فی ذکرى الرحیل .. الثورة الاسلامیة تتوهج برؤیة الامام الخمینی (قدس)- الأخبار ایران – وکالة تسنیم الدولیة للأنباء
وتعتبر الجمهورية الاسلامية اول حكومة اسلامية بعد خلافة الامام الحسن (عليه السلام) كحكومة قائمة على اساس الشريعة المحمدية الاصيلة وهنا لابد أن نسلط الضوء على رسالة ومشروع نهضته وهي الثورة الاسلامية التي ولدت وسط صراع القطبين بين الولايات المتحدة الاميركية وحلفائها من جهة والاتحاد السوفيتي والكتلة الشرقية من جهة اخرى.
اولا: الثورة الاسلامية اول ثورة تهتم بالقيم المعنوية والاسلام من جهة والحالة السياسية من جهة اخرى في عصر سادت فيه التيارات المادية، ووفق منهجية الثورة فان الفكر الاسلامي والانسان على رأس قائمة اهدافها، وتمثل انعكاس لمجموعة من التحولات الفكرية وتجسيد ميداني للتيار الفقهي بوصفه مشروعا لحل الاشكاليات الاجتماعية، وفي هذه النقطة تختلف الثورة الاسلامية عن اكبر ثورتين في العصر الحديث هما الفرنسية والروسية، فالثورة الفرنسية انطلقت من مناخ يحتوي مجموعة من التصورات والمشاعر الايجابية والتحرر من قمع الكنيسة وضغوطها وحرية التعبير، فيما قامت الثورة الروسية على اساس الغاء الفوارق الطبقية والتخلص من الامتيازات الاقتصادية ولكن كلتا الثورتين قامتا على اساس استبعاد الدين، فيما جاءت الثورة الاسلامية لاحياء القيم المعنوية والعودة الى الانسان لان الامام الراحل (قدس) حدد المشكلة التي وقعت بها تلك الثورات باستبعاد الروح الانسانية والاعتماد على المادية والالحاد وراء الظلم والانحدار الذي وصلت له المجتمعات الغربية.
ثانيا: الثورة الاسلامية اول ثورة تواجه القومية والقوميين فكانت كتابات الامام الراحل (قدس) حلقة من حلقات المواجهة والصراع مع النزعة القومية سواء في الداخل الايراني او خارجه وخصوصا المجتمعات العربية، فدخلت القومية في ساحة المواجهة الثقافية بين المتفاخرين بامجاد ايران قبل الاسلام وبين التيار الديني وكذلك في الدول العربية بين القوميين الذين هيمنوا على السلطة وبين التيارات الاسلامية والتي تأثرت بشكل مباشر بانتصار الثورة الاسلامية، والقومية لم تكن على صلة بالدين بل كانت على النقيض منه.
ثالثا: الثورة الاسلامية و الخطاب الديني في عملية تغيير للمفاهيم الخاطئة ونشر المفاهيم الاسلامية والتي مثلت المقدمة لتغيير المجتمع واصلاحه واقامة حكم الله (سبحانه وتعالى) في الارض وتصديه لوسائل الاعلام المعادية ولذا كان تلميذ الامام الراحل الشهيد مطهري قد نهض بكفاحه الفكري باعتباره خطوة على التغيير الاجتماعي الشامل حيث اكد بان احكام الاسلام حية لايعتريها موت او نسخ والله سبحانه وتعالى قد تعهد بصيانة هذا الدين اذ قال سبحانه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[ (الحجر ، 9) ، وان احياء الفكر الديني ليس هو لاحياء الدين نفسه بل لاحياء التفكير بشأن الدين وكما قال امير المؤمنين (ع) حول الاحياء (احيوا السنة واماتوا البدعة)، واكد الخطاب الديني على ان الدين الاسلامي يشكل كل مناحي الحياة السياسية وحياتنا كلها تقع ضمن دائرة الدين ولايوجد جانب واحد من جوانب حياة الانسان خارج هذه الدائرة بما في ذلك الحياة الفردية والاجتماعية والاسرية وكذلك العلاقات مع الشعوب الاخرى.
رابعا: الثورة الاسلامية ومركزية العالم الاسلامي حيث حددت الثورة ان النظام الاسلامي يشكل “ام القرى” التي وردت في القران الكريم (وَهَٰذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَىٰ وَمَنْ حَوْلَهَا) (الانعام ، 92) فجاء الخطاب مفسرا للمعنى وفق رؤية معاصرة تبلورت من خلال التطبيق العملي وتأكيد على ان العالم الاسلامي هو جموع المسلمين وليس محل اقامتهم وان المسلمين هم امة واحدة لديهم انسجام وتحرك واحد باتجاه هدف واحد، (إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) (الانبياء ، 92) ، وهو ما يمثل اقامة النظام الاسلامي بقيادة الفقيه الجامع للشرائط وعندها يتحقق مفهوم “ام القرى” وهذا يعني تغير الزمان والمكان وتصبح الدولة التي يقودها الفقيه “ام القرى” وهذا يدل على ان هذه المفردة لاتختص ببلد ما ولا سكان ما وانما ترتبط ذاتيا بالنظام الاسلامي وقيادته الدينية وهذا ما تحقق في ايران، وقد حدد دستور الجمهورية الاسلامية كل السياسات العامة القائمة على اساس التضامن مع الشعوب الاسلامية ووحدتها و تحقيق الوحدة السياسية والتكامل الاقتصادي والارتباط الثقافي مع العالم الاسلامي، وبعد انتصار الثورة الاسلامية والقيادة الحقة للامام الخميني (قدس) اصبح واجبا عليها ان تقود العالم الاسلامي وعلى الامة واجب ولايتها، ووفق هذا المفهموم أصبحت الجمهورية الاسلامية نواة مركز الاسلام العالمي وبذلك انطلقت قاعدة ايران الاساسية نحو تحقيق الوحدة الاسلامية ودعمت حركات اسلامية وحدوية في الدول الاسلامية المختلفة وقد اعطى الدستور الايراني دورا اساسيا شاملا بالسعي الى تطبيق الشريعة او المساعدة على تطبيقها في أي مكان بالعالم.
خامسا: الرؤية الاسلامية تجاه السياسة كانت ضبابية وغير واضحة المعالم لكن مع اعلان الامام الراحل (قدس) لـ “ولاية الفقيه” وتوضيح مبانيها الفكرية واسسها الدينية وامكانية تطبيقها وفق الاطر المعاصرة فتأسست اطر الخطاب الديني المعاصر شاقة الطريق بين تيار تقليدي متمسك بالاصول التي ورثها وتيار اخر يطرح “ولاية الامة على نفسها” وقد حققت الثورة الاسلامية اهدافها المتمثلة بصياغة دستور اسلامي واقامة حكومة اسلامية وتأسيس نظام اسلامي والاعداد للمجتمع الاسلامي لتشكيل الحضارة الاسلامية.
في الختام، لقد كان الامام الراحل (قدس) شخصية استثنائية جاءت في ظروف كانت الليبرالية الغربية والاشتراكية الشرقية والقومية تهيمن على العالم فتصدى لها بالاسلام بشكل عملي ومعلنا بان الثورة الاسلامية لا شرقية ولاغربية بل جمهورية اسلامية.. فالسلام عليه يوم ولد ويوم رحل عن هذه الدنيا الفانية ويوم يبعث حيا.
/انتهى/
المصدر
الكاتب:
الموقع : tn.ai
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-06-03 11:29:24
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي