لسنا قريبين من تحقيق أهداف الحرب – تدمير الأنفاق يستغرق وقتاً أطول مما توقّعه الجيش

 

المصدر : معاريف
المؤلف : ألون بن دافيد

في غضون أيام قليلة، ستنتهي هذه السنة الملعونة التي جلبت الخراب على حياة كثير من العائلات، وتركت جرحاً غائراً لدينا جميعاً، أبناء المجتمع الإسرائيلي، طال الروح والجسد، وسيظل إلى الأبد. لكن لعنات سنة 2023 لن تنتهي خلال العام المقبل، إذ إن سنة 2024 ستكون أيضاً سنة لحرب متّصلة، سنة من الخسائر، والجرحى، والألم، على الجبهة الجنوبية، وربما يمتد الأمر نحو الشمال أيضاً.
في نهاية هذا الأسبوع، بات الجيش قريباً جداً من إعلان هزيمة “حماس” في شمال القطاع بأسره. معنى هذا أن لواءَي “حماس” اللذين كانا يعملان في هذه المنطقة، بكل كتائبهما، توقفا عن العمل كأطر قتالية. أما مؤسسات الحكم التابعة لحركة “حماس” في شمال القطاع، فقد دُمرت، والمنطقة “في أغلبيتها، لم تعد صالحة لعيش البشر. هذا لا يعني أنه لم يتبقّ “مخربون” مسلحون في تلك المنطقة، أو بنى عسكرية حقيقية لـ”حماس”. فهذه كلها بقيت، وستواصل إزعاجنا. لكن في إمكاننا، منذ اليوم، السفر من “زيكيم” أو “بئيري” إلى قلب مدينة غزة في سيارة غير محصنة أو ثقيلة.
مع ذلك، فإننا لسنا قريبين من تحقيق الهدفين الأساسيَين: إطلاق سراح المخطوفين، وتدمير القدرات العسكرية والسلطوية التابعة لـ”حماس”. إن إخضاع “حماس” في شمال القطاع هو إنجاز عسكري كبير، بعد شهرين من التحرك البري، وهو إنجاز دُفع في سبيله ثمن باهظ. لكن حتى مَن لا ينتمون إلى المتشائمين، ممن أوضحوا أن الجيش الإسرائيلي غير قادر على فعل ذلك، حذّروا من أن أثمان احتلال شمال القطاع ستكون أكبر، وما من أحد، ما من أحد حقاً، كان يعرف ما الذي ينتظرنا في داخل القطاع. لقد كان الجيش يعلم بأن مدينة غزة ومحيطها هما موقع محصّن يحتوي على شبكة أنفاق تحت أرضية متفرعة، لكنه لم يكن يعرف إلى أي حد كان الموقع محصّناً. وباتت القوات الإسرائيلية تُفاجأ، يوماً بعد يوم، بكشف الحجم الهائل للأنفاق القتالية، ومجمّعات القيادة التحت أرضية، التي تكتشفها هذه القوات.
تتوزع الأنفاق على شبكتين منفصلتين: فهناك الشبكة الهائلة والمتفرعة، المكونة من أنفاق قتالية ضيقة، وهي تنتشر أساساً في الخطوط الدفاعية للحركة، وتحتوي على عدد لا متناهٍ من فتحات الدخول والخروج المنتشرة على الخطوط الدفاعية المتقدمة التابعة لـ”حماس”. إن الأنفاق القتالية هي أنفاق ضيقة، بعرض جسد إنسان، وتؤدي إلى فتحاتٍ، بعضها مفتوح، وبعضها الآخر مسدود. ويمكن فتحه إذا ما دعت الحاجة. الهدف من هذه الشبكة يتمثل في خوض القتال خلال اجتياح بري إسرائيلي، وهي تمتد على مسافة مئات الكيلومترات.
خلف هذه الشبكة، تم الكشف عن شبكة أُخرى، تتمثل في مجمعات قيادية تقع على ارتفاعات مختلفة تحت الأرض، وهي بعمق عشرات الأمتار، بعضها تتوفر فيه مصاعد، وبعضها متصل بأنفاق واسعة، تتيح التحرك بواسطة سيارة. بعض هذه الأنفاق لم تكن استخباراتنا تعلم بوجوده. المثير هنا هو أننا لسنا وحدنا الذين فوجئنا: ففي أغلبية الحالات، لا تكون الأنفاق القتالية متصلة بالمراكز القيادية التي أنشأتها “حماس” في قلب المدينة، وفي جباليا والشجاعية. بكلمات أُخرى: لم تكن “حماس” تقدّر أننا سنصل إلى هذه المجمعات القيادية، ولذا، فهي لم توصلها بالأنفاق القتالية، لكي يتم استخدامها كمسارات هرب للضباط إذا ما دعت الحاجة. يقوم الجيش الإسرائيلي بتدمير الأنفاق القتالية فور اكتشافه لها. أمّا المجمعات القيادية فهو يرغب في فحصها أولاً، وحتى الآن، تم جمع كنز من المعلومات الاستخباراتية من هذه المواقع، إلى جانب أدلة مهمة تتعلق بالمخطوفين.

على صورة الانتصار أن تنتظر

إن تدمير هذه الشبكة، التي لم نكن نعرف حجمها، يحتاج إلى وقت، كما أنه يتطلب كميات هائلة من المتفجرات التي لا تتوفر دائماً. لقد اتضح أن هناك نقصاً عالمياً في مادة الـ TNT نتيجة الحرب في أوكرانيا، وليس من السهل الحصول على الكميات المطلوبة بسرعة. فضلاً عن أن الصينيين هم أكبر منتجي هذه المادة. إن تدمير هذا التفرع الهائل من الشبكات التي بنتها “حماس” يتطلب من الجيش الإسرائيلي وقتاً وجهداً غير قليلَين، بموازاة الجهود المستمرة المبذولة في القضاء على عناصر “حماس”. إن المعلومات التي يتم جمعها من الأنفاق باتت، منذ الآن، تخدم القوات العاملة في جنوب القطاع، والتي تحاول صبّ جهودها على الوصول إلى قيادة “حماس” والمخطوفين، وهي جهود لم تتكلل بالنجاح حتى الآن.
أما فيما يتعلق بالمأساة الفظيعة المتمثلة في مقتل المخطوفين في الشجاعية يوم الجمعة الماضي، فقد ذكّرت قيادة الجيش بأنه لا يكفي التحدث في المؤتمرات الصحافية عن استعادة المخطوفين لأن الأمر هدف من أهداف الحرب، بل يجب تكرار ذلك على مسامع المقاتلين. لقد أحسن رئيس هيئة الأركان، هرتسي هليفي، صنعاً حين أوضح، بطريقته الحادة والواضحة، بأنه يحظر إطلاق النار على مَن يخلع كنزته ويرفع يديه. لكن تصريحاته قوبلت بخيبة أمل من كثيرين من المقاتلين الذين فسّروا الأقوال بأنها إلقاء اللوم على مقاتلي الكتيبة 17.
إن المقاتل الموجود في خضم القتال على مدار أكثر من سبعين يوماً، منهك من التعب، وواجه العدو مرات كثيرة. مثل هذا المقاتل يجب توضيح هذه المضامين أمامه، ليلاً نهاراً. وهذا لا يجري الآن. إذ لم يتم إطلاع المقاتلين على إمكان لقائهم رهائن إسرائيليين يسيرون بحُرية. هذه مسؤولية الضباط.
لا يزال أمامنا نحو شهر من القتال المكثف في جنوب القطاع، والذي يتركز الآن في مواضع توجد فيها قيادة “حماس” والمخطوفون. ما من شك في أن القضاء على زعيم “حماس” سيختصر مدة القتال، لكن من المشكوك فيه أن يتحقق الأمر خلال الشهر الجاري. يُحتمل أن يتوقف هذا القتال في أعقاب صفقة تبادُل، بيْد أن مثل هذه الصفقة لن يتمكن من إعادة جميع المخطوفين إلى منازلهم.
بناءً عليه، لا بد من أن ننظر إلى القتال في غزة كما نظرنا إلى حملة “الجدار الواقي” في سنة 2002: فبعد الاحتلال السريع لمدن الضفة، استمر قتل المئات من الإسرائيليين في هجمات “إرهابية” انطلقت من المدن التي قمنا باحتلالها. في ذلك الحين أيضاً، لم نحصل هناك على صورة نصر. لقد تطلّب الأمر مرور عدة أعوام، عندما قمنا باجتثاث “إرهاب الانتحاريين”، إلى أن أدركنا أننا انتصرنا. وهذه هي الحال في غزة: فبعد أن نُخضع جلّ القوة المقاتلة في “حماس”، سنحتاج إلى مواصلة العمل طوال أعوام في القطاع لكي نتمكن من اجتثاث أي نمو جديد لـ”حماس”.

منصات الصواريخ التحت أرضية في الشمال

هذا الدرس ينطبق أيضاً على الجبهة الشمالية. إذ كان الجيش الإسرائيلي يعمل طوال الأسابيع الأخيرة بصورة منهجية على حرق الغطاء النباتي الواقع في شمال الحدود مع لبنان. كل مرة نقوم فيها بحرق الغطاء النباتي المعقد، تتكشف الأرض عن العشرات من منصات الإطلاق التحت أرضية والمرافق القتالية التي لم نعلم بوجودها. يتم تدمير كل مرفق من هذه المرافق، لكننا بدأنا للتو بإدراك حجم البنى التحتية التابعة لحزب الله التي يتوجب علينا تدميرها، لكي نتمكن من إعادة سكان الشمال إلى منازلهم.
في وقت لا نزال منغمسين في القتال العنيف في غزة، تتيح إسرائيل للأميركيين والفرنسيين العمل على اتفاقية تُبعد قوات حزب الله عن الحدود الشمالية. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاقية من هذا النوع، لإبعاد فيالق الرضوان عن حدودنا، فهناك شك في أن هذا الأمر سيقنع سكان الشمال بالعودة إلى منازلهم. وعلى وجه الخصوص، في حال ترك مقاتلو حزب الله خلفهم البنى التحتية العسكرية التي ستتيح لهم العودة إلى إدارة هذه المواقع بين ليلة وضحاها.
في موازاة خوض القتال في الجنوب، يتعين على الجيش الإسرائيلي العمل على تحديث خططه الحربية في الشمال، والبدء ببناء القوة التي ستتولى القتال هناك. لا بد من أن يكون التفكير مماثلاً لِما مارسناه في الجنوب: إزالة التهديد الذي يحيق بالمستوطنات على امتداد خط المواجهة. ربما يتطلب الأمر تنفيذ مناورة برية محدودة النطاق على غرار ما جرى في سنة 2006، وربما يتطلب مناورة تصل إلى الليطاني، أو ما وراء الليطاني، لكن، لكي نتمكن من العودة إلى الشمال، علينا إبعاد حزب الله وإبادة بنيته التحتية. وحتى اللحظة، لم يتم الشروع في التخطيط لهذا الأمر.
كلا، لن تحلّ السنة الجديدة علينا ونحن بخير. سيتعين علينا مواصلة العمل الحثيث، خلالها، على استعادة مكانتنا في هذا الإقليم، واستعادة هيبتنا بصفتنا جهة لا يُفضّل العبث معها، وسيكون للأمر أثمان. ليس من المؤكد أننا سننجح، خلال العام المقبل، في إبعاد وإزالة جميع التهديدات، لكن هناك أمراً واحداً علينا ضمانه: التأكد من أننا لن نستيقظ قط، على صباح يشبه صبيحة السابع من تشرين الأول/أكتوبر.

Exit mobile version