الهيمنة المصطنعة.. سقف الدين الاميركي ولعبة جر الحبل

العالميقال ان

يقول المثل الدارج ان “الفقر يلوي اعناق الرجال” وهو امر واقعي يكسب واقعية اكبر فيما لو عممنا هذا المثال المعنوي على الامم والشعوب ما يستوجب القول ان الديون الخارجية تلوي أعناق الشعوب والامم وتهدد حاضرها ومستقبلها.

ضغوط وتجويع فرضوخ بعد انكسار

لكن في نفس الوقت لا يخفى ان لعبة ابتلاء الشعوب بالديون اصبحت لعبة ضغط كبيرة لابتزاز مقدراتها وثرواتها لاجبارها على الانصياع للاملاءات والضغوط الاستكبارية التي تصب في ريع الدول الراسمالية الاستحواذية ومن لحق بها من كانتونات ومحميات وكيانات مختلقة مزروعة في قلب بلداننا التي تريد الدول الاستكبارية فرضها الى درجة اصبحت هذه اللعبة خُدعة مميتة في زمن اصبح فيه إخضاع الشعوب لا يحتاج إلى الآلات العسكرية فالديون تؤدي هذه المهمة وبجدارة، لما لها من اثر مباشر على معدل النمو الاقتصادي للبلدان المديونة الواقعة تحت ضغط المديونية وحجم الديون المترتبة على الدول النامية إما للبنك الدولي الذي هو اساسا مسخرا لخدمة اخطبوط راسمال الاستكبار العالمي او مباشرة لدول الاستكبار نفسها.

اللعبة باختصار

اللعبة باختصار ان الدول النامية تحتاج لرؤوس الأموال لتمويل التنمية فيها، وعادة ما تلجأ للاستدانة من الدول ذات الفائض في رأس المال، باعتبار أن الاستدانة تزيد من النمو عبر قناة الادخار والاستثمار، على أن يتم دفع الدين في المستقبل على شكل اقساط مع الفوائد.

والامثلة على ذلك كثيرة منها الوضع الاقتصدي المنهك في مصر والسودان ولبنان اليوم واخضاع العراق بالأمس القريب للبند السابع إثر غزو الكويت عام 1990، ولا زال البنك الفيديرالي الاميركي يمسك حتى اليوم بزمام رقبة وبشريان العراق النفطي للتحكم في سهولة تمرير سياسة الضغط والانصياع، ومن خلال قابلية الضغط على الحكومة بموردها المالي الأساس في تشكيل موازنتها، والمحدد لسعر صرف الدينار العراقيـ عن طريق التحكم بحجم وتوقيت الأموال التي تخرج من البنك الفيدرالي الأمريكي إلى العراق، والاستفادة التي تراكمها البنوك الأمريكية عبر الاقتراض من الأموال العراقية بفائدة قليلة جدا، واستفادة الشركات الناقلة لهذه الأموال من الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق وأجور التأمين والحماية، الحفاظ على مركزية الدولار في عملية شراء النفط العراقي، خصوصًا بعد الاتفاقيات التي تقوم بها الصين وغيرها من الدول للتبادل بالعملات المحلية.

وفي مصر يمثل الدين العام مشكلة خطيرة خلال السنوات الأخيرة، ما ينذر تأثير الديون الخارجية على التنمية الاقتصادية الامر الذي يؤدي حتما الى انخفاض شديد في مستوى الرفاهية و تعدى ذلك للاحتياجات الأساسية للمواطنينـ.

يقول المتخصص الاقتصادي في بنك “غولدمان ساكس”، فاروق سوسة في تقرير بحثي بتاريخ التاسع من مارس الماضي، إن “مسار التضخم المتزايد يزيد الضغط على الجنيه المصري الذي ظل ثابتا نسبيا منذ خفض قيمة العملة في أوائل يناير الماضي على رغم المؤشرات الواضحة على استمرار نقص السيولة في العملات الأجنبية”، متوقعاً أن “يبلغ التضخم في مصر ذروته عند حوالى 36% في الربع الثالث، إذا لم يكن هناك مزيد من التخفيضات”.

في لبنان اصبح اليوم الدولار الميركي بمائة ألف ليرة/ الامر الذي يفرض إيقاعاته على عيش اللبنانيين.. الى ذلك يقول الخبير الاقتصادي زياد ناصر الدين في وقت سابق: إن “الولايات المتحدة الأمريكية تستقوي على لبنان بكامل أوراقها، وتقوم بضغط اقتصادي ومالي كبير على البلاد، وهذا الأمر جزء كبير من الأزمة الاقتصادية”.

وأضاف “من الواضح اليوم أن الدولار أصبح سياسيا بامتياز في لبنان، له أبعاد سياسية داخلية وخارجية وأبعاد تقنية داخلية، يتحمل مسؤوليتها الخلاف بين مصرف لبنان والحكومة وبطبيعة الحال يدفع ثمنه المواطن”.

انها التقنية التي تهيمن من خلالها الولايات المتحدة على اقتصادات الول النامية، مخترقة بذاك سيادة الدول المختلفة، وموظفة أموال هذه الدول لصالحها على حساب ابنائها أجمعهم.

عندما ينقلب السحر على الساحر..

جاء في خبر تداولته وكالة “رويترز” صباح اليوم الاثلاثاء، ان الولايات المتحدة الاميركية باتت على طريق التخلف عن السداد في اول حزيران/يونيو القادم دون رفع سقف الدين، وكان سقف المديونية الاميركية قد وصل الى31 تريليون دولار في 16 كانون الأول/ديسمبر 2021، حيث رفع الكونغرس سقف المديونية من 2.5 تريليون إلى 31.4 تريليون.

لكن الجديد في الامر التحذير الذي اطلقته وزيرة الخزانة الأمريكية جانيت يلين أمس الاثنين، بقولها “في ثاني رسالة للكونغرس في غضون أسبوعين”، أنه من غير المرجح أن تفي الوزارة بجميع التزامات ديون الحكومة الأمريكية بحلول أوائل حزيران/يونيو لهذا العام 2023، ما يؤدي إلى تخلف الولايات المتحدة عن السداد لأول مرة في تاريخها، وان سقف الدين قد يصبح ملزما بحلول الأول من حزيران/يونيو.

مصالح حزبية يقابلها ضغط مضاعف على كاهل المواطن الاميركي

في الولايات المتحدة، عادة ما تنتج خلفيات سياسية عن مثل هذه الازمات المالية وتعطي قضية الدين العام بعدا يتخطى السياسة المالية إلى المصالح الحزبية، حيث يسعى كلا الطرفين الجمهوري والديمقراطي لمزاحمة الطرف الاخر وتسجيل مزيد من النقاط المالية خصوصا والاقتصادية على الطرف الاخر الامر الذي يدعم حظوظ التنافس في موسم الانتخابات.

غير ان أزمة الدين العام الاميركي ليست ببعيدة عن ان تؤدي الى نفجار كبير يؤثر على الاقتصاد الاميركي والعالمي، فيما الاقتصاد الاميركي سيغرق في رمال الازمات التي سوف لن يتحملها على ظهره سوى المواطن الاميركي بفعل الضرائب التي تلاحقه.

عود على بدء.. تحذير وزاري أميركي

وزيرة الخزانة الاميركية كانت قد ابلغت مشرعي الكونغرس في رسالة في الأول من أيار/مايو بأن ما لدى الوزارة من أموال لدفع الفواتير الحكومية قد ينفد في أوائل حزيران/يونيو، وربما في الأول منه، محذرة مرارا وتكرارا من أن عدم رفع الكونغرس سقف الدين الاتحادي البالغ 31.4 تريليون دولار قد يؤدي إلى “أزمة دستورية” وسيطلق العنان “لكارثة اقتصادية ومالية” للولايات المتحدة والاقتصادات العالمية.

مخاوف انعكست على لسان مكتب الميزانية بالكونغرس الأسبوع الماضي بقوله إن الولايات المتحدة تواجه “مخاطر كبيرة” تتمثل في التخلف عن سداد التزاماتها خلال الأسبوعين الأولين من شهر حزيران/يونيو دون رفع سقف الديون، غير ان مُشرِّعين اشاروا الى حل قصير الأمد يتمثل تمكن الوزارة من الاستمرار في المماطلة حتى آب/أغسطس دون أن تتخلف عن سداد الديون وذلك من خلال جمع المزيد من إيرادات الضرائب ربع السنوية في 15 حزيران/يونيو والوصول إلى ان يتم الوصول الى إجراءات اقتراض جديدة ربما تصبح متاحة في 30 حزيران/يونيو.

وزيرة الخزانة اجابت على هذا المقترح قصير الامد في رسالتها ليوم امس الاثنين، بقولها: “لقد تعلمنا من مأزق سقف الدين السابق أن الانتظار حتى اللحظة الأخيرة لتعليق أو زيادة حد الدين يمكن أن يتسبب في ضرر جسيم للأعمال وثقة المستهلك، ويرفع تكاليف الاقتراض قصير الأجل لدافعي الضرائب، ويؤثر سلبا على التصنيف الائتماني للولايات المتحدة”، موضحة انه “إذا فشل الكونغرس في زيادة حد الدين، فسوف يتسبب ذلك في معاناة شديدة للأسر الأمريكية ويضر بمكانتنا القيادية العالمية ويثير تساؤلات حيال قدرتنا على الدفاع عن مصالح أمننا القومي”.

رسالة الوزيرة يلين الثانية للكونجرس جاءت عشية لقاء متوقع بين الرئيس الأمريكي جو بايدن ورئيس مجلس النواب كيفن مكارثي لإجراء محادثات بشأن سقف الدين.

يذكر الى الولايات المتحدة مديونة الى أكبر دائنين أجانب هم بالترتيب:

1 – اليابان 2 – الصين 3 – المملكة المتحدة 4 – أيرلندا 5 – لوكسمبورغ

في الواقع تحتل اليابان المرتبة الأولى تليها الصين ثم المملكة المتحدة بين الدائنين الخارجيين لواشنطن، علما أن أكبر مالك للديون الأميركية عامة هو في الواقع حكومة الولايات المتحدة التي تحتفظ بسنادت الخزانة المالية في حسابات حكومية مختلفة وصناديق معاشات تقاعدية.

اعداد السيد ابو ايمان

الثلاثاء 16 05 2023

المصدر
الكاتب:
الموقع : www.alalam.ir
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-05-16 15:05:33
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

Exit mobile version