يرى خبراء في قضايا غرب آسيا، بأنه سيكون تطبيع العلاقات بين طهران والرياض مقدمة لتشكيل تحالفات جديدة في المنطقة. يعكس الإعلان عن إعادة فتح المراكز الدبلوماسية الإيرانية وزيارة الرئيس الفنزويلي مادورو ووزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى الرياض تعقيد التطورات في منطقة غرب آسيا.
ستخلق هذه التطورات السريعة فرصا وتهديدات جديدة حول العلاقات الثنائية بين إيران والمملكة العربية السعودية، وخاصة في المجال الاقتصادي والأمني.
التعاون المشترك في مجال الطاقة
بعد الجمود التاريخي في أسواق النفط، قررت الدول الأعضاء في أوبك، إلى جانب روسيا، خفض إنتاج النفط في آلية جديدة تسمى أوبك بلس، مما يوفر الأساس لارتفاع الأسعار في أسواق الطاقة. لم تقتصر هذه السياسة على الفترة التي سبقت تفشي فيروس كورونا، بل مع بداية أزمة أوكرانيا، أظهرت الدول المذكورة التزامها بخفض أسعار ناقلات الطاقة بمقدار 2 مليون برميل يوميا من الأسواق العالمية، بغض النظر عن الاعتبارات الإستراتيجية للغرب.
تسبب هذا الأمر في تضخم غير مسبوق في الدول الغربية، وخاصة الولايات المتحدة. وفقا للإحصاءات، شهدت الولايات المتحدة تضخما غير مسبوق بنسبة 8.8 في المائة خلال رئاسة بايدن بسبب انخفاض إنتاج النفط وارتفاع أسعار الطاقة.
الآن، بعد تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، يمكن للبلدين المهمين في أوبك زيادة قوة هذه المنظمة المتخصصة في التعامل مع الدول المستهلكة من خلال زيادة التنسيق في مجال توجيه أسواق الطاقة. وبعبارة أخرى، فإن زيادة التقارب بين إيران والمملكة العربية السعودية سوف يدفع الدول المنتجة للنفط إلى حماية مصالحها الوطنية من خلال تبني سياسات موحدة في أسواق الطاقة.
كما يمكن لأرامكو المساهمة في تطوير حقول الطاقة الإيرانية، خاصة في حقل غاز بارس الجنوبي أو تجديد صناعة النفط الإيرانية، كمستثمر ومزود للخدمات الفنية المتقدمة في مجال النفط والغاز.
توسيع التعاون المشترك في مشروع الحزام والطريق
في السنوات الأخيرة، وضعت الصين على جدول أعمالها تطوير مبادرة حزام واحد-طريق واحد لتطوير العلاقات مع جميع اللاعبين الرئيسيين في شمال وجنوب منطقة الخليج والبحر الأحمر. وتحتل طهران والرياض مكانة خاصة في هذا المشروع الصيني.
بعد اتفاق بكين واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين إيران والمملكة العربية السعودية، ظهرت فرص جديدة لتوسيع التعاون الاقتصادي بين البلدين. على سبيل المثال، يمكن استخدام ميناء تشابهار كأول محطة لرسو السفن التجارية، إذ يتم إخلاء الشحنة من الطريق البري إلى العراق ثم على طريق جديد إلى المملكة السعودية.
إن تنفيذ مثل هذه الخطة سيزيد من الترابط بين القوتين الإقليميتين، بالإضافة إلى تقليل وقت نقل البضائع إلى البحر الأحمر وتوفير التكاليف.
أظهرت الصين رؤية خاصة لتواجد البلدين في أسواق الطاقة من خلال إبرام اتفاقية إستراتيجية مدتها 25 عاما مع إيران واستثمار 5.5 مليار في المملكة العربية السعودية. سيؤدي تواجد البلدين في الخطة الصينية إلى تحسين وضع الدخل وزيادة الوزن الجيوسياسي للبلدين في النظام الدولي.
في مثل هذه الحالة، ستحاول الجهات الفاعلة العالمية الأخرى مثل الهند أو روسيا أو الحكومات الأوروبية في المنافسة الجيوستراتيجية مع بكين الاستفادة من قدرة إيران والمملكة العربية السعودية في مشاريع ممرات مماثلة مثل طريق الشمال -الجنوب.
بمعنى آخر، خلال التنافس بين القوى العظمى لإنشاء طرق ممرات جديدة، يمكن لإيران والمملكة العربية السعودية أن تلعبا دورا مهما في الطرق المستقبلية للاقتصاد العالمي من خلال زيادة التنسيق الثنائي والمتعدد الأطراف كمكمل لبعضهما البعض.
الاستثمار السعودي في قطاع الزراعة الإيرانية
تتبع المملكة العربية السعودية سياسة شراء الأراضي الزراعية في جميع أنحاء العالم بسبب موقعها الواقع في المناخ الجاف لشبه الجزيرة العربية ونقص الموارد المائية. الجهة المختصة للنهوض بهذه السياسة هي الشركة السعودية للاستثمار الزراعي والإنتاج الحيواني “سالك”.
بالإضافة إلى ذلك، تتطلع المملكة العربية السعودية إلى استثمار 3.5 مليار دولار في محيط البحر الأحمر في تطوير الزراعة البحرية، وفقا لوثيقة رؤية 2030. وبعبارة أخرى، تتبع المملكة العربية السعودية سياسة استثمارية في بلدان مختلفة حول العالم لتلبية احتياجاتها من الأمن الغذائي.
أتاحت الاحتياجات المحلية المتزايدة للمملكة العربية السعودية في مجال الأمن الغذائي الفرصة لتطوير العلاقات الاقتصادية بين طهران والرياض حتى يتمكن البلدان من التوصل إلى اتفاقيات مستدامة بشأن إنشاء مشاريع مشتركة في مجال الزراعة وتربية الماشية.
يمكن أن تصبح إيران، بعد باكستان والسودان وتركيا ومصر، وجهة جديدة للاستثمار السعودي في زراعة المحاصيل الإستراتيجية مثل القمح والذرة. على سبيل المثال، يمكن للشركات السعودية التركيز على زراعة المحاصيل مثل الموز أو المانجو باستخدام أساليب زراعية جديدة والقيام باستثمارات في مقاطعة سيستان وبلوتشستان.
وسيتيح الاستثمار المشترك في الزراعة الفرصة لإيران للحصول على أحدث التقنيات في مجال الأمن الغذائي من خلال الشركات السعودية.
إعادة تعريف المشاريع المشتركة في العراق والمنطقة
أتاح اتفاق بكين الفرصة للحكومات الإقليمية لإيجاد الفرصة لإعادة بناء الإخفاقات وتحسين مؤشرات الحياة والتنمية الاقتصادية بعد عقد من التوتر والاضطراب الداخلي.
بعد تطبيع العلاقات بين طهران والرياض، توقفت الحرب التي استمرت ثماني سنوات في اليمن، وعادت سوريا إلى جامعة الدول العربية بعد 12 عاما، والآن تستعد الأحزاب اللبنانية لانتخاب رئيس جديد.
في الفترة الراهنة، يمكن لعواصم دول الخليج المساعدة في إعادة بناء البنية التحتية لليمن وسوريا ولبنان والعراق بمساعدة الشركات الإيرانية القوية في مجال البناء والأمن الغذائي، و… وبالطبع، فإن إتباع مثل هذه السياسة لن يعني تحسنا مفاجئا في الوضع الاقتصادي للدول المذكورة، ولكن يمكن أن يكون بداية طريق للحد من المشاكل الداخلية للحكومات العربية وإضعاف الحركات الإرهابية مثل داعش والقاعدة في جميع أنحاء المنطقة.
آخر الكلام
بعد سبع سنوات من قطع العلاقات الدبلوماسية والعلاقات المتوترة بين طهران والرياض، يتجه هذان القطبان الإقليميان نحو الحد من التوترات في المنطقة وتحديد المشاريع المشتركة في العلاقات الثنائية. إن زيادة التنسيق السياسي في المنظمات الإقليمية والدولية، وتطوير الاستثمارات المشتركة في مختلف المجالات الاقتصادية، وتوسيع التنسيق في مجال استكمال خطة الحزام والطريق، وإحياء الاتفاقيات الأمنية وتحديد المشاريع المشتركة في منطقة غرب آسيا هي نقاط مشتركة بين إيران والمملكة العربية السعودية لتطوير العلاقات الثنائية.
ان فرص التعاون المشترك بين البلدين في يومنا هذا تسير في بداية الطريق وتتطلب إرادة قادة البلدين لدخول المرحلة التنفيذية. كما ستؤثر المتغيرات الخارجية مثل استمرار الأزمة الأوكرانية أو الانتخابات الرئاسية الأمريكية لعام 2024 بشكل مباشر وغير مباشر على مستقبل العلاقات الإيرانية السعودية.
المصدر: موقع راهبرد معاصر
————————
المقالات والتقارير المنقولة تعبر عن وجهة نظر مصادرها ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع
————————–
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-06-17 17:42:21
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي