ثلاثة وعشرون عاماً على التحریر.. المقاومة تحرر لبنان من اجتیاح عام 1982- الأخبار الشرق الأوسط
سنوات مرت ـ لم تكن عابرة ـ في تاريخ بلد أريد له الضعف، فقلب أبناؤه في المقاومة المعادلات وأصبح بسنوات قليلة، يدك عروش الطغاة ويهاب منه الأعداء. سنوات مرت منذ 1982 حيث الاجتياح الذي قلب لبنان رأساً على عقب، أمنياً وسياسياً، حيث كان يخطط له أن يصبح أداة طيعة في الأجندة الأميركية الإسرائيلية، لكن ولدت من رحم الظلم مقاومة أرست فيه معادلات القوة.
في السادس من حزيران عام 1982، بدأ فعلياً الاجتياح الإسرائيلي للبنان في عملية أطلق عليها اسم الاحتلال الاسرائيلي “سلامة الجليل”. وكانت الذريعة محاولة اغتيال “السفير الإسرائيلي” في لندن شلومو أرجوف. استخدم الاحتلال في اجتياحه حوالي 100 ألف من قواته، وتضم فرق القوات الخاصة كاملة – قوات الطيران – الدبابات – الزوارق والبوارج الحربية.
الا أن الاحتلال كان قد نفّذ منذ 4 حزيران عمليات عسكرية تمهيداً للاجتياح الشامل، ومنها قصف موقع تابع لمنظمة التحرير الفلسطينية في جنوب لبنان في 21 نيسان، ردّت عليه المنظمة بقصف صاروخي لشمال فلسطين المحتلة في 9 أيار 1982، ثم قصف الاحتلال مرة أخرى موقع للمنظمة في بيروت ردّت عليه الأخيرة أيضاً في شمال فلسطين.
جاءت أهداف الكيان المؤقت من هذا الاجتياح على لسان الناطق باسم حكومة الاحتلال (وكان رئيسها مناحيم بيغين) آفى بارنز، وتنحصر بالآتي:
_ تدمير بنية منظمة التحرير الفلسطينية
_ إقامة حكومة لبنانية مؤيدة لـ “إسرائيل”
_ توقيع “اتفاقية تطبيع مع الحكومة اللبنانية وضمان أمن المستوطنات شمال فلسطين المحتلة
_ إخراج القوات السورية من لبنان
شكّل الاجتياح شرارة انطلاق حركات المقاومة الإسلامية والشعبية والوطنية التي واجهت قوات الاحتلال ونفّذت العمليات العسكرية والاستشهادية والتي كانت في توسّع وتطوّر مستمر، وتزامن ذلك مع التفجيرات التي استهدفت السفارة الأمريكية ومن ثمّ التفجير الذي طال مقرّ “المارينز” الأمريكية. مأ أجبر الكيان الاسرائيلي على التراجع.
وانتهى الاجتياح بفعل ضربات المقاومة وتراجع قوات الاحتلال الى ما بعد ما يسمى “الشريط الحدودي” وفي 10 حزيران/ يونيو 1985، كما باتفاق – بوساطة أمريكية – يقضي بخروج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان مقابل التعهّد بضمان سلامة اللاجئين الفلسطينيّين وعدم السماح للاحتلال بدخول بيروت.
تختلف التقديرات بشأن عدد شهداء الاجتياح وتشير بعضها إلى ما بين 17000 و19000 شهيد من اللبنانيّين والفلسطينيين والسوريّين بين مدنيين وعسكريين، بالإضافة إلى اللاجئين الفلسطينيّين الذين قتلوا في مجزرة صبرا وشاتيلا. وتكبّد كيان الاحتلال الخسائر البشرية التي وصلت الى مقتل 376 جنديّاً في الفترة من حزيران إلى أيلول 1982 فقط، كما الخسائر المادية . وارتكب الاحتلال خلال هذه الفترة مجازر عدّة، في صيدا والزهراني والزرارية وبئر العبد والصنائع وصبرا وشاتيلا (التي نفذها حزب الكتائب اللبنانية الى جانب الاحتلال). وحاصرت قواته بيروت لأكثر من 83 يوماً وقصفتها بعشرات الآلاف من القذائف والصواريخ.
لم ينسَ اللبنانيون والفلسطينيون قط، ذلك اليوم.. عندما اجتاحت قوات العدو الاسرائيلي الأراضي اللبنانية حتى وصلت الى العاصمة بيروت، عام ١٩٨٢.
بين تلك الأحياء والشوارع، قصص كثيرة، عن عنفوان شعب لم تهزه مدافع العدو.. ولم تستطع أن تنتزع منه أرضه وحقه ووطنه.. بل أكد هذا الشعب أن العين تقتلع المخرز.. وإن هدّوا المنازل ستنصب الخيام.. ولكن لن نغادر!
خلال الاجتياح الإسرائيلي، عملت قوات الاحتلال على افراغ المناطق اللبنانية وتحديداً في الجنوب من الشباب، بسبب حملات الاعتقال التي كانت تنفذها في القرى.
ولكن، كان الجنوب يمتلك نساء يقوين العزائم، قاومن بالزيت المغلي واللحم الحي، ومنعن العدو من الولوج الى قراهن!.
أُخبرت سليمة المغربي، وهي إحدى الجنوبيات اللواتي واجهن العدو الإسرائيلي، في حديث خاص “لوكالة تسنيم” ان المخابرات الاسرائيلية قد حضرت الى بلدتها برج رحال، وهي منشغلة بإرضاع طفلها، فما كان منها الا ان تصدت للقوة المهاجمة مستعينة باحد السلالم المنزلية معترضةً به تقدم الدورية الاسرائيلية، وجرت على اثره مشادة كلامية بينهما قالت سليمة خلالها : “لن تمروا ولو كنتم من اهالي برج رحال”، واستتبعت ذلك بتحريض فتيات البلدة. تقول سليمة بسؤالٍ عن رأيها بالتطبيع وانهاء الصراع مع الاحتلال: “المقاومة رح تبقى وتستمر، نحن لولا المقاومة ما منسواش اشي، وانا مع الحزب والحركة، بحب الجهتين، ومع الجهتين”.
تستذكر سليمة، المواجهات الشعبية مع الاحتلال بحادثةٍ سحبت في احداها البندقية من يدَي العسكري الصهيوني ، رفضاً لوصفه زوجها المعتقل بالمخرب. تكمل سليمة، بالقول انها لم تكن تخاف وكنا يحرسن البلدة ليلاً حرصا على عدم تمكن الاحتلال من اعتقال المقاومين، دون اعارة الاهتمام لاي مقابل.
تعتبر نهاد الحسيني وهي مجاهدة عاصرت الاجتياح ، وفي حديث خاص “لوكالة تسنيم” ان اخطر ما كان يجري فترة الاجتياح هو سعي الاحتلال ترسيخ تطبيع العلاقة بينه وبين الاهالي، وان ثقافة المقاومة لدى ابناء المنطقة، التي ارساها الامام موسى الصدر، لعبت دور بقاء الحاجز النفسي حاضراً في ذهب ووجدان الجنوبيين، ما ادى على سبيل المثال، رفض شرائهم البضائع التي كانت تُرسل من فلسطين المحتلة.
تتجنب “الحسيني” ذكر اي اسم من اسماء من بنات المقاومة، حفاظا على سلامتهن، رغم عمر بعضهن المتقدم، وقد واظبت على التواصل مع خلايا المقاومة المتواجدة في منطقة الشياح، الملاصقة للضاحية الجنوبية، مصطحبةً ابنتها “فرح” ذات الاشهر الخمس، للتأكد من اي تكليف قبل توجهها جنوبي لبنان. تسلط السيدة نهاد الضوء على طرق تعاملها مع الحواجز الصهيونية، مستذكرة عن ذلك بعض الامثلة.
تتداخل الصور المحفورة في ذهنها عن مرحلة ما قبل التحرير الاول، وتربط ” الحسيني” بشكل مستمر خلال حديثها بين عمر ابنتها والاحداث المرافقة له. في ارزون، مسقط رأسها، تسرد كيف تعاملت وذويها مع مداهمة القوات الاسرائيلية للمنزل والبحث في غرفه عن اي عتاد مخزن.
تلفت المقاوِمة ” نهاد الحسيني” النظر الى الاجتياحين الاول والثاني، وتكمل لتقول انه كانا لاستخلاص العبر والدروس، لتؤكد من خلال استعراضهما على المقاومة غير المحصورة السلاح فقط.
يتحدث المجاهد عباس حريري “ابو يوسف” في حديث مماثل “لوكالة تسنيم:” عن اسمه المستعارٍ الذي استعمله في تلك المرحلة، وعن المدة التي تجنب فيها زيارة منزله بسبب العملاء.
وتحدث ” ابو يوسف”، عن مرحلة ما قبل تفجير حسينية معركة مباشرة، وعن ارسال الرئيس نبيه بري رسالة معه الى الشهيد محمد سعد، رد فيها على مماثلة كان قد بعث بها للشهيد “سعد” معه ايضا.
يستذكر “ابو يوسف” موقف حصل خلاله على معلومات عن تواجد قوات معادية داخل بلدته دير قانون، وكيف تحرك بتاجته احدى البلدات المجاورة، ليعود بعدها ويجد منزله مهدماً فينصب خيمة على الانقاض للتأكيد على الخيار الذي تبناه.
في رواية مماثلة، تروي عايدة شحادة، ابنة معروب “لوكالة تسنيم” عن تفاصيل عبورها عن احدى نقاط التفتيش التابعة للاحتلال في منطقة جزين، وكيف نقلت السلاح والمال من جهة الى جهة مستفيدة من بكاء طفلها.
من زاوية اخرى، شرح المصور الصحافي عباس سلمان وفي رواية خاصة “لوكالة تسنيم” عن بعض الاماكن والمرافق التي صورها بعد تعرضها للقصف في بيروت ومحيطها، ويسرد كيف كان عمله يعرضه لمخاطر شتى عند عمليات القصف التي كان يشنها العدو/ مستذكراً مجزرة قانا التي لا تغيب عن ذاكرته.
يكمل “سلمان” تعداده للمناطق التي شهدت اعتداءات اسرائيلية، ويذكر تصويره لمشاهد ما بعد عملية الشهيد خالد علوان الشهيرة في منطقة الحمرا، معتبرا ان التقاط مثل تلك الصور يتطلب جرأة كبيرة، متحدثاً عن بعض اللحظات والاحداث والمشاهد المطبوعة في ذاكرته. يسرد المصور الحربي ايضا قصة مؤثرة التقط خلالها صورة للنازحين من مناطق الجنوب المحتلة باتجاه العاصمة. ويستذكر صور التحرير، التي خلدت هذه الذكرى العظيمة.
يشرح عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قبلان قبلان وهو قيادي سابق في أفواج المقاومة اللبنانية أمل، “لوكالة تسنيم” ان الصدمة التي احدثتها المقاومة في الداخل اللبناني وعند اوساط العدو، وقدرتها على تغيير النمط السائد عن المواجهات مع العدو.
وشدد على أن العلاقة مع اسرائيل تحكمها قاعدة واحدة “اسرائيل شر مطلق والتعامل معها حرام”، لا تتغير مع الزمن، وفق معايير القتل والافساد والأذى واغتصاب الأرض التي ارتكز عليها هذا الكيان.
فجوة حقيقية في القدرات العسكرية بين لبنان وقوات الاحتلال، الّا ان عقيدة الجهاد المرسّخة داخل نفوس المقاومين، حالت دون أن يكسب العدو المعركة، وقلبت الموازين ليتمكن المقاومين من تحرير العاصمة بيروت، وبدء رحلة التحرير الطويلة التي استمرت حتى العام 2000.
/انتهى/
المصدر
الكاتب:
الموقع : tn.ai
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-06-07 15:56:03
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي