أوهن من بيت العنكبوت”.



-الخبير العسكري-العميد الركن المتقاعد محمد الحسيني.

على الرغم من التصعيد الميداني الأخير على الحدود اللبنانية من قبل العدو الاسرائيلي بشكل مقلق، والتهديدات المعتادة والمتكررة التي يمارسها الكيان الغاصب، وليس آخرها اقتراحه إنشاء منطقة آمنة على الحدود بعمق 3 كلم خالية من العسكريين والمدنيين، وإلاّ أصبحوا هدفاً مشروعاً له.

جاء رد المقاومة سريعاً:”كل ما يتحرّك على مسافة 3 كلم في العمق الفلسطيني المحتلّ هدفاً مشروعاً للمقاومة”.

وعلى الرغم ايضاً من الإبتزاز السياسي الذي يمارسه الغرب ضد لبنان، فإنّ المؤشرات الحيوية المتدنية للعدو، وثبات رجال المقاومة وبيئتها في شتى الميادين، لا توحي بأن النزاع القائم على الحدود اللبنانية سيتطور إلى حرب شاملة.

فعلى امتداد هذه الحدود يحشد العدو الإسرائيلي ثلاث فرق (عن مصادر أمنية حوالي 120 ألف جندي وضابط على طول الحدود الشمالية)، حيث الميدان على أشده مع المقاومة الإسلامية إشغالاً للعدو وإنهاكاً له، في دعمهم للمقاومة في غزة، التي قسّمها العدو إلى قطاعي عمليات:
1-القطاع الشمالي الذي هاجمه بفرقتي مدرعات (مرحلة أولى).

2-القطاع الأوسط والجنوبي وهاجمه ايضاً بفرقتي مدرعات (مرحلة ثانية).

يدعم هجومه في كلا القطاعين ببعض الألوية الخاصة (لواء جولاني، لواء ناحال لواء، غيفعاتي..)، مع الاحتفاظ بفرقتي احتياط عملاني وأخرى استراتيجي، ترتبط قيادة كل قطاع برئيس الأركان مباشرة.

يهاجم العدو قطاع غزة على جبهة لا يزيد طولها عن 51 كم، وعرضها من 6 إلى 12 كم (مساحة القطاع 365 كلم مربع)، في ظل عدم التكافؤ بينه وبين المقاومين عِدةً وعديداً، وبالرغم من هذا فإن العمليات البرية التي يقوم بها داخل القطاع لم تكن بالسهولة التي توقعها، وبدأت تأخذ منحىً دراماتيكياً، فهو و إن تقدم على عدة محاور فإنه لم ولن يتمكن من بسط سيطرته، ففي المصطلح العسكري مازال في حالة
”اشتباك”.

لقد أبطأت المقاومة تقدمه وعرقلت خططه وأوقعت في صفوفه خسائر فادحة، وقد أُضطر في حالات كثيرة الى الإنكفاء مخلفاً أسلحة وذخائر.

إذاً لماذا لن يتحول النزاع القائم حالياً على الحدود اللبنانية إلى حرب؟..

أولاً:”المؤشرات الحيوية” للكيان المحتل في هبوط للأسباب التالية:
1-نفاذ مخزون الذخائر من مخازن الإحتياط لديه واتهامات متبادلة داخل الجيش عن سوء إدارة وفساد بسبب عدم تعبئة المخازن قبيل الحرب، على الرغم من أن الموازنة السنوية لجيش العدو تبلغ حوالى 70 مليار شيكل سنويًا أي ما يقارب 20 مليار دولار، فأين هُدرت؟.

2-طلبات الأسلحة والذخائر والعتاد التي وصلته من الولايات المتحدة، بالكاد تسُد حاجته لشهر قتال هجومي في غزة فقط.

3-نوعية الصواريخ، القذائف، المسيّرات، والآليات التي طلبها من الإدارة الأمريكية تُظهر تباطؤه في الميدان، وتبُين مدى خسائره في العتاد(2000 من صواريخ هيلفاير لاختراق الحصون، و ⁠300 قذيفة من طراز ”إم 141” تستخدم ضد الهياكل المحصنة، و 200 مسيرة من نوع ”سويتش بليد – 600″، و يمكنها استهداف المخابئ، و75 مركبة تكتيكية خفيفة مدرعة).

4-تدني المستوى القتالي للجندي الإسرائيلي بعد تراجع كفاءته بالميدان بسبب إفراطه في الإعتماد على التكنولوجيا العسكرية، تحديداً بعد إنشائه للجدار العازل بينه وبين القطاع عام 2014 وبينه وبين لبنان عام 2016.

5-إستعادته لبطاريات القبة الحديدية في هذا التوقيت من أمريكا (ما لا يقل عن 14 ألف صاروخ اعتراضي لهذه المنظومة)، دلالة واضحة على مخاوفه من الضربات الصاروخية القادمة من عدة جهات، من غزة وسوريا ولبنان، علماً أن هذه المنظومة غير كافية لاعتراض هجمات صواريخ المقاومة الإسلامية وحدها، فماذا عن باقي المحاور؟..

6-تراكم الأعباء الاقتصادية، فقد إستدانت حكومة العدو في الأسابيع الاخيرة 6 مليارات دولار لتمويل حربها على القطاع بفائدة مرتفعة، بالإضافة إلى تكلفة المجندين التي تزيد على مليار و300 مليون دولار شهرياً وعدم دفع الرواتب لهم، أضافة للحصار المفروض على ميناء إيلات من قبل القوات المسلحة اليمنية، المتمثلة بحركة انصار الله، والجيش اليمني، الذي ادى الى شلل في المرافق العامة، فإلى متى يستطيع الصمود؟.

7-إرباك داخلي كبير سببه الخسائر الفادحة في الأرواح، الجرحى، الأسرى (تحديداً بعد مقتل ثلاثة أسرى بنيران العدو مباشرة)، والهجرة التي قُدرت بعشرات الألاف منذ بدء الحرب.

8-طلب العدو من مصر وقطر التوسط من أجل اتفاق جديد بشأن تبادل للأسرى، قابلته حماس بالرفض مشترطةً وقفاً نهائياً لإطلاق النار، أليس هذا الطلب حاجة ملحة للعدو ليلتقط أنفاسه ويعيد تنظيم صفوفه في الميدان؟

9-تواجه حكومة العدو الإسرائيلي إدانات متزايدة من جميع أنحاء العالم، والرأي العام العالمي يضغط على دول القرار لوقف النار في غزة، فأين الصوابية بحرب أخرى؟

ثانيا ً-صمود المقاومين في غزة على الرغم من ضراوة المعارك، وعدم إذعانهم للإملاءات والإبتزازات السياسية الخارجية.

ثالثاً-قرار الحرب بيد الإدارة الأميركية، لا بيد العدو الاسرائيلي، و”واشنطن” لا تريد أن يتحول النزاع القائم على الحدود الجنوبية إلى حرب شاملة (أقله حاليا ً) لعدة أسباب أبرزها:
1-تعلم جيداً إمكانات جيش الاحتلال الاسرائيلي وعدم قدرته على خوض حرب على جبهتين.

2- الخشية من توسعها إلى حرب أقليمية تُلهب المنطقة إذا ما تطورت الإشتباكات الحدودية.

3-تراجع شعبية ”بايدن” بسبب مواقفه من حرب غزة مع اقتراب موعد الإنتخابات الرئاسية الامريكية.

رابعاً-يناور جيش العدو على حدوده الشمالية مثبتاً المقاومة بالنار (بالمصطلح العسكري) خشية ً من دخولهم الجليل الأعلى، بغية التفرغ لجبهة غزة، لكن محاولات الضغط التي ينتهجها هذا الجيش ضد سكان القرى الحدودية، إن من خلال تدميره بعض المنازل، أو رمي المنشورات التحريضية، تأتي في إطار حربه السيكولوجية الهادفة إلى تهجيرهم، بغية إحراج ”حزب الله” مع بيئته أسوة بسكان الجليل المحتل، لإستثمارها داخل الكيان واستباقاً للمفاوضات.

بناء على ما سبق، فإن النزاع على الحدود لن يتطور إلى حرب شاملة، (أقله بالمدى المنظور)، فالعدو يقف عاجزاً أمام غزة وغير جاهز لخوض غمار حرب أخرى في لبنان، وصُنّاع القرار لديه باتوا يدركون جيداً أنّ حزب الله هو من يحدد السقف في الميدان، ويفهمون أنّ ما يواجهونه في غزة أقل بكثير مما ينتظرونه في لبنان، ويُدركون تماماً أن ما تملكه المقاومة من عمق استراتيجي كافٍ لإشعال المنطقة برمتها.

لكن في الوقت ذاته لا تهدئة على الحدود الجنوبية ما دامت غزة تحت النار، فكيف سينتهي المشهد الجنوبي؟ هل تبلغ الحماقة بالعدو أن يحاول التوغل شمالاً، وهو أوهن من أن يسيطر عل القطاع؟ وهل يجرؤ حيث فشل منذ أعوام، وهو أوهن من أن يصُد حزب الله عن الجليل الأعلى؟ هو أوهن من ذلك بكثير ، هو أوهن من بيت العنكبوت…

Exit mobile version