وبالرغم من الحصار وتجويع الشعب اليمني لم تستخدم صنعاء “سلاح باب المندب” في حربها نصرة لنفسها، ولكن وظفٌته لنصرة المقاومة والشعب الفلسطيني لردع آلة الحرب الوحشية على قطاع غزة. وبطبيعة الحال يعتبر الحدث سابقة في تاريخ الصراع مع الكيان الإسرائيلي. ومع التطورات المتلاحقة طرحت جملة من الاسئلة، ربما يكون أبرزها: هل ستنجح المحاولات اليمنية لتخفيف الضغط على غزة أم لواشنطن قولا آخر!؟ وكيف ستخرج امريكا من غرب آسيا.
بذلت أمريكا الكثير من الجهود في عام 2006 والتطورات التي تلته فيما يتعلق بلبنان، أولا وقبل كل شيء لتدمير حزب الله في لبنان والقضاء عليه ومن ثم نزع سلاحه، إلا أن أي من هذه الأحلام لم تتحقق بل أصبح اليوم حزب الله من أقوى قوى المقاومة في المنطقة، ونفس الخطأ ترتكبه الولايات المتحدة مع أنصار الله.
وإذا ما اختارت أمريكا تفجير الأوضاع مع صنعاء وأدت إلى تعطيل شديد في حركة الملاحة في البحر الأحمر سيتعرض كل من أمن الطاقة العالمي وتجارة البضائع الجافة لضربة أخرى، خصوصاً في أوروبا، التي لم تتعافى من التأثيرات الهائلة من الحرب الأوكرانية. “إدارة معلومات الطاقة الأمريكية”، أشارت إلى أن العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الطاقة الروسي دفعت أوروبا إلى استيراد المزيد من النفط من بعض المنتجين في الشرق الأوسط.
وعلى وقع التهديدات اليمنية ليس من مصلحة، واشنطن تصنيف أنصار الله منظمة ارهابية لانها ستطلق يدها لاستهداف جميع مصالحها في المنطقة، واندلاع صراع إضافي سيكون بمثابة حصان طروادة للتحالف الأمريكي وسيعود بالنفع المباشر على الصين وروسيا.
وما يفسر تحول مواقف بايدن تدريجيا ضد رغبة بنيامين نتنياهو واليمين المتطرف داخل الكيان الصهيوني، هي المدة الزمنية لإنهاء الحرب في غزة.
لأنها هي نقطة الخلاف الرئيسية المتوقعة بين الإدارة الأمريكية وإسرائيل بسبب مطارق الضغط اليمنية والعراقية واللبنانية والايرانية، والفلسطينية، وضعت واشنطن في ورطة حقيقة، حتى اللحظة لم تحقق دولة الاحتلال أي انتصار عسكري في غزة. في المقابل واشنطن لا تستطيع تحمل المزيد من الضغوط على مواردها المالية والعسكرية واستمرار استنزاف سمعتها الدولية وزيادة الانقسام الداخلي بين الديمقراطيين والجمهوريين بسبب دعمها اللامحدود لدولة الاحتلال.
واعتبر تقرير مجتمع الاستخبارات الأمريكي السنوي حول “تقييم التهديد” الذي يستعرض أهم التهديدات العالمية التي تواجه الأمن القومي للولايات المتحدة خلال عام 2023، أن روسيا والصين وإيران أبرز المصادر للخطر على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة.
وفي السياق الأوسع للصراع الإسرائيلي الفلسطيني، أعربت روسيا عن موقف واضح بشكل لم يسبق له مثيل في مشاركتها التاريخية بالمنطقة. وتنقسم هذه السياسة إلى إطارين رئيسيين، هما: إدانة تصرفات إسرائيل بشكل قاطع، والتوظيف الاستراتيجي للخطاب المتعاطف تجاه المحنة الفلسطينية.
كما أن النشاط الدبلوماسي الصيني غيّر في الشرق الأوسط خلال النصف الأول من العام كثير من التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، وفي مقدمة ذلك جهود بكين في مسألة التقارب السعودي الإيراني؛ ولذلك ما تشهده المنطقة من صراعات هو بسبب مخاضات العالم الجديد «عالم ما بعد أمريكا» كما أطلق عليه فريد زكريا.
فيما تبدو دول الخليج (الفارسي) تائها وأنها لازالت تحاول الهرب من الواقع المرير الذي لا مفر منه المتمثّل في نشوء منافس جدّي لها على الجانب الجنوبي من الجزيرة العربية، خشية أن يشكّل خطراً على وجودها في حال استمرت في عدوانها لليمن، وفي الوقت نفسه، تنظر بكثير من التوجّس والريبة إلى السلوك الأميركي المتذبذب ولا سيما في ظلّ النقاش الدائر في دوائر القرار الخليجي حول الحماية الأميركية والجدوى منها.
في الواقع لم تعد أمريكا المحرك للعالم، أعلى البنايات وأكبر السدود وأكثر الأفلام مبيعاً وأكثر التليفونات المحمولة تقدماً، تنشأ كلها اليوم خارج الولايات المتحدة، العالم على أعتاب عصر يجري تشكيلها بمعرفة العديد من القوى العالمية الناشئة، وليس بمعرفة الولايات المتحدة وحدها.
موازين القوى الإقليمية والدولية تتغير ومن أهم تلك المتغيرات بروز قوى ودول تتحدى السيطرة الأميركية وتحاول أن تبني نظما اقتصادية وسياسية متحررة من التبعية لأميركا، والأخطر من ذلك أن هذه القوى لديها القدرة على تغيير القواعد التي تحكم النظام الدولي وتقسيم مناطق النفوذ. حتى على المستوى الاقتصادي ليس لليد الغربية ولا الامريكية تأثير، لأنه ستجد كل دولة تتعامل مع الظروف والعوامل الاقتصادية بشكل مختلف عن الآخر بما يضمن تحقيق المكاسب لها.
في الحقيقة شكل حلف المقاومة بالإضافة للصين وروسيا علامة فارقة في مواجهة مشروع الهيمنة الأمريكية على العالم، حيث أصبح الموقف الأمريكي معزولا في مجلس الأمن الدولي؛ في الوقت الذي كانت فيه أمريكا قوة عالمية لا تقهر وكانت تحارب بطرق سرّية عبر الأنظمة العربية أي مشروع يدعم القضية الفلسطينية و يتجه عكس التيار الأَمريكي.
وهذا ما يفسر ضعف بعض الدول العربية وركوبها قطار التطبيع، بسبب تخليها عن فكرة تحرير فلسطين وتبنيها السياسات الغربية والامريكية التي أثبتت فشلها أمام مشروع المقاومة لذلك فإن تصحيح البوصلة الحقيقية يجب أن يكون بالتمسك بتحرير فلسطين كمشروع إقليمي قومي عربي إسلامي يلتزم به الجميع، هنا تكون الجبهة الإقليمية العريضة مع فلسطين، لأن المعركة المقبلة ستشهد حروباً عسكرية بين الكيان الصهيوني وحلفائه من العرب ضد المقاومين في فلسطين وخارجها أو في الإقليم.
وفي هذا الإطار أستطيع أن أقول: نعم إنها الحقيقة، أمريكا ستحزم قواعدها وتنصرف من منطقتنا لأن “الاستراتيجية الجماعية لمحور المقاومة” تفرض نفسها في المنطقة وتتطور وتكبر يوما بعد يوم وتصنع السياسة والتاريخ والجغرافيا إلى عصر ما بعد أمريكا. وعلى ضوء تلك الوقائع يجب أن تتكيف الإدارة الأمريكية وربما يجب على واشنطن الرجوع قليلا للوراء ومراجعة خطب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عندما قال في إحدى خطاباته: “نحن الآن نخرج إليكم من البحر الأبيض ولم نخرج عليكم بعد من البحر الأحمر”. ها هو جاء اليوم الذي نخرج فيه لكم من عرض البحر وما أنتم فاعلون؟. وإن لم تخرج أمريكا طوعيا سـ نخرجها بفوهات البنادق والمدافع كما خرجت من جنوب لبنان والعراق وأفغانستان بعد عشرين عاما بخفي حنين.
/انتهى/
المصدر
الكاتب:
الموقع : tn.ai
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-12-16 15:38:51
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي