شفقنا- نشرت مجلة “فورين أفيرز” الأمريكية تقريرًا، كشفت فيه النقاب عن الأسباب الأولى والرئيسية التي دفعت إدارة بوش لاتخاذ قرار غزو العراق.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته “عربي21″، إنه في مثل هذا الشهر قبل عشرين عامًا، أمر الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش بغزو العراق، متخذًا أهم قرار متعلق بالسياسة الخارجية خلال السنوات الثماني من ولايته.
أدى الغزو الذي قادته الولايات المتحدة -والتمرد ومكافحة التمرد والصراع الطائفي الذي أعقب ذلك- إلى مقتل أكثر من 200 ألف عراقي، وتشريد تسعة ملايين على الأقل. مات في هذه الحرب أكثر من 9 آلاف جندي ومقاول أمريكي، وكلفت دافعي الضرائب الأمريكيين أكثر من 2 تريليون دولار، ناهيك عن الإضرار بسمعة الولايات المتحدة، وتغذية الشعور بالظلم بين المسلمين، وتأجيج “الحرب العالمية على الإرهاب”، وإثارة انقسامات عميقة بين صفوف الشعب الأمريكي.
وتطرقت المجلة إلى مذكرة من 31 صفحة رُفعت عنها السرية مؤخرًا، صدرت في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022 من قبل الأرشيف الوطني بعد سنوات من العقبات الإدارية والفصل القانوني، تشرح سبب اتخاذ إدارة بوش قرار غزو العراق. في 29 نيسان/ أبريل 2004، التقى أعضاء لجنة 9/11 مع بوش ونائبه ديك تشيني في المكتب البيضاوي لمدة ثلاث ساعات تقريبًا. وكان الهدف من المقابلة جمع معلومات حول هجوم 11 أيلول/ سبتمبر 2001، واستقراء الدروس لمنع مأساة أخرى من هذا القبيل في المستقبل.
وتكشف الوثيقة، التي ظلت سريّة لما يقارب 20 عامًا، الكثير عن كيفية إدراك القادة للتهديدات، وصعوبات تفسير المعلومات الاستخباراتية، وتحديات تنسيق آلية الحكومة، ونقاط الضعف السياسية لرئيس الولايات المتحدة آنذاك، وساهمت كذلك في تسليط الضوء على سبب غزو الولايات المتحدة للعراق، ولماذا سارت الأمور على نحو خاطئ.
صاحب القرار
وأوضحت المجلة أن بوش -الذي كان صانع القرار الرئيسي داخل الإدارة- كان خلال الاجتماع مرتاحًا ومتناسقًا، وتحدث دون ملاحظات مكتوبة، ورد بشكل مباشر على الاستفسارات. لقد سيطر على النقاش مع لجنة 11 أيلول/ سبتمبر، التي تُعرف باسم “اللجنة الوطنية للتحقيق في الهجمات الإرهابية على الولايات المتحدة”، وأجاب عن جميع الأسئلة تقريبًا.
أعرب الرئيس عن إعجابه الشديد بجورج تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية، وكونداليزا رايس، مستشارة الأمن القومي، لكن بوش أوضح أنه اتخذ قرارات مهمة خلال إحاطاته الاستخبارية مع تينيت وتشيني ورايس ومايكل موريل. مع ذلك، أقر بوش بأن إدارته استغرقت وقتًا طويلاً للرد على التحذيرات بشأن هجوم القاعدة، ووضع خطة للتعامل مع حكومة طالبان في أفغانستان، ومعالجة الأسباب الجذرية للإرهاب.
بدا بوش في موقف دفاعي عندما اقترح أعضاء اللجنة أنه تجاهل المعلومات الاستخباراتية حول حدوث هجوم وشيك، وأصر على أن التحذيرات كانت تتضمن تهديدات خارج الولايات المتحدة وليس داخلها. وقبل الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، كان هناك تقرير واحد فقط عن تهديدات للأمن القومي، التي طلب الاطلاع عليه.
وقال بوش إن المحللين “لم يروا أي معلومات استخباراتية أكيدة في هذا التقرير”. ولم يذكر الموجز الاستخباراتي سوى أن تنظيم القاعدة يعد خطيرا، ويمثل مشكلة يجب التعامل معها، وقد ردّ الرئيس لأعضاء اللجنة بأنه كان مدركا لذلك، وأنه بصدد تطوير استراتيجية للقضاء عليه”. ورغم ادعاء بوش أمام اللجنة أنه لم يتلق أي تهديدات أكيدة، إلا أنه اعترف بأنه إذا تعرضت الولايات المتحدة لهجوم آخر فسيتحمل مسؤوليته كاملة”.
تصوّر التهديد
أشارت المجلة إلى أنه كان هناك الكثير من الأسباب لتوقّع هجوم آخر. سلطت المقابلة الضوء على الارتباك، والصعوبات في التنسيق والاتصال، وحجم التهديدات في الأيام والأسابيع والأشهر التي تلت أحداث 9/11. في غضون ذلك، التقى الرئيس كل يوم مع تينيت وتشيني ورايس وموريل؛ لانتقاء التهديدات المستمرة، وتحديد ما يجب فعله. وشدّد بوش على أنه لو كانت هناك خطة مطورة بالكامل قبل الهجوم لحاول تنفيذها.
عند سؤاله، رفض بوش فكرة أنه يوجّه تركيزًا غير مناسب على العراق في الليلة التالية للهجوم، وذلك حسب ما ذكره ريتشارد كلارك خبير مكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي في مذكراته. خلال المقابلة، نادرا ما تطرق الرئيس الأمريكي إلى اسم صدام حسين، دكتاتور العراق، باستثناء التأكيد على الشكوك في تواطئه في هذا الهجوم؛ نظرا إلى تاريخ صدام في تمويل الانتحاريين.
ودون ذكر صدام حسين، تكشف المقابلة الكثير عن المواقف والتحديات وعملية صنع القرار التي أدت إلى غزو العراق وما تلاه من كارثة. أعرب أعضاء اللجنة عن غضبهم من جميع الإشارات التهديدية بشأن نوايا تنظيم القاعدة التي لم يأبه بها بوش. وكان بوش يخشى منذ خريف سنة 2001 أن يتم استخدام الأدلة على استخدام صدام لأسلحة الدمار الشامل في الماضي، وعرقلة عمليات التفتيش، وتعطّشه لصنع الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وعلاقاته بالجماعات الإرهابية كسلاح ضده في حال وقوع هجوم آخر.
وأضافت المجلة أن بوش كان يدرك أنه إذا أخطأ -وحدث هجوم آخر- سيتعرض لحملة تشويه من قبل خصومه السياسيين، وسخط الشعب الأمريكي. وإذا لم يأخذ المعلومات على محمل الجد، ولم يطالب صدام بالكشف عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة وتدميرها، لاعتبر بوش مهملاً في تأدية واجباته كرئيس للولايات المتحدة، التي تتمثل في منع هجوم آخر وحماية الشعب الأمريكي، وذلك حسب ما توضحه المقابلة.
الدروس المستفادة؟
من خلال التعلم من إخفاق سياساته السابقة في التعامل مع طالبان قبل أحداث 9/11، أمر بوش مسؤولي دفاعه في أواخر تشرين الثاني/ نوفمبر 2001 بإعداد خطط لمواجهة صدام. وقد أوضح لأعضاء اللجنة أن غياب مثل هذه الخطط أعاقت قدرته على صياغة استراتيجية فعالة تجاه أفغانستان والقاعدة قبل 11 أيلول/ سبتمبر، وكان مصممًا على عدم السماح بحدوث ذلك مرة أخرى.
وتكشف مذكرات مستشاريه والمقابلات مع العديد من مساعديه أنه لم يعرف ما إذا كان حقا سيغزو العراق، لكنه اعتقد أنه كان عليه أن يواجه صدام حسين بالاستخدام المحتمل للقوة العسكرية من أجل إرغام الديكتاتور العراقي على السماح للمفتشين بالاستيلاء على أسلحة الدمار الشامل المزعومة أو مواجهة تغيير النظام.
أوضحت المجلة أن بوش طوّر استراتيجية عُرفت باسم “الدبلوماسية القسرية”، لكنه لم يطبقها بشكل فعّال، ولم يحدد أولوياته، سواء كانت تغيير النظام أو القضاء على أسلحة الدمار الشامل، أو تعزيز الديمقراطية في البلاد، ناهيك عن أنه لم يضع أي إغراءات لدفع العراق للامتثال لرغباته. وخلال المقابلة مع أعضاء لجنة 9/11، أقرّ بالحاجة إلى دمج فرق الأمن الداخلي والوطني، لكنه بدا غير مدرك أنه فشل في معالجة مشاكل التنسيق والتخطيط.
وخلال المقابلة، قال بوش إن مهمته كرئيس هي “اختيار مجموعة جيّدة من المستشارين، ثم توقّع القيام بعملهم بالاستراتيجية الصحيحة”. لكن تاريخ سياسته في العراق يظهر أنه رغم قدراته القيادية العديدة، فقد فوض بوش الكثير من السلطة لهؤلاء المستشارين، ولم يراقب تصميم وتنفيذ الخطط للسياسات التي وضعها، مثل تلك المتعلقة بإرساء نظام ديمقراطي.
بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر مباشرة، كان بوش مهتمًا بقتل الإرهابيين ومواجهة رعاتهم من الدول أكثر من اهتمامه بتعزيز الحرية في أفغانستان والعراق. وفي هذ السياق، صرح لأعضاء اللجنة بأنه يدرك أن “قتل الإرهابيين كان أفضل استراتيجية. وتتمثل الطريقة الوحيدة في قتلهم قبل أن يقتلونا. . . . إذا كان بن لادن يمتلك أسلحة دمار شامل، فمن المرجح أن يقتل المزيد، لذلك علينا إيجادها في أقرب وقت ممكن”. وقد كان يعتقد أن تلك الأسلحة موجودة في العراق.
تقدير الأدلة
عندما ناقش بوش الأحداث المتعلقة بهجمات 11 أيلول/ سبتمبر واستقراء الدروس للمستقبل، كشف الكثير عن سبب اختياره لمواجهة صدام، وهو الخوف من أن الإرهابيين الذين يكرهون الولايات المتحدة قد يحصلون على أكثر أسلحة العالم فتكًا من العراق. وامتلاك العراق لمثل هذه الأسلحة قد يحد في المستقبل من ممارسة الهيمنة الأمريكية. وخلال المقابلة ذاتها، سلّط الرئيس الضوء على العوامل التي ستستمر في إضعاف إدارته، وتساهم في كارثة ما بعد الغزو، على غرار الاستخبارات الغامضة وغير الكافية، والتخطيط غير الكفء، والخلافات البيروقراطية.
وأضافت المجلة أنه منذ انتهاء ولايته وصدور مذكراته، لم يقل بوش الكثير عن تفكيره وأفعاله قبل وبعد 11 أيلول/ سبتمبر. ومع أن الكثير من السجلات الأرشيفية الأمريكية لا تزال سرية، فإن هذه الوثيقة التي رُفعت عنها السرية حديثًا تساعد في تفسير الديناميكيات التي من شأنها أن تمهد الطريق للحروب.
وخلصت المجلة إلى أنه على الرغم من أن مخاوف بوش كانت منطقية، وكان إحساسه بالمسؤولية جديرًا بالثناء، وكان انشغاله بالتداعيات السياسية مفهوما، فإنه سعى جاهدا لربط النقاط دون التفكير في أسوأ السيناريوهات المتوقعة، ولم يبحث في مدى مصداقية الدليل على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وتجاهل أحكام بعض المحللين بأن صدام لم يسلم أسلحته للإرهابيين حتى لو كانت بحوزته.
فضلا عن ذلك، قدم بوش القليل من الحوافز والإغراءات لجعل دبلوماسيته القسرية تعمل بفعالية، وفشل في تقييم تكاليف وعواقب الغزو إذا فشلت الدبلوماسية القسرية. وقد أصبح غزو العراق مأساة، ليس لأن بوش كان مدفوعًا بالتحريضات الزائفة، وإنما لأنه بالغ في تقدير قوة الولايات المتحدة، وفشل في التخطيط بحكمة والتنفيذ الفعال.
النهاية
المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-03-24 05:02:03
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي