عندما تسلّم الياس بو صعب وزارة الدفاع في لبنان (2019 – 2020)، كانت الحكومة تسعى إلى تحديد عدد العاملين في القطاع العام، ومنه المؤسسات الأمنية والعسكرية، للبحث في طرق خفض الإنفاق الحكومي. سعى وزير الدفاع الجديد، عبثاً، إلى معرفة عدد الأفراد العاملين في الجيش اللبناني من دون أن يتمكّن من ذلك، بسبب الخلاف بينه وبين قائد الجيش العماد جوزف عون. ولم يتمكن وزير الدفاع السابق من الحصول بالطرق الرسمية على وثيقة تفيده بعدد العاملين في المؤسسة العسكرية اللبنانية، والذي يقدر بنحو 83 ألفاً.
قبل ذلك بسنتين، كان السفير البريطاني في لبنان، كريس رامبلينغ، يُعلن بفخر أن بلاده درّبت (في لبنان) 10 آلاف جندي من الجيش اللبناني، وأعلن أنه «فخور حقاً بتسليم شهادة التدريب البريطانية للجندي صاحب الرقم عشرة آلاف من دفعة الذين تخرجوا من هنا، وهو دليل على التزامنا بتدريب حوالي ثلث القوة المقاتلة للجيش اللبناني».
استناداً إلى تصريحاته، يعرف سفير بريطانيا أن عدد أفراد القوة المقاتلة في الجيش يبلغ نحو 30 ألف جندي وضابط، فيما يجهل وزير الدفاع اللبناني هذا الرقم!
لا تكمن المشكلة في عدد الضباط والجنود، بل في صناعة القرار في الجيش اللبناني، ومدى تأثر قائده بالحكومتين الأميركية والبريطانية، وسفيريهما، وحلفائهما. وهو يتأثر بهما إلى حد أن بعض اللبنانيين يتهكّمون بأن الخبر لم يعد عن زيارة السفيرة الأميركية لقائدَ الجيش في مكتبه، لأن هذا صار أمراً روتينياً. بل إن الخبر الذي يجب أن تنشره الصحافة هو عن اليوم الذي لا تزور فيه السفيرة الأميركية قائد الجيش اللبناني.
الأمر لا يقتصر على السفيرة الأميركية والسفيرة البريطانية، بل يشمل كل دول الناتو تقريباً.
من الأخبار التي اعتادها اللبنانيون حتى صاروا يتعاملون معها كما لو أنها “طبيعية”، أن تعلن السفارة البريطانية في بيروت (30/11/2021) في بيان، أن “سفراء بريطانيا إيان كولارد والولايات المتحدة الأميركية دوروثي شيا وكندا شانتال تشاستيناي، التقوا قائد الجيش العماد جوزاف عون، لمناقشة أمن الحدود اللبنانية – السورية، خلال اجتماع لجنة الإشراف العليا على برنامج المساعدات لحماية الحدود البرية. وتركزت المباحثات على خطة الجيش اللبناني لحماية الحدود اللبنانية السورية والتحديات التي يواجهونها خلال الأزمات المتعددة التي يمر بها لبنان”.
قد يكون لبنان الدولة الوحيدة في العالم التي يُمكن أن يعلن سفراء ثلاث دول فيها أنهم ناقشوا مع قائد جيشها خطته لحماية حدود دولته مع دول مجاورة صديقة لدولته!
وبالتأكيد هو الدولة الوحيدة في العالم التي تُعلِن فيها سفيرة دولة أجنبية (الأميركية طبعاً) تقديم مساعدات مالية مباشرة إلى أفراد الجيش وقوى الأمن الداخلي، في احتفال يحضره قائد الجيش والمدير العام لجهاز الشرطة، من دون وجود أي ممثل عن الحكومة التي تتبع لها هاتان المؤسستان.
يجري ذلك رغم أن القانون اللبناني يشترط لقبول أي هبة من جهة أجنبية موافقة مجلس الوزراء. لكن العلاقة بين الجيش اللبناني ودول الناتو، وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، لا تحترم هذا القانون. تروي وزيرة الدفاع السابقة، زينة عكر (2020 – 2021)، أنها أثناء توليها الوزارة، تلقّت اتصالاً من السفارة الإيطالية تدعوها فيه للمشاركة في حفل تسليم هبة للجيش اللبناني. اتصلت عكر بقائد الجيش لتسأله: “هل حصلت هذه الهبة على موافقة مجلس الوزراء؟ ولماذا أعرف بها من السفارة الإيطالية لا من قيادة الجيش؟”. ردّ قائد الجيش بأن الهبة لم تنل موافقة الحكومة اللبنانية لأنها لم تُعرض عليها، وأنه سيُرسِل لاحقاً، بعد استلام الهبة، طلباً للموافقة على قبولها! وأضاف أن “الأمور تجري دائماً بهذه الطريقة”.
وقد يكون لبنان أيضاً الدولة الوحيدة في العالم التي يجتمع فيها مدير محطة الـcia مع نائبه وضباط لبنانيين، على مأدبة عشاء، ويسمّي مدير المحطة ضابطاً في الجيش قائلاً إنه يصلح للترقية إلى رتبة لواء، ليكون عضواً في المجلس العسكري – مجلس من 6 ضباط، أحدهم قائد الجيش، هم الأعلى رتبة بين ضباط المؤسسة العسكرية، ومهمتهم إدارة الجيش اللبناني.
ملاحظة على الهامش: لبنان هو حتماً الدولة الوحيدة في العالم التي يمكن صحافياً أن يحصل على معلومات عن عشاء عمل يقام “على شرف” مدير محطة الـcia ونائبه، إضافة إلى ملعومات عنهما. الأمر ليس صعباً. فلبنان هو الدولة الوحيدة في العالم التي يظهر فيها نائب مدير محطة الـcia على الشاشات. جرت حادثة مماثلة في آب 2022، حين نُشر فيديو قيل فيه إن القيادي في حزب الله، وفيق صفا، رفض مصافحة مدير محطة الـcia في لبنان، أثناء التعزية بوفاة والد المدير العام للأمن العام. لكن التدقيق في الأمر يكشف أن الذي انتشرت صورته في الفيديو، هو نائب مدير المحطة الذي انتقل من لبنان بعد تلك الحادثة بنحو شهرين، لانتهاء مدة خدمته في بيروت. ونائب المدير هذا يُدعى جوني جونسون. ويمكن أي صحافي لبناني أن يحصّل معلومات عنه تفيد بأنه قبل لبنان عمل في محطات الـcia في تركيا ومصر وفرنسا والعراق.
أسلوب العمل الأميركي
ما ورد أعلاه عن تدخلات السفراء وكبار جواسيس لانغلي في بيروت، ليس سوى نموذج عن سلوكيات غير سوية يفرضها الأميركيون وحلفاؤهم على لبنان لضمان نفوذهم على الجيش. وهي بطبيعة الحال ليست قضايا شكلية، بل جوهرية، وتهدف إلى جعل الجيش اللبناني جزءاً من منظومة الهيمنة الغربية في الإقليم.
طريقة عمل الأميركيين مبنية على عدد من الخطوات الأساسية، أبرزها:
1- ضمان أن تكون دول الناتو وحلفاؤها المصدر الوحيد لتسليح الجيش وتمويله. ولأجل ذلك، مُنِع الجيش اللبناني عام 2008 من تلقي هبة روسية ضخمة، مجاناً، تضمّنت 10 طائرات ميغ 29 و77 دبابة ومدافع ونحو 50 ألف قذيفة وأسلحة وذخائر أخرى. خضعت القوى السياسية الحاكمة في لبنان، في ذلك الحين – وغالبيتها كانت من قوى 14 آذار الحليفة للغرب ودول الخليج العربية – للضغوط الأميركية التي أدت إلى رفض الهبة التي قدّمها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للبنان. ومذذاك، لم تُقر الحكومة اللبنانية ولا مجلس النواب اتفاقية تعاون بين لبنان وروسيا، تضمن حصول الجيش على مساعدات روسية.
(للمزيد من التفاصيل عن كيفية رفض الهبة الروسية، مراجعة وثائق ويكليكس ذات الأرقام: 08BEIRUT178، 08BEIRUT1783، 08BEIRUT1799، 09BEIRUT235، 09BEIRUT400، 09BEIRUT496)
2- الدعاية الإعلامية التي تركز على حيوية العلاقة بالأميركيين بالنسبة للقوات المسلحة اللبنانية، وعدم قدرة الجيش على البقاء في حال أوقفت الولايات المتحدة إمداده بالسلاح والذخيرة. وهذه دعاية فارغة. إذ لم تتعدى قيمة المساعدات العسكرية التي قدمتها الولايات المتحدة بين 2006 و2018 المليار و280 مليون دولار أميركي، بمعدل 100 مليون دولار سنوياً. قبل انهيار القطاع المصرفي عام 2019، كان لبنان يُنفق أضعاف هذا المبلغ على الرواتب والأجور وخدمة الدين العام، ما يعني أنه كان قادراً على الاستغناء عن الدعم الأميركي للجيش. لكن النخبة الحاكمة في لبنان منقسمة بين حلفاء لواشنطن يرضخون لها، وخصوم يخشون أن تسوء علاقتهم بالجيش في حال إعلانهم رفض المساعدات الأميركية.
3- جعل دول الناتو وحلفائها، وعلى رأسها الولايات المتحدة، المصدر الوحيد لتدريب ضباط الجيش اللبناني. التدريبات الأميركية لضباط الجيش لم تتوقف يوماً، حتى في زمن الوجود العسكري السوري في لبنان. “لكن في تلك المرحلة، أي قبل العام 2005، كانت التدريبات الأميركية مضبوطة إلى حد بعيد. وكان تأثيرها داخل الجيش، على المستوى القيادي، ضئيلاً للغاية”، بحسب ضابط رفيع المستوى في الجيش، تحدّث لـTheCradle شرط عدم كشف هويته.
يشرح ضباط في الجيش أن التدريبات الغربية لا تختلف جوهرياً عن مثيلاتها في الشرق. فالجيش اللبناني لا يملك أسلحة متطورة، وليست لديه مساحات شاسعة يقاتل فيها، ولا خطط هجومية أو دفاعية. التدريبات الغربية، بحسب مصادر عسكرية لبنانية، تهدف إلى جعل أفراد الجيش وضباطه متآلفين مع نمط التفكير في الجيوش الغربية. “ما تسعى إليه الدول الغربية هو جعل جنود الجيش وضباطه جزءاً من المنظومة الغربية”، على حد قول ضباط في الجيش، إضافة إلى إعداد ملفات تفصيلية عن الضباط وبناء علاقات شخصية معهم، بمعزل عن العلاقة مع المؤسسة التي ينتمون إليها. وهنا يلفت ضابط رفيع المستوى إلى أن ضباط الجيش الذي خضعوا لدورات عسكرية في سوريا باتوا في حكم المنقرضين. غالبيتهم أحيل على التقاعد لبلوغهم السن القانونية، فيما أكثر ضباط الجيش حالياً هم من خريجي دورات التدريب الغربية حصراً.
تركّز التدريبات الغربية على القوات الخاصة التي يبلغ عديدها نحو 17 ألف جندي (الأفواج الخاصة وأفواج الحدود). السعي الأميركي هو لإعداد هذه القوات لتكون قادرة على القيام بمهام القتال الداخلي، إذ إن التمرين محصور بمقاتلة قوات غير نظامية. وبطبيعة الحال أيضاً، لم يسبق أن أقام الغربيون برامج تدريب للجيش اللبناني لتمكينه من التصدي لجيش العدو الإسرائيلي.
يفسّر ضابط رفيع المستوى في الجيش هذا الواقع مستنداً إلى التصريحات الأميركية العلنية، وخاصة ما يقوله مسؤولون دبلوماسيون وعسكريون أميركيون في جلسات الاستماع في الكونغرس، إضافة إلى تصريحات أعضاء في مجلسي الشيوخ والنواب الأميركيين. هؤلاء يركزون في تصريحاتهم على أن ما تقدّمه الولايات المتحدة الأميركية للجيش اللبناني هدفه تمكينه من مواجهة حزب الله. يعلّق الضابط بالقول إن “الأميركيين ليسوا أغبياء، وهم يعرفون أن الجيش لن يدخل في مواجهة مع الحزب في المدى المنظور. لكنهم يريدون إعداده كي يكون قادراً على إنهاء الوجود العسكري للحزب في اليوم التالي لأي هزيمة يسعى الأميركيون والإسرائيليون لإلحاقها بالمقاومة مستقبلاً”.
العلاقة غير السوية بين الجيش اللبناني والجيوش الغربية يمكن تلخيصها بمفارقةٍ مفادها أن الغرب هو الداعم الأول لإسرائيل، التي يعتبرها الجيش اللبناني العدو الأول للبنان. ورغم ذلك، فإن علاقات الجيش اللبناني شبه محصورة بالغرب. وهذه العلاقات لا تخضع لأي رقابة لا سابقة ولا لاحقة من قبل الحكومة أو مجلس النواب. ففي لبنان، لا توجد أي قوة سياسية فاعلة تجرؤ على محاسبة قيادة الجيش، بسبب التركيبة السياسية والطائفية للبلد. حتى أمنياً، لا تخضع تلك العلاقات لأي تدقيق. ففي العام 2009، أوقفت استخبارات الجيش رئيس مدرسة القوات الخاصة في الجيش، العقيد منصور دياب، بتهمة التعامل مع الاستخبارات الإسرائيلية (إضافة إلى 3 ضباط آخرين بالتهمة نفسها، وفرار ضابطين إلى خارج البلاد قبل توقيفهما). وقد أدانته المحكمة العسكرية، في درجتَي المحاكمة. في اعترافاته أن الإسرائيليين جنّدوه في تسعينيات القرن الماضي، عندما كان يخضع لدورة تدريب طويلة المدة في الولايات المتحدة الأميركية. هذه الحادثة لم تدفع أي مسؤول أمني أو سياسي في لبنان إلى رفع الصوت احتجاجاً على هذه الواقعة الخطيرة، أو للمطالبة بضمانات أميركية بعدم تكرار ذلك، وتحميل الولايات المتحدة مسؤولية هذا الاختراق الكبير للجيش اللبناني، لأن الحادثة وقعت عندما كان الضابط على الأراضي الأميركية، وفي عهدة الجيش الأميركي.
عهد الجنرال جوزف عون
يعود النفوذ الأميركي في الجيش اللبناني إلى خمسينيات القرن الماضي. وهو يقوى أو يتراجع تبعاً للسلطة السياسية وعلاقاتها الخارجية. منذ عام ١٩٩٠، ارتكزت علاقات لبنان الخارجية إلى تميز العلاقات اللبنانية – السورية وتوحيد السياسة الخارجية للبلدين. بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان عام ٢٠٠٥، شهدت السلطة السياسية في بيروت فراغاً كبيراً، نتيجة الانقسام العمودي بين مؤيدي الغرب وخصومهم، ما أدى إلى غياب سياسة خارجية واضحة في لبنان.
استغلت الولايات المتحدة هذا الفراغ لإقامة نفوذ صلب لها في الجيش. في ولاية القائد الحالي الجنرال جوزف عون، وصل النفوذ الأميركي إلى حدوده القصوى. يستبعد ضابط لبناني رفيع المستوى حصر أسباب هذا النفوذ بطموح عون لأن يُنتخب رئيساً للجمهورية. “سلفه، الجنرال جان قهوجي، كان لديه طموح مشابه. لكنه لم يذهب مع الأميركيين إلى الحدود التي وصل إليها جوزف عون”. يضرب الضابط نفسه مثلاً أنه “في العام 2014، وفي ذروة هجوم تنظيم داعش على السلسلة الشرقية لجبال لبنان، من داخل الأراضي السورية، طلب قهوجي مساعدة الفرنسيين لإصلاح مروحيات يحتاجها الجيش في المعركة ضد التنظيم الإرهابي، فطلب الفرنسيون مبلغاً كبيراً من المال لم يكن متوفراً مع الجيش. فما كان من قهوجي سوى أن طلب مساعدة الجيش السوري، الذي لبّى الطلب مجاناً، وبسرعة قياسية، وأرسل بعثة إلى لبنان لإصلاح الطائرات. وكذلك فعل القائد الأسبق للجيش، ميشال سليمان، الذي طلب مساعدة سوريا، بعد انسحابها من لبنان، في المعركة التي خاضها الجيش اللبناني عام 2007 ضد تنظيم “فتح الإسلام” الإرهابي الذي احتل مخيم نهر البارد للاجئين الفلسطينيين. ولم تتأثر علاقة قهوجي وسليمان بالأميركيين. أما جوزف عون، فقد وضع كل بيضه في سلة الأميركيين”.
يقول أحد زملاء عون إن الأخير ذو هوى غربي. من أوائل قراراته بعد استلام منصبه كان التخلص من الأسلحة الفردية الروسية مع الجنود اللبنانيين (AK47) بذريعة توحيد أنواع الأسلحة لأسباب لوجستية. وفي ولايته، “وصل الأمر بالأميركيين حدّ تسيير طائرات مسيّرة عن بُعد في سماء لبنان، والقيام بجولات استطلاعية فوق الأراضي اللبنانية”، بحسب ما أكد لـTheCradle ضباط رفيعو المستوى. ويشغّل تلك الطائرات جنود أميركيون متمركزون في قاعدتين للجيش اللبناني، ويجري تغطية هذه الطلعات بالقول إن هدفها تدريب ضباط لبنانيين على استخدام المسيّرات!
وإضافة إلى هواه الغربي، أحاط عون نفسه بمجموعة من الضباط المقربين جداً من الولايات المتحدة، كمدير الاستخبارات العسكرية السابق، العميد طوني منصور (2017 – 2020)، الذي سعت السفارة الأميركية إلى تمديد بقائه في منصبه بعد إحالته على التقاعد، من دون أن تنجح في ذلك. وهو من القلة الذين تزورهم السفيرة الأميركية في منازلهم، حيث تقضي يوماً كاملاً، برفقة مسؤولي السفارة، رغم كونه ضابطاً متقاعداً ينحصر دوره حالياً في إدارة حملة جوزف عون الرئاسية.
فور تسلّمه قيادة الجيش، أحاط الأميركيون عون بكثير من الاهتمام والرعاية، وصار يُستقبل في واشنطن بحفاوة، حيث يُستمع إلى آرائه من قبل أعضاء في الكونغرس وفي الإدارة كما لو انه سياسي رفيع المستوى، ما ساهم في تعزيز ميله باتجاه الغرب. ويُحكى الكثير في الصالونات السياسية اللبنانية عن أشكال أخرى من الدعم المباشر الذي يصل من واشنطن إلى قائد الجيش، من دون ان يملك أحد دليلاً عليه. ولا بد من الإشارة إلى أن جوزف عون، كان – عند تعيينه في منصبه الحالي – محسوباً على رئيس الجمهورية ميشال عون (2016 – 2022)، المتحالف مع حزب الله. لكن سرعان ما انقلب قائد الجيش على رئيس الجمهورية، حتى صار المقربون من الأخير يتّهمون القائد بأنه “أصبح كلياً من جماعة أميركا”.
سيُحال جوزف عون على التقاعد في العاشر من كانون الثاني – يناير 2024. وفي حال لم يصل إلى رئاسة الجمهورية، فإن التحدي الأول أمام قائد الجيش المقبل هو استعادة التوازن في المؤسسة العسكرية، ومنع الأميركيين من تحويلها إلى أداة في مشاريعهم في الإقليم. وهذا التحدي يزداد صعوبة. فبعد حصر التسليح والتدريب بيد الأميركيين وحلفائهم، باتت الولايات المتحدة الأميركية حالياً مصدراً للمال الذي يُدفع شهرياً لكل جندي وضابط في الجيش اللبناني (100 دولار شهرياً، لمدة 6 أشهر)، بعدما تهاوت قيمة رواتبهم نتيجة الانهيار النقدي والمالي الذي تشهده البلاد منذ العام 2019! أما سياسياً، فمن غير المتوقع أن يتمكّن لبنان من رسم سياسة خارجية موحّدة، مبنية على مصالحه، تساعد على تنظيم آليات تعاون الجيش مع الجيوش الأجنبية. فالعلاقات الدولية هي أحد أوجه النزاع السياسي القائم في لبنان منذ عام 2005 على أقل تقدير، ومن المستبعد جداً أن ينتهي هذا النزاع قريباً.