بوريس جونسون / إيفان دوكي
سيسعى قادة العالم مرة أخرى في الساعات والأيام القليلة المقبلة – خلال “مؤتمر الأمم المتحدة الـ27 المعني بتغير المناخ” (كوب 27) Cop27 الذي يعقد في مدينة شرم الشيخ المصرية – إلى محاولة تجنب حدوث كارثة بيئية عالمية شاملة.
يتعين عليهم الإبقاء على بصيص الأمل في أن تتمكن البشرية من وضع ضوابط لارتفاع درجات الحرارة العالمية في حدود 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن.
كما ويجب عليهم في هذا الإطار التغلب على الشكوك السياسية المتزايدة والمدمرة التي تحيط بالطموح نحو الوصول إلى صافي صفر من انبعاثات الكربون، شكوك تمثل إحدى أشد العواقب الكارثية للحرب غير المشروعة التي يشنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
وبطريقة ما، على هؤلاء القادة أن يعيدوا إحياء روح التفاؤل التي شاهدناها ولو لفترة وجيزة قبل نحو عام، عندما التقى العالم في “القمة الـ26 المعنية بتغير المناخ” (كوب 26) Cop26 في مدينة غلاسكو الاسكتلندية. ففي تلك القمة التاريخية، توافقت حكومات العالم على إجراءات من شأنها إخراج ستة غيغا طن من الكربون من الغلاف الجوي للكوكب، وهو هدف يفوق ما تم الاتفاق عليه في مؤتمر باريس [للمناخ].
ويتمثل التحدي الأكبر في مؤتمر شرم الشيخ و”كوب 27″، في الحفاظ على هذا الزخم، وفي الإبقاء على الإجماع العالمي، والوفاء بالالتزامات المالية اللازمة، وبتلك المساهمات المحددة على المستوى الوطني لكل دولة، لجهة خفض الانبعاثات الحرارية للوقود الأحفوري، لكن بالطبع حتى هذا لن يكون كافياً.
لكن على الأرض، وبواقع يومي، تواصل آليات ضخمة صفراء وفي مختلف أنحاء الكوكب، التهام الغابات بمعدل مرعب، بحيث يتم فقدان موائل طبيعية توازي في مساحتها ملاعب كرة قدم كل ثانية، ويخسر العالم نحو 10 ملايين هكتار من هذه الغابات كل سنة. هذه كارثة بحد ذاتها، لأننا نفقد تراثنا ونسلب الأجيال القادمة حقها.
إننا نقضي عبر تدمير غاباتنا على عالمنا الطبيعي، وقد تسببنا منذ عام 1970 في زوال نحو 70 في المئة من جميع الفقاريات غير البشرية. نحن نقضي على أصناف كاملة من الكائنات الحية. فكما كنا مسؤولين عن انقراض نحو 500 صنف منها في القرن الماضي، فنحن الآن نهدد نحو مليون نوع آخر بالزوال.
إننا ننتزع التنوع البيولوجي من الطبيعة، بحيث بات معدل البشر والحيوانات المستأنسة domesticated animals [الحيوانات ذات المنفعة للإنسان] يفوق الآن الكتلة الحيوية لجميع الفقاريات الأخرى بنحو 20 مرة، كما أننا في صدد تبديد الإمكانات العلمية الحيوية التي تمتلكها هذه النظم البيئية للغابات لعلاج أمراض الجنس البشري. وعلاوة على ذلك، نحن في صدد فقدان مصادر المياه، وخنق “رئتي العالم” لأن 20 في المئة من الأوكسجين الذي يدفع نحو الغلاف الجوي ينتجه حوض الأمازون وحده.
عندما نقطع غاباتنا القديمة، إنما ننحر حناجرنا – لأن إزالة الغابات تعد ثاني أكبر مسبب لأزمة التغير المناخي، وهي مسؤولة عن نحو 20 في المئة من الانبعاثات الحرارية. والآن تلوح في الأفق حلقة مرعبة من المآسي المرتقبة.
تتسبب أزمة تغير المناخ بخسارة للعالم الطبيعي لا يمكن تعويضها، ويسهم فقدان العالم الطبيعي في تسريع أزمة المناخ. نحن بحاجة إلى إنقاذ تلك الموائل، وقد بدأنا بذلك في غلاسكو العام الماضي.
التقى قادة 145 دولة معاً للتعهد بوقف إزالة الغابات أو عكس مسار تدهورها بحلول عام 2030. ووافق العالم على تخصيص التمويل اللازم لوقف المجازر الناجمة عن المناشير الآلية: تقديم مبلغ بقيمة مليار دولار لحوض الكونغو، وملياري دولار لمساعدة الشعوب الأصلية على رعاية بيئة غاباتها الشمالية الطبيعية (تمتد على مساحات كبيرة من أميركا الشمالية وأوراسيا، وتحتوي على أعداد كبيرة من الكائنات الحية أكثر من أي نظام بيئي على وجه الأرض).
كما توصلنا أيضاً إلى اتفاق مع أكبر شركات الأغذية والزراعة في العالم – بما فيها مجموعة “كوفكو” Cofco الصينية – لوقف شراء السلع من الأراضي التي أزيلت منها الغابات بشكل غير قانوني. وأقنعنا المؤسسات المالية في العالم – التي تتصرف بأصول تبلغ نحو تسعة تريليونات دولار – بمقاطعة الاستثمارات التي تنطوي على قطع الأشجار أو إزالة الغابات بشكل غير مشروع، لكن يتعين علينا أن نذهب إلى أبعد من ذلك وبوتيرة أسرع – ليس فقط في مؤتمر التغير المناخي في شرم الشيخ، بل في مؤتمر التنوع البيولوجي الذي يعقد الشهر المقبل في كندا.
إن ما يحدث في الغابات الاستوائية في العالم – المسرح الأساسي لـ80 في المئة من عمليات تدمير الغطاء الحرجي – هو بمثابة عمل إجرامي محض يشمل جميع الانتهاكات والممارسات غير القانونية لجهة المحاصيل وعمليات التعدين وتربية المواشي ومزارع زيت النخيل. لقد حان الوقت لمراجعة تشريعاتنا كي تواجه هذه الجرائم العقوبات المناسبة.
إلى ذلك، يتعين اتخاذ الإجراءات اللازمة في ما يتعلق بمراقبة هذه الآليات الصفراء العملاقة – الآلات التي تتسبب بالضرر – كيلا يتم استخدامها لأغراض التدمير غير القانوني وغير الأخلاقي للطبيعة.
يجب علينا في المقابل أن نؤكد بوضوح وبما لا يقبل الالتباس أن الطبيعة تحظى بالحماية اللازمة. ونحن فخوران بانضمام كل من كولومبيا والمملكة المتحدة إلى 100 دولة في “ائتلاف الطموح العالي من أجل الناس والطبيعة” High Ambition Coalition for People and Nature، بما يعني تكريس نحو 30 في المئة من مساحاتنا السطحية للعالم الطبيعي.
ونأمل في أن تنضم دول أخرى إلى هذا الائتلاف، كما نرغب في رؤية تخصيص اعتمادات للتنوع البيولوجي لتشجيع البلدان والحكومات على تثمين الموارد الطبيعية التي تمتلكها. ونحن متفائلون على المستوى التكنولوجي.
نعتقد أن البشرية تمتلك الوسائل اللازمة لخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي يسببها الوقود الأحفوري. ويحدونا الأمل في اعتماد العالم الطاقة النظيفة والنقل المستدام، لكن لا يمكننا معالجة أزمة التغير المناخي ما لم نعمل على إنقاذ الغابات الكبيرة في العالم، وحماية الموائل والكنوز الطبيعية التي تحويها.
إنها في النهاية ليست مجرد مسألة جمالية أو أخلاقية. إنها مسألة ترتبط بمصير الإنسان وببقائه.