في عام 1948، احتلت العصابات الصهيونية الجزء الأكبر من فلسطين، ودمرت أكثر من 500 قرية وبلدة، وقتلت وجرحت الآلاف، كما شردت نحو 700 ألف من أراضيهم.
مارست العصابات خلال احتلالها فلسطين أساليب عنيفة بحق الأرض والشجر، إذ حرقت قرى زراعية، ودمرت منازل ومراكز داخل القرى المحتلة.
وخسرت فلسطين في نكبة 1948 جزءا من تراثها وآثارها التي دمرتها العصابات الصهيونية، فيما يحاول الاحتلال حتى يومنا هذا القضاء على معالم تاريخية فلسطينية، أو سلبها بالقوة.
وسنت حكومات الاحتلال الإسرائيلي المتعاقبة عدة قوانين منذ النكبة، لشرعنة السطو على التراث الفلسطيني، وتهميش ما تم تدميره، أو ما قد ينهار في أي لحظة بوضع قوانين تمنع أعمال الترميم.
وعلى أنقاض جل القرى، أقام الاحتلال الإسرائيلي مستوطنات سكنية، وحدائق، ومحميات طبيعية، وغابات، منكرا أي إرث تاريخي للفلسطينيين فيها.
تبجح بن غوريون ومائير
بحسب الباحثة الإسرائيلية المهتمة بالآثار، نوغا كادمان، فإن زعماء الاحتلال حاولوا منذ اليوم الأول للنكبة القضاء على الإرث الفلسطيني في المناطق المحتلة.
وذكرت كادمان في دراسة بعنوان “سياحة الجذور.. تهميش التراث الفلسطيني بمواقع السياحة الإسرائيلية”، أن رئيس وزراء الاحتلال السابق دافيد بن غوريون، صرح في مطلع العام 1952، بأن الأنقاض المدمرة لفلسطينيي صحراء النقب تزعجه، ويجب إزالتها ومحوها بالكامل.
في حين قالت وزيرة الخارجية السابقة غولدا مائير، عام 1957، أي بعد 9 سنوات على النكبة، إنها حينما تقف على أطلال القرى المرتفعة، وتشاهد الآثار الفلسطينية، تعتقد أن ذلك سيسبب مشكلات في المستقبل، وتناقضا مع الواقع الجديد، داعية الحكومة إلى “التخلص من الخراب”، بحسب وصفها.
جريمة بتوجيه رسمي
في العام 1965، أطلقت سلطة الأراضي في دولة الاحتلال الإسرائيلي حملة رسمية لتدمير ما تبقى من 100 قرية فلسطينية مهجورة.
تذرعت سلطة الأراضي حينها بأن منظر القرى يشوه الطبيعة، وهو ما وافق عليه رئيس وزراء الاحتلال حينها ليفي أشكول، الذي بعث بمرسوم إلى الكنيست، قال فيه إن واقع القرى الحالي “يعطل من خطط التنمية”.
بحسب دراسة نوغا كادمان التي اطلعت عليها “عربي21″، فإن المنظمات الإسرائيلية غير الحكومية، أو تلك التي من المفترض أن يكون لها دور محافظ على التراث، ساهمت في جريمة تدمير ما تبقى من نحو 100 قرية.
إذ وافقت ما كانت تسمى حينها “جمعية تحسين المناظر الطبيعية” على القرار، زاعمة أنها وجهت بعدم هدم الأبنية الجميلة ذات الطابع المعماري المميز، بيد أن قرى فلسطينية تم مسحها بالكامل بعد ذلك.
الطنطورة كمثال
الطنطورة واحدة من أكثر قرى فلسطين جاذبية من حيث الموقع الجغرافي، إذ تقع فوق تل يرتفع قليلا عن الشاطئ الرملي المحيط بها، قرب الطريق الساحلي الذي يصلها بمدينة حيفا المحتلة.
وبرغم صغر القرية، إلا أنها كانت تحتوي على خدمات متنوعة، أبرزها وجود سكة قطار فيها, إضافة إلى وجود مدرسة حجرية مطلة على الساحل، وعدة منازل محاطة بأشجار الحمضيات المثمرة، جميعها على الساحل أيضا.
عند احتلالها وارتكاب المجزرة الشهيرة فيها في أيار/ مايو 1948، والتي أدت إلى قتل أكثر من 230 فلسطينيا، لم تكتف العصابات الصهيونية بذلك، بل قامت بهدم بنايات القرية التي لو بقيت لكانت آثارا يرتادها السياح اليوم بسبب موقعها المميز المطل على البحر.
وفي حين لم يتبق في القرية اليوم سوى مقام، وقلعة، وبئر قديم، ومنازل أحدها بني عام 1882، فإن الاحتلال الإسرائيلي يقوم بمحاولة إيجاد تاريخ للقرية أقدم من الفلسطينيين، إذ كشف في العام 1979 عن وجود كنيسة بيزنطية بالطنطورة، تعود إلى حقبة الحملات الصليبية.
سرقة وعبث
مهد أسلوب العصابات الصهيونية التي احتلت فلسطين عام 1948، للمستوطنين المتطرفين بالقضاء على الآثار التي لم تزل بشكل تام خلال النكبة.
فعلى مدار 75 عاما ماضية، نجح المستوطنون المتطرفون بتدمير وسرقة آثار فلسطينية، والعبث بأخرى، ما تسبب في خرابها.
بحسب تصريحات سابقة للباحث في التراث الفلسطيني عبد الرزاق متاني، فإن المسجد يعود تاريخ تشييده إلى العصر المملوكي قبل نحو 7 قرون، وقامت العصابات الصهيونية بانتهاكه واستخدامه كحظيرة للأبقار بعد احتلال بيت جبرين في النكبة.
وتابع بأنه عند مغادرة العصابات للقرية، بدأ مستوطنون متطرفون وعلى مدار سنوات بسرقة حجارة المسجد، ونبش مقام الصحابي تميم بن أوس الداري، الذي يقع في القرية المدمرة ذاتها.
في قرية “عمواس” المهجرة قضاء القدس، يسري قانون منع ترميم الآثار على مسجد ومقام الصحابي معاذ بن جبل، وهو ما دفع جماعات استيطانية متطرفة للبعث في المسجد، ومحاولة نبش القبر، والحفر تحتهما، وهو ما يشكل عليهما خطر الانهيار الوشيك في أي لحظة.
وبحسب الباحثة في التاريخ الفلسطيني مروة الخطيب، فإن أكثر من 180 معلما أثريا دينيا فلسطينيا تم نبشها وسرقتها منذ مطلع العام 2020 في القرى الفلسطينية المهجّرة.
وبحسب الخطيب، فإن ما يعرف بـ”عصابات الآثار” هي من تقف خلف هذه الحملات، بهدف مصادرتها وتهويدها أو تدميرها.
أرقام صادمة
كشفت مؤسسة الأقصى للوقف والتراث في احصائية سابقة، أن 2350 موقعاً مقدساً إسلامياً ومسيحيا يقع في القرى والمدن المهجرة، جرى تدنيسها.
وبحسب المسؤول عن ملف توثيق هذه الأرقام عبد المجيد اغبارية، فإن 1350 موقعا مقدسا تشمل مقامات، ومساجد، وكنائس، جرى هدمها بشكل كامل، أو جزئي.
ونوه اغبارية إلى أن هذا الرقم يشمل فقط المدن الشمالية المحتلة، مثل عكا، حيفا، يافا، اللد، والرملة، في حين أن هناك حالات كبيرة أخرى لأماكن تراثية ومقدسة جرى تدنيسها وتدميرها في بقية مناطق فلسطين.
مصطلحات تسهم بالسرقة بحسب الباحث عبد الرزاق متاني، فإن دافيد بن غوريون استخدم مصطلحي “خرب” و”أطلال” للإشارة إلى أن القرى كانت مهجرة، ولم يبق منها سوى الأطلال، ليتبادر إلى الأذهان أن إزالة هذه الخرب هو أمر طبيعي ومطلوب.
وأضاف في كتاب له بعنوان “الداخل الفلسطيني المحتل ويهودية الدولة”، أن “الحقيقة هي أن هذه القرى والبيوت الفلسطينية في الغالب حفظت كما تركها أهلها”.
وفي العام 2009، أمر وزير المواصلات الإسرائيلي حينها يسرائيل كاتس، بتهويد أسماء القرى والمدن المكتوبة على الإشارات واللافتات المنتشرة على الشوارع والطرقات الرئيسية.
وقضى قرار التهويد بشطب الأسماء العربية والإنجليزية لأكثر من ألفي مدينة وبلدة، والإبقاء على أسمائها العبرية فقط، مع كتابتها بالأحرف العربية والإنجليزية.
ومنذ صدور القرار، اختفت أسماء مدن مثل “القدس” من اللافتات، واستبدلت بـ”يورشلايم”، فيما تم تهويد أسماء المدن وترجمتها للعربية بناء على نطقها بالعبري، إذ تكتب مدينة يافا بـ”يفو”، وصفد بـ”سفاد”.
وبحسب الأكاديمي والباحث الفلسطيني مصطفى كبها، فإن الاحتلال قام بتغيير 80 ألف مسمى لقرى ومدن وأودية وجبال وسهول وشوارع ومبان وحوار فلسطينية إلى العبرية.
واعتبر أن أحد أهم تجليات الصِّراع، هو الصراع على الرواية التاريخية وتسميات الحيز المكاني، وهذه القضية تجري عبر عملية “عبرنة” وتهويد المكان، وتغيير الاسم المكاني الأصلي عبر لجنة التَّسميات الحكومية الإسرائيلية.
*عربي 21
انتهى
المصدر
الكاتب:Sabokrohh
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-05-12 07:03:56
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي