ٍَالرئيسية

في ذكرى أولى مذابح المغول في بلاد الإسلام.. كيف سقطت بخارى مدينة “الصالحين” وأحرقت 

 

تقرير- استطاع جانكيز خان السيطرة على الصين وجزء من آسيا الوسطى على الحدود مع الدولة الخوارزمية المسلمة، فبدأ يفكر في غزو العالم الإسلامي وإسقاط الخلافة العباسية في العراق، فعلى الرغم من وجود اتفاق بين جانكيز خان والملك الخوارزمي “محمد بن خوارزم شاه” على حسن الجوار والسلم، إلا أنه ضرب به عرض الحائط فور استقرار الأوضاع له في الصين ومنغوليا، واتخذ جانيكز خان سببًا واهيًا في نقض هذا الاتفاق ليحقق اطماعه الاستعمارية، وكان هذا السبب هو اقدام حاكم مدينة أوترار الخوارزمية على الهجوم على قافلة منغولية في مدينة أترار، فكانت تلك الحجة التي أقدم بها جنكيز خان على غزو العالم الإسلامي.

 

بخارى (Bukhara) أو (Buxoro) باللغة الأوزبكية؛ هي عاصمة مقاطعة بخارى في أوزباكستان الحالية. تقع على بعد حوالي (140) ميل / (225) كم غرب مدينة سمرقند جنوب وسط أوزباكستان على نهر (زرافشان)، كانت تلك المنطقة مأهولة بالسكان منذ حوالي ما لا يقل عن خمسة آلاف عامٍ.

عاصرت مدينة بخارى تقريبًا نصف هذه الفترة حينما وقعت المدينة على طول طريق الحرير، فأصبحت مركزًا تجاريًا وثاقفيًا وعلميًا مرموقًا، وقد بُنيت المدينة في أوائل عهدها بالقرب من الأنهار نظرًا للمناخ شديد الحرارة الذي تشهده مناطق وسط آسيا، فظهرت بها الزراعة منذ زمنٍ قديم، وشُيّدت الكثير من قنوات المياة في جميع أنحاء المدينة، وبشكل خاص على طول طريق القوافل التجارية لخدمة التجار وحيواناتهم وتزويدهم بالمياه.

 

في مثل هذا اليوم  من ذي الحجة أواخر عام 616 هـ هاجم جانكيز خان بجيشه الكبير مدينة “بخارى” ذات الحضارة التاريخية وصاحبة العلوم الإسلامية، وضرب حصارًا حولها، حيث نزل جنكيز خان بظاهرها وفرض عليها حصارًا محكمًا، وكانت القوة الإسلامية التي تدافع عنها تتكون من عشرين ألفًا من الجند الخوارزمي، وبعد ثلاثة أيام من المقاومة أصاب الجيش الوهن وتقهقر إلى خراسان محاولًا النجاة، فظل المغول يطاردون الجيش حتى نهر جيحون وأنزلوا به هزيمة منكرة ولم ينج من القتل إلا قلة قليلة، أما من بقى في المدينة شعروا بأن قواهم ضعفت وانتشر اليأس بينهم، وأرسلوا قاضي المدينة بدر الدين يعرض تسليم المدينة لجانكيز خان طالبًا منه الأمان، وفتحت أبوابها بالفعل أمام المغول ودخلها جانيكز خان بجنده في الرابع من زي الحجة عام 616 هـ ودخل إلى المسجد وصاح بجنده: “لقد قطع العلف اعط الخيل طعامًا”، في اشارة لجنده بأن ينهبوا المدينة ويستحلوها، يقول الصلابي في كتابه ” ، وقد دهس المغول بخيولهم صناديق كثيرة تحتوي القرآن الكريم، وأحضروا الخمر إلى المسجد واخذوا يشربون ويطربون.

 

جانكيز خان يحذر أهل بخارى “إنني نقمة الله على الأرض”

امر جانكيز خان فجيء له بأكثر أهل المدينة ثراء، فقال: “إنني نقمة الله على الأرض، فإذا لم تكونوا مجرمين فإن الله ما كان يسمح لي بأن أعاقبكم” وطالبهم بكل أموالهم التي يكتنزونها ويدفنونها، اما ما ليس مدفونا فسوف يحصل عليه ، وحاصر المغول القلعة بداخل المدينة وقتلوا كل من فيها بعد دفاع من حاميتها الصغيرة دام 11 يومًا، وأمر جكنيز خان أن يخرج جميع السكان من المدينة مجردين من أموالهم، ودخل إليها المغول فقتلوا كل من صادفهم من السكان يقول ابن الأثير: “دخل الكفار البلد فنهبوه وقتلوا من وجدوا فيه…واقتسموا النساء أيضًا وأصبحت بخارى خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس”، بل اشار ابن كثير إلى ان العدد الذي قتله المغول هائل وانهم لم يكتفوا بالقتل بل “فعلوا مع النساء الفواحش في حضرة أهلهن، فمن الناس من قاتل دون حريمه حتى قتل، ومنهم من أسر فعذب”. ولم يكتف المغول بذلك، ولكنهم اشغلوا النار في المدينة بأسرها فاحترقت مبانيها التي كان أغلبها من الخشب ورحل من بقى من اهلها إلى خراسان. كانت تلك المذبحة بداية لسلسلة من مذابح دموية ارتكبها المغول في غزوهم لبلاد العالم الإسلامي.

 

بخارى الآن هي عاصمة ولاية بخارى إحدى مدن دولة أوزبكستان، وهي دولة ذات أغلبية إسلامية تقع في وسط آسيا وعاصمتها طشقند، وينتسب إليها العالم والمحدث الكبير محمد بن اسماعيل البخاري صاحب كتاب صحيح البخاري.

 

نهب وسلب 

 

عندها اندفع المغول في أعمال النهب والسلب بفرح وبهجة، فانتشروا في شوارع بخارى كالوحوش الضارية وحملوا كل ما يصادفهم من أنواع المتاع، ونهبوا مخازن الحبوب والغلال في وقت هتك من كان مع جنكيز خان حرمة المسجد بطرق لا يتصورها عقل، أما علماء بخارى وفقهاؤها فأدخلوهم اصطبلات الخيل وزرائب المواشي ليتولوا خدمتها. على عكس المدينة التي استسلمت بسرعة ظلت حامية القلعة تقاوم 11 يوماً وبعدها سقطت، ولما رأى جنكيز خان الخسائر الفادحة التي لحقت بجنوده مع أن عدد جنود القلعة لا يتجاوز الـ 400 جندي، جن جنونه، وأمر فوراً بإخراج السكان من المدينة، ثم دخل المغول وقتلوا كل من سولت له نفسه البقاء فيها، كهلا كان أو امرأة أو حتى طفلا، ثم أمر الخاقان بإضرام النار في البيوت والمباني والمساجد… هكذا تصاعدت ألسنة اللهب نحو السماء، وبدا كأن الجحيم فتح أبوابه في بخارى. أما السكان الذين امتثلوا لأوامره وخرجوا من المدينة، فقتل منهم حوالي 30 ألفاً من دون أن يفرّق بين رجل وامرأة وطفل، واحتفظ بعدد كبير مقيدين وساقهم أسرى أمامه ليستخدمهم كدروع بشرية لدى اجتياح سمرقند، ثم هبّ جنوده كالوحوش الضارية يغتصبون النساء بوحشية غير مسبوقة. بعد بخارى جاء دور سمرقند، حاضرة إقليم ما وراء النهر، التي فتحها المسلمون عام 55 هـ في عهد معاوية. كانت سمرقند تقع على ربوة عالية وحولها سور منيع أحيط بخندق عميق تدخل عبره مياه النهر إليها فوق مجرى من الرصاص محمول على أعمدة قائمة في الخندق، وكانت مثل بخارى مكونة من ثلاثة أقسام، في الجنوب توجد قلعتها المنيعة، ثم المدينة الأصلية، ثم الضاحية، ولسورها 12 باباً حديدياً، بين كل بوابة وأخرى مقدار فرسخ، ولها بابان رئيسيان: باب الصين يقع في شرقها والباب الكبير يقع في غربها. في مايو 1220، لحقت بالجيش المغولي الذي كان يحاصر سمرقند أعداد لا تحصى من الأسرى، فلجأ جنكيز خان إلى حيلة في غاية الذكاء، إذ قسم الأسرى إلى مجموعات من 10 أشخاص، وأعطى كل مجموعة علماً لإيهام من يراهم بكثرة عدد جيش المغول فيدبّ الرعب في نفوس سكان المدينة، وهو ما حدث بالضبط، فبمجرد أن رأى السكان هذه الجموع التي تحمل أعلام المغول حتى ظنوا أن جيش المغول لديه كل هذه الجحافل من المقاتلين. إبادة 70 ألف مواطن شنّ أهالي المدينة هجوماً عنيفاً تقهقر أمامه المغول تقهقراً ظاهرياً، كعادتهم، لاستدراجهم إلى كمين أعدوه مسبقاً، من ثم طوقوهم من كل ناحية ومنعوهم من الرجوع إلى المدينة، فأبادوهم وبلغ عدد القتلى بين 50 إلى 70 ألف مواطن. في صبيحة اليوم التالي استؤنفت الحرب وظلت رحاها تدور إلى ما بعد صلاة العشاء، واستمرّ إطلاق المنجانيق والنبال والحجارة طوال الليل، وانتشرت وحدات المغول الانتحارية على الأبواب لمنع الجند من الخروج، فلما سُدَّ ميدان المبارزة في وجوههم، أطلق جنود الحامية الفيلة، إلا أن المغول أرهبوها بصياحهم وسهامهم، فقتلوا بعضها وهرب البعض الآخر. كان لحصيلة قتلى اليوم الثالث وقع رهيب في نفوس السكان، زاده سوءاً وصول نبأ المجزرة التي هلك فيها الأهالي، ففقدوا كل رغبة في المقاومة والصمود، وجاءت الطامة الكبرى عندما أحجم الجيش الخوارزمي عن قتال المغول، فتسلل قرابة 35 ألف مقاتل من الجنود الأتراك بقيادة «طوغان خان» مع عائلاتهم وأمتعتهم، وسلموا أنفسهم بمحض اختيارهم لقادة المغول، وتحججوا أنهم يتحدرون من جذورهم، فتظاهر المغول بتصديقهم وأحسنوا استقبالهم وخلعوا عليهم كسوات عسكرية مغولية، ثم ذبحوهم عن آخرهم خلال يومين. إزاء هذه الأوضاع لم يجد الأهالي بداً من الاستسلام، فخرج قاضي المدينة وشيخ الإسلام يتبعهما علية القوم للقاء جنكيز خان، وعرضوا عليه تسليم المدينة على أن يبقي على أرواح ساكنيها وممتلكاتهم، فوافقهم، واتفق معهم على أن يدخل هو من باب المدينة الشمالي ويدخل باقي المغول من كل الأبواب. وفي يوم 17 مارس من عام 1220 فتحت سمرقند، أعظم بقاع الأرض تألقا وازدهاراً في زمنها، أبوابها لجيوش المغول الهمجية كالوحوش الضارية، يصف ابن الأثير هذا المشهد، قائلا: «فلما كان اليوم الرابع، نادوا في البلد أن يخرج أهله جميعهم، ومن تأخر قتلوه، فخرج الرجال والنساء والصبيان، ففعلوا مع أهل سمرقند مثل فعلهم مع أهل بخارى، من النهب والقتل والسبي والفساد، ودخلوا البلد فنهبوا ما فيه، وافتضوا الأبكار وعذبوا الناس بأنواع من العذاب في طلب المال، وقتلوا من لم يصلح للسبي، وكان ذلك في المحرم سنة سبع عشرة وستمائة….». بسقوط سمرقند انهار آخر وأقوى خط دفاعي كان يعتمد عليه السلطان علاء الدين في تصديه للمغول، وأضحت الإمبراطورية الخوارزمية، التي كانت واحدة من أكبر إمبراطوريات العالم آنذاك، مفككة في طريقها للانهيار، فدبّ الرعب في قلب السلطان من هول الكارثة التي حلّت به، ولم يكن أمامه من سبيل سوى الفرار إلى مناطق بعيدة لا تصلها أقدام المغول، ريثما يجتمع عنده الجند الفارون من جبهات القتال، فاتجه نحو جنوب نهر سيحون في طريقه إلى مدينة بلخ على حافة سلسلة مرتفعات أفغانستان الشاهقة، وفكر الشاه في أن يدخل الأراضي الأفغانية حيث يجمع جيشاً من قبائل الحدود الأفغانية، المحاربة بالفطرة، ويعود ليقاتل بها المغول، لكنه ما لبث أن استدار نحو الغرب، عابراً الصحارى القاحلة صوب المنطقة الجبلية الواقعة إلى شمال فارس، حيث استقرّ في نيسابور بعض الوقت، وخيل إليه أنه في مأمن من المغول بعد ابتعاده عنهم قرابة الـ500 ميل. كان قائدا المغول سابوتاي وشيبة نويون على رأس فرقتيهما يجدّون في أثر السلطان علاء الدين، فواجههم نهر جيجون بعمقه واتساعه ولم يكن لديهم سفن أو قوارب، لكن المغول كعادتهم في القتال كانوا يقهرون المستحيل، فعبروا النهر من دون سفن، إذ صنعوا أحواضاً كبيرة من الخشب وكسوها بجلود البقر لئلا يتسرب إليها الماء، ووضعوا فيها سلاحهم وأمتعتهم، وشدوها إلى أجسامهم، وأنزلوا خيولهم في الماء، وأمسكوا بأذنابها، فكان الحصان يجذب الرجل والرجل يجذب الحوض، حتى وصلوا إلى الضفة الأخرى للنهر. من حيث عبروا، توغل المغول في منطقة تركستان الأفغانية حتى وصلوا مدينة بلخ التابعة لخراسان، ولما سمع وجهاء المدينة بقدومهم أرسلوا إليهم رسلا ومعهم هدايا، لكن أوامر جنكيز خان كانت صريحة في ألا يضيّعوا أي وقت حتى يصلوا إلى السلطان علاء الدين ولما علموا بفرار الشاه منها جدّوا في السير نحو الغرب.

المنابع:صحف ومواقع

النهاية

المصدر
الكاتب:Shafaqna1
الموقع : ar.shafaqna.com
نشر الخبر اول مرة بتاريخ : 2023-03-14 20:16:16
ادارة الموقع لا تتبنى وجهة نظر الكاتب او الخبر المنشور بل يقع على عاتق الناشر الاصلي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى