حارق نسخة من القرآن الكريم.. مسيرة مضطربة حافلة بالشبهات
بغداد – عادل الجبوري
على حين غرّة، تصدّر اسم “سلوان موميكا” وسائل الاعلام والمنابر السياسية والدينية، وشغل اهتمام العالم، ليس لأنه قام بعمل بطولي مشرّف استحق أن يرفع من شأنه ومنزلته، بل لأنه ارتكب فعلًا مخزيًا وشنيعًا، تمثّل بإحراق نسخة من القرآن الكريم وانتهاك قدسيته بصورة علنية فاضحة.
ولأنه ينحدر من أصول عراقية وما زال يحمل الجنسية العراقية، فقد كان من الطبيعي جدًا أن يكون العراق -حكومة وشعبًا ومؤسسات ونخبًا- معنيًا بدرجة أكبر من غيره بما حصل.
من هو سلوان موميكا؟ ولماذا فعل ذلك؟ وهل ما قام به كان تصرفًا شخصيًا أم هو جزء من أجندات تقف وراءها أطراف خفيّة لها أهداف ودوافع أقل ما يقال عنها إنها خبيثة وخطيرة؟
هذه التساؤلات والإثارات وغيرها راحت تطرح نفسها بقوة في خضم موجات الغضب والانفعال والاستياء التي عمت العالم الاسلامي وحتى غير الاسلامي، وسط هواجس قلق عميقة في داخل المحافل والأوساط السياسية والمجتمعية الغربية من تنامي ردود الأفعال الإسلامية حيال التجاوزات والإساءات والإانتهاكات المتكررة لمقدساتهم الدينية في الغرب، ولا سيما في بعض البلدان الأوربية والولايات المتحدة الأميركية.
فيما يتعلق بحارق نسخة من القرآن الكريم في السويد مؤخرًا، فهو مسيحي عراقي من مواليد عام 1986 في قضاء الحمدانية التابع لمحافظة نينوى، ويعد من أصحاب السوابق، اذ حكم عليه بالسجن ثلاثة أعوام بسبب جريمة قتل، قبل سيطرة تنظيم “داعش” الإرهابي على مدينة الموصل ومدن عراقية أخرى في صيف عام 2014، وتنقل بين حركات وفصائل مسلّحة مختلفة، وارتبط بحزب العمال الكردستاني التركي المعارض (PKK)، بعد أن حصل الأخير على موطئ قدم له في قضاء سنجار التابع لمحافظة نينوى.
وتؤكد العديد من الوثائق والمصادر أن موميكا شارك في أعمال العنف والفوضى التي رافقت التظاهرات الاحتجاجية التي اندلعت في عام 2019، وكان من العناصر البارزة والفاعلة في اطار ما أطلق عليه “الحراك التشريني”، قبل أن يغادر العراق إلى أوروبا طالبًا اللجوء في ألمانيا التي رفضته، ليتجه بعدها إلى السويد، ويعلن منها عن إلحاده وانخراطه في أحد الأحزاب السويدية المتطرفة والمعادية للمهاجرين لا سيما المسلمين، رغم عدم حصوله على الجنسية السويدية. علمًا أن الكثير من البراهين والدلائل أثبتت أن السفارتين الأميركية والبريطانية وسفارات دول أخرى، هي من خططت وموّلت لأعمال العنف في العراق، من خلال استغلال المطالب السلميّة الإصلاحية المشروعة، والعمل على حرفها عن مسارها الصحيح.
ويؤكد عدد من معارفه في قضاء الحمدانية، أن موميكا انفصل عن زوجته وهجر عائلته بسبب سلوكياته السيئة، حيث تبرأت منه عائلته منذ فترة طويلة بعد أن تهجم على والده في مواقع التواصل الاجتماعي، علمًا أنه بعد أن كان يشيد ويمتدح بعض الزعامات السياسية العراقية خلال تظاهرات تشرين، راح يتهجم عليها بشدة بعدما وصل إلى المانيا ومن ثم السويد من أجل الحصول على اللجوء السياسي، ناهيك عن افصاحه عن نيته العمل على حظر القرآن الكريم والإساءة إليه، مستغلًا قوانين حرية التعبير هناك.
ولعل التدقيق والتمعّن في مجمل مسيرة المدعو موميكا، يكشف بوضوح شخصيته المتقلبة والمضطربة اجتماعيًا وسياسيًا وعقائديًا، التي ربما تجعله محط اهتمام الجهات والأطراف صاحبة أجندات ومشاريع إثارة الفتن السياسية والتجاوز على المعتقدات الدينية، ليس ابتداء بدوره التخريبي السلبي في تظاهرات تشرين، ولا انتهاء بحرقه القرآن الكريم على مرأى ومسمع العالم الغربي المتشدق بالشعارات البراقة والجميلة عن الحرية والديمقراطية، التي باتت تتجه وتنحصر في الترويج والتحريض على الإساءة للآخر وللشذوذ والمثلية أكثر من التشجيع على التعايش السلمي والاحترام المتبادل والقبول والتقبل للآخر.
وفي واقع الحال لا يمكن فصل مجمل ما قام به سلوان موميكا عن الاساءات والتجاوزات السابقة ضد المقدسات الدينية الاسلامية التي اخذت تتصاعد وتتزايد بوضوح. وبحسب ما يقول بعض المراقبين، “ان الماكينة الغربية رفعت وتيرة ترويجها وتحريضها ضد الإسلام منذ مطلع الألفية الجديدة بصورة لافتة. ومع السنوات، وفي ظل تعاظم قوة الدول المسلمة اقتصادياً وفكرياً، ووصول عدد كبير من المسلمين إلى الدول الغربية، كان لا بد من محاولة تشويه صورتهم. وتوالت الحملات مع كل حدث عالمي، بداية من هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، وصولاً إلى محاولة إظهار جميع المسلمين على هيئة “داعش”، وكان جزء من أهداف هذا العمل هو منع اندماج المسلمين وتقبلهم خشية وصولهم إلى السلطة في الغرب”.
ما يعزز ويؤكد ذلك، هو أن الحكومات الغربية هي التي تسمح وتشجع وتجيز مثل تلك الممارسات، والسويد تعد مثالًا صارخًا، وهي قالت بصراحة بشأن احراق القرآن الكريم من قبل سلوان موميكا، عبر بيان رسمي للشرطة السويدية إن “طبيعة المخاطر الأمنية المرتبطة بإحراق المصحف لا تبرر بموجب القوانين الحالية رفض الطلب”، علمًا أن ما جاء في طلب موميكا، هو “أريد التظاهر أمام المسجد الكبير في ستوكهولم، وأريد التعبير عن رأيي حيال القرآن.. سأمزّق المصحف وأحرقه”!
ومنذ بداية العام الجاري، أعطت السلطات السويدية الضوء الأخير لشخصيات وجماعات متطرفة لإحراق القرآن الكريم، كما حصل في أواخر شهر كانون الثاني-يناير الماضي أمام السفارة التركية بستوكهولم، ناهيك عن ممارسات سابقة مشابهة أو مماثلة جرت خلال الأعوام الماضية في الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا والدانمارك وهولندا وغيرها.
وقد لا نبالغ في القول إن الترويج والتشجيع والتحريض على انتهاك المقدسات الدينية الإسلامية في الغرب، لا يختلف عن سلوكيات وممارسات الجماعات والتنظيمات الإرهابية التكفيرية كـ”القاعدة” و”داعش” من حيث الجوهر والمضمون والأهداف المبتغاة، ولا يختلف عن الحرب الناعمة التي تشنها مؤسسات وحكومات ومنظمات غربية على الشعوب والمجتمعات الإسلامية، لتتجه يومًا بعد آخر إلى استخدام أدوات -أشخاصًا كانوا أو مؤسسات وأجهزة وامكانيات- من داخل منظومات المجتمعات الشرقية والاسلامية.
والغريب في الأمر أن التجاوزات والإساءات والانتهاكات للقيم الدينية الإسلامية تندرج في الغرب تحت عنوان حرية التعبير عن الرأي والديمقراطية، بيد أنه في مقابل ذلك، لا يمكن لأي كان أن يشكك –مجرد تشكيك- أو يثير تساؤلًا حتى لو كان بريئًا، حول صحة المحارق النازية (الهولوكوست) التي ما زال الكيان الصهيوني وسوف يبقى يتاجر بها ويتكسب منها.
وسواء كان يعرف ويدرك ويعلم، أو لا يعرف ولا يدرك ولا يعلم، فإنه في الواقع أصبح أداة من أدوات المخططات والمشاريع الرامية لجعل الإساءة للإسلام وقيمه ومبادئه ورموزه ظاهرة وسلوكًا شائعًا من جانب، ولجعل المسلمين في حالة حرب ومواجهة متواصلة مع أصحاب الديانات الأخرى من جانب آخر، وإلا هل يمكن لعاقل أن يجد مسوّغًا مقبولًا أو يتلمّس مكسبًا حقيقيًا على الصعيد العالمي من وراء إحراق نسخة من المصحف الشريف وتدنيسه بكل جرأة وصلافة ووقاحة؟