطاقة الحيوية، من أجل الرد على جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة، تحاول الولايات المتحدة تشكيل تحالف دولي لمنع تلك الهجمات. 

لكن يبدو الأمر صعبا ومعقدا بعض الشيء من دون الجهات العربية الفاعلة، بما في ذلك الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. ومع نشر القائمة الأولية لدول التحالف البحري الجديد للولايات المتحدة لحماية الملاحة في البحر الأحمر ضد أنصار الله في اليمن، لم يظهر اسم السعودية في القائمة.

  والسبب مقنع، على الأقل بالنسبة لقادة المملكة هذا اللاعب المهم في المنطقة. منذ عام 2015، شن تحالف من عدة دول عربية، بقيادة المملكة العربية السعودية، حربا واسعة النطاق تُعرف باسم “عملية عاصفة الحزم” ضد قوات أنصار الله، التي تسيطر الآن على العاصمة صنعاء وأجزاء مهمة من اليمن. وتوقع قادة التحالف هزيمة قوات أنصار الله سريعا، وهو ما لم يتحقق، وفي نهاية المطاف وصل التحالف إلى طريق مسدود وانهار، مما دفع السعودية إلى الموافقة على هدنة مع أنصار الله.

  وبعد الهدوء النسبي الذي شهدته اليمن ومنطقة البحر الأحمر بعد وقف إطلاق النار هذا، وضعت الحرب في غزة الآن أنصار الله – الذين تتمثل أيديولوجيتهم الرئيسية في العداء لإمبريالية الولايات المتحدة والاحتلال الإسرائيلي، فضلاً عن دعم قضية فلسطين – في مركز اهتمام العالم. إن هجمات أنصار الله المتواصلة والجريئة جعلت السعودية تفضل متابعة آخر التطورات من الرياض وجدة، لأنها تعتبر احتمال السلام في الحدود الجنوبية هدفا أكثر جاذبية من الانضمام إلى حملة وقف هجمات أنصار الله ضد النظام الإسرائيلي.

غياب المملكة والامارات… الأسباب

ويعود غياب اللاعبين الرئيسيين في المنطقة، الرياض وأبو ظبي، إلى قلقهما من تعطيل السلام مع إيران أو تعريض وقف إطلاق النار في اليمن للخطر من خلال الانضمام إلى أي عمل بحري. يرى المراقبون أن “حربا أخرى تعني الانتقال من عملية سياسية إلى مواجهة عسكرية أخرى، وهو ما يعطل بالفعل الخريطة الجيوسياسية للشرق الأوسط في الوقت الحالي”.

 تحاول المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتان أصيبتا بخيبة أمل إلى حد ما بسبب إحجام الولايات المتحدة عن تقديم دعم طويل الأمد لهما، منذ سنوات تغيير سياستهما الإقليمية والبحث عن شركاء جدد وإلقاء نظرة جديدة على العلاقات مع النظام الإسرائيلي، وخفض التوترات مع إيران.

وكانت أكبر الخطوات في هذه العملية حتى الآن هي اتفاقيات خفض التصعيد بوساطة الصين بين المملكة العربية السعودية وإيران في فبراير وإقامة علاقات دبلوماسية بين إسرائيل والإمارات العربية المتحدة في عام 2020. لقد أظهر بن سلمان، الزعيم الفعلي للمملكة العربية السعودية، نفسه كزعيم طموح، ليس من حيث تعزيز الجيش، ولكن في مجال التنمية الاقتصادية والتطورات الثقافية لهذا البلد في “رؤية السعودية 2030”. ولذلك، يبدو أن ما يدور في رأس هذا الزعيم السعودي الشاب والبراغماتي ليس حروب استنزاف وخطابات رسمية، بل سلام نسبي في حدوده وفي المنطقة حتى يتمكن من تحقيق أحلامه.

ويعتقد مسؤولون ومحللون سعوديون أن تحليق صواريخ وطائرات مسيرة تابعة لأنصار الله، بدلا من الطائرات المليئة بالمواد التجارية والسياحية، فوق الرياض وجدة والهجوم البري على المدن الجنوبية للمملكة العربية السعودية، هو ما لا يريد الأمير الملياردير السعودي التفكير فيه وهو يسعى سعيا لإقناع السائحين والمستثمرين، انطلاقا من انفتاح هذه المملكة وأمنها.

  واعترف فيصل بن فرحان، وزير الخارجية السعودي، في مقابلة تلفزيونية مع قناة سي إن بي سي الأمريكية الشهر الماضي، صراحة بأن تصعيد التوتر ليس في مصلحة أحد، وأن بلاده ملتزمة بإنهاء الحرب في اليمن. 

ان إرساء وقف دائم لإطلاق النار يفتح الباب أمام العملية السياسية السلمية. وتستند استراتيجية المملكة العربية السعودية الجديدة في اليمن – والتي تميل إلى عدم القيام بعمل عسكري مباشر وإقامة علاقات مع الفصائل اليمنية المختلفة – إلى حقيقة أنه بعد ثماني سنوات من الحرب، كان أنصار الله هم الذين انتصروا بالفعل.

  ومع تراجع وتيرة الحرب، اكتسبت حركة أنصار الله السلطة في شمال اليمن. وكما ترى مصادر وسلطات في المملكة العربية السعودية، فإن وقف إطلاق النار ومن ثم التوصل إلى تفاهم مشترك بين حركة أنصار الله والمملكة العربية السعودية يمكن أن يمنع تواجد جماعات المعارضة لهذه المملكة في حدودهما، بحجة أنه إذا كانت حكومة قوية على الجانب الآخر من الحدود وفي غياب الفوضى، لن يكون الطريق ممهدا أمام جماعات المعارضة في المملكة السعودية لمهاجمتها.

اللعب في ملعبين

حتى 7 أكتوبر وهجوم حماس على إسرائيل، كان كل شيء، من الجهود المستمرة التي تبذلها حكومة بايدن إلى الوعود التي قطعها الطرفان لبعضهما البعض، يشير إلى أنه تم تمهيد الطريق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل.

 بعد هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس والقصف والغزو الإسرائيلي اللاحق لقطاع غزة، توصلت معظم وسائل الإعلام ومراكز الأبحاث إلى استنتاج مفاده أن حماس بدأت الحرب لقطع تطبيع العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإسرائيل. وكان كل من القادة السعوديين والنظام الإسرائيلي حريصين على مواصلة هذه العملية. في هذه الأثناء، ما أثار قلق الفلسطينيين وحركة حماس من تطبيع إسرائيل مع السعوديين هو تهميش القضية الفلسطينية بين الدول العربية. وبعد هذا الإجراء الذي قامت به حماس، يبدو أن الدول العربية، وخاصة المملكة العربية السعودية، قد واجهت حقيقة لا مفر منها.

  وقبل أيام قليلة من هجمات 7 أكتوبر التي شنتها حماس، في 20 سبتمبر 2023، أعلن بن سلمان، في مقابلة مع شبكة فوكس نيوز، أن احتمال تطبيع العلاقات بين البلدين يقترب يوما بعد يوم، رغم أنه أكد بحذر على أنه ينبغي ضمان حقوق الفلسطينيين. وكان المسؤولون السعوديون حريصين للغاية على عدم التغاضي عن مكانتهم الدبلوماسية والمعنوية في العالم العربي والإسلامي من خلال تطبيع العلاقات مع إسرائيل. كما تظهر نظرة داخل السعودية أنه حتى قبل هجمات 7 أكتوبر، لم يكن الرأي العام متفائلا بشأن هذا التطبيع في العلاقات. وبحسب صحيفة نيويورك تايمز، أظهر استطلاع جديد للرأي أن 96% من المواطنين السعوديين يعتقدون أن على الدول العربية قطع جميع علاقاتها مع إسرائيل احتجاجا على العدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة!

لعبة الرياض الباهظة الثمن

لا يزال بعض دول الخليج ملتزمة باتفاقيات إبراهيم، رغم أنها في منتصف الحرب وتجنبت غضب الرأي العام والتزمت الصمت بشأن تنفيذها. لكن دور السعودية وأهدافها في هذه القضية مختلف للغاية وقد وضعت هذا اللاعب في موقف صعب. فمن ناحية، تعزز أهداف بن سلمان الطموحة هذه الاستراتيجية للسعي إلى بناء علاقات وثيقة أو على الأقل خالية من التوتر مع جميع دول المنطقة. ومنذ وقف إطلاق النار مع أنصار الله وإعادة العلاقات مع الدوحة ودمشق وطهران، سعت هذه الدولة إلى تطبيع العلاقات مع النظام الإسرائيلي.

  ويعتبر هذا هدفا استراتيجيا لابن سلمان، الذي يبدو أنه أوقفه تكتيكيا وحذرا في ظل الأزمة الحالية التي تشهدها المنطقة. ومن أسبابه الخوف من خرق وقف إطلاق النار مع أنصار الله في اليمن؛ وهذا الحراك الشعبي والقوي في الحدود الجنوبية لهذا البلد اذ يمكن أن يهدد أمن السعودية ويحدد الاستثمار في هذا البلد. ومن ناحية أخرى، فإن نتائج الحرب في غزة يجعل مستقبل هذه المنطقة والشعب الفلسطيني مجهولا. هذه العوامل لا تسمح للسعودية بتغيير تكتيكاتها تجاه المنطقة وتطبيع العلاقات مع إسرائيل، على الأقل في الوضع الحالي، وهي عوامل يمكن أن تسير جنبا إلى جنب مع تطورات غير متوقعة في المستقبل وقد تغير استراتيجية القادة السعوديين.

التحدي الكبير لتل أبيب

إن موقف إسرائيل في المستقبل يمكن أن يحدد قدرة هذا النظام على مواصلة المفاوضات الثنائية المنفصلة مع الدول العربية. وفي سعيها للتوصل إلى اتفاق ثنائي مع المملكة العربية السعودية، من المحتمل أن تحاول إسرائيل ضمان عدم إدراج القضية الفلسطينية في أي اتفاق محتمل. من المؤكد أن مستقبل غزة سيكون مانعا كبيرا على طريق اتفاق تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية. فقد يتم تقديم وعود رسمية للسعوديين فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، لكن السعوديين سيسعون إلى حل القضية الفلسطينية بأي وسيلة، ويبررون قراراتهم للرأي العام. في الوضع الحالي، كل شيء مرتبط بالمستقبل وبقرار الأطراف فيما يتعلق بأزمة غزة.

المصدر: صحيفة اعتماد

————————

التقارير التي يعاد نشرها من المواقع اﻷخرى تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع

————————–

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-12-28 01:43:11
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version