على مدى ثلاثة وثلاثين يوماً لم تتمكن إسرائيل، وبتفويض أمريكي مفتوح، من “سحق حزب الله”، ولم يولد ذلك الشرق الأوسط الجديد الذي بشّرتنا به السيدة رايس. بعد 17 سنة، تتكرّر العبارة الأمريكية لكن هذه المرة علي لسان رئيس الوزارء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ومن ثم يتبناها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، كما تبنى الجانبان الأمريكي والإسرائيلي مهمة “سحق حماس”، كمقدمةً لتصفية القضية الفلسطينية من خلال سيناريوهات بائدة أهمها إخلاء قطاع غزة والضفة الغربية من الفلسطينيين وترحيلهم إلي كل من مصر والسعودية والعراق والأردن وتوزيع البقية علي عدد من الدول الإقليمية مثل تركيا.
هذا التصور الإسرائيلي طرحه بلينكن نيابة عن إسرائيل خلال زيارته الأولي للمنطقة غداة حدث السابع من أكتوبر/تشرين الأول (طوفان الأقصى)، لكنه لقي معارضة شديدة من جميع الدول التي زارها، وأولها مصر والاردن أول دولتين معنيتين بمشروع “الترانسفير”. بعد مضي شهر علي حرب غزة، لم يتمكن الجيش الإسرائيلي من تحقيق أي من أهدافه المعلنة وغير المعلنة خلال هجومه المجنون ضد الأطفال والنساء والشيوخ والمستشفيات ودور حضانات الأطفال ومراكز الأمم المتحدة لإيواء النازحين وحتى على القوافل المدنية التي فتحوا لها ممرات آمنة قبل أن يقع من صدّقوا الإحتلال في كمائن ذهب ضحيتها مئات الشهداء، في الوقت الذي تجاوز عدّاد الشهداء رقم العشرة آلاف بينهم نحو خمسة آلاف طفل.
مضى شهر وما تزال دبابات الجيش الإسرائيلي تحاول التقدم بصعوبة كبيرة نحو وسط مدينة غزة بعدما تمكنت من اقتحام المناطق الزراعية والخالية من السكان في الشمال الغربي والشمال الشرقي والوسط الفاصل بين جنوب القطاع وشماله. في بداية الأمر، قال جيش الإحتلال إنه يُريد القضاء علي حركة “حماس” ثم تساهل بعض الشيء للقول إنه يُريد القضاء علي عناصر “كتائب عز الدين القسّام” (الجناح العسكري لحماس).. وبعدها قال إنه يريد تحرير الرهائن الإسرائيليين والأجانب لينتقل بعد ذلك إلي مطالبته بترحيل عناصر “كتائب القسّام” إلي تركيا كشرط لسريان وقف إطلاق النار، على غرار ما حصل في صيف العام 1982 عندما طالبت إسرائيل برحيل قيادة وجسم منظمة التحرير الفلسطينية من بيروت إلي تونس كشرط لوقف إطلاق النار، غير أن الوقائع الميدانية والسياسية لا تشي بامكان تحقيق الشروط الإسرائيلية في ظل صمود فلسطيني تاريخي في غزة من جهة وغموض بنّاء تُمارسه الأطراف المعنية بالصراع والمواجهة مع الكيان المحتل من جهة أخرى.
المواجهة على أرض غزة في أوجّها هذه الأيام، وثمة رأي عام عالمي يتطور تدريجياً باتجاه إدانة إسرائيل علي ما تقوم به من إبادة بشرية في قطاع غزة في الوقت الذي تراهن فيه أوساط عسكرية علي مفاجآت فلسطينية تنتظر جيش الإحتلال في مقابل فقدان إسرائيل عمقها الإستراتيجي الجغرافي داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة في ضوء معلومات تتحدث عن نزوح أكثر من 120 ألف مستوطن من “غلاف غزة” والجليل الأعلي وبقية المناطق التي تطالها الصواريخ والقذائف من جنوب لبنان وقطاع غزة نحو الوسط الإسرائيلي.
في ظل هذه الأجواء، يجري وزير خارجية أمريكا أنتوني بلينكن جولة مكوكية قادته إلي عدد من العواصم الإقليمية بحثاً عن مخرج للهزيمة التي تعرّضت إليها إسرائيل، وعن مخرج للإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأجانب مقابل هدنة إنسانية أو وقف لإطلاق النار. وبرغم وجود حاملتي طائرات أمريكيتين في المنطقة، إلا أن بلينكن الذي حطّ في مطار بغداد، وبدا حريصاً على إرتداء سترة واقية، لم يتمكن من ترويض من التقاهم خلال جولته الاقليمية حيث سمع كلاماً مختلفاً عم يتمناه من نوع “أوقفوا جريمة قتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ” و”أوقفوا مذبحة الابادة البشرية” التي يتعرض لها الفلسطينيون علي يد الماكينة العسكرية الإسرائيلية التي تديرها اليوم قيادة عسكرية ميدانية أمريكية من تل أبيب سعياً لإنقاذ ما يُمكن انقاذه من الكيان الذي سيبقى لعقود أسير عقدة هزيمة 7 أكتوبر/تشرين الأول. وبالإضافة إلي الرئيس الأمريكي جو بايدن ووزير الخارجية الأميركي، فإن تل أبيب استقبلت أيضاً مسؤولين أمريكيين رفيعي المستوي أبرزهم وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن ومدير المخابرات المركزية الأمريكية ويليام بيرنز بحثوا مع المسؤولين الإسرائيليين ليس آلية محاربة جيوش عربية جرّارة بل ثلة من الشباب الفلسطينيين المحاصرين في القطاع منذ 18 عاماً بكافة أنواع الحصار الإقتصادي والسياسي والأمني والإجتماعي.
وينقل دبلوماسي أوروبي أن إسرائيل “باتت تُشكل عبئاً كبيراً علي الولايات المتحدة والدول الغربية؛ فالمرحلة الراهنة لا تحتمل تفرغ الدول الأوروبية وحتي الولايات المتحدة للدفاع عن إسرائيل”. هذه الدول، كما يقول هذا الدبلوماسي، “لديها اهتمامات أخري بعد حرب أوكرانيا، وهذه الاهتمامات تجعل الدول الأوروبية تحديداً غير راغبة في تحمل المزيد من الضرائب المالية والأمنية من أجل كيان كان دوره مهماً في زمن الحرب الباردة لكنه بات الآن يُشكّل عبئاً علي المنطقة والمجتمع الغربي”.
وعندما سألته عن الولايات المتحدة وإسرائيل؛ من يخدم من؟ قال إن واشنطن كانت تسعي لخفض منسوب التوترات في المنطقة ووصولاً إلى السير بمسار التطبيع، لكن السابع من تشرين الأول/أكتوبر “غيّر المعادلات وصاغ قواعد جديدة للصراع مع إسرائيل؛ في حين تسعي الإدارة الأمريكية للتفرغ للاستحقاق الانتخابي الرئاسي في العام 2024 وهي بحاجة إلي اللوبي اليهودي (إيباك) في هذه الإنتخابات لأن أوضاع الديموقراطيين في عدد من الولايات الأمريكية بات “محرجاً” في مواجهة الصقور من الجمهوريين بقيادة دونالد ترامب”.
يخلص الدبلوماسي الأوروبي للقول إن مرحلة ما بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول تختلف عما قبلها؛ قلت له نحن قلنا ذلك سابقاً لكن أين ستكون إسرائيل؟ أجاب بسرعة أنها لن تكون كما كانت في السابق.. والشرق الأوسط الجديد علي الأبواب ولكن من دون إسرائيل!.
(U2saleh@gmail.com)
/انتهى/
المصدر
الكاتب:
الموقع : tn.ai
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-11-08 15:28:04
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي