الجمعة 23 ربيع الٱخر 1444
الموافق فيه 18 تشرين الثاني 2022
سجل يوم أمس جملة تطورات ستضفي على المشهد الرئاسي والسياسي المزيد من التعقيد والتأزم ، فمن ساحة النجمة التي شهدت جلسة نيابية مليئة بسجالات دستورية وسياسية بالجملة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ونواب حركة أمل والنائبين سامي ونديم الجميل ونواب الكتائب من جهة ثانية، حيث انتهت الجلسة بلا رئيس ، الى باريس حيث أطلق رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل سلسلة رسائل نارية باتجاه عين التينة وبنشعي، كان الأبرز فيها إعلانه رفض السير بفرنجية لرئاسة الجمهورية.
صحيفة الأخبار كتبت تقول: من دون أن يُقال، قيل كل ما يقتضي أن يقال. مرشحا حزب الله للرئاسة سليمان فرنجية وجبران باسيل. صاحب الحظوظ الفضلى يتقدّم. إلا أن عامل الوقت، ما بعد السنة الجديدة، كفيل بحسم الخيار بعد إمرار العدد المتطلَّب من جلسات الترشيح قبل الوصول إلى جلسة الانتخاب
عشية انتخابات رئاسة الجمهورية في 17 آب 1970، عند الوصول إلى ترشيح وزير الاقتصاد آنذاك سليمان فرنجية، كان الرئيس كميل شمعون مرشحاً بدوره كما رفيقيه في «الحلف الثلاثي» بيار الجميّل وريمون إده. بغية إقناع الرئيس السابق بالتخلي للمرشح الزغرتاوي المتفق على أنه القادر على الفوز، بصوته على الأقل، في مواجهة منافسه الشهابي الياس سركيس، ذهب فرنجية إلى شمعون، واكتفى بالقول له عبارة واحدة كانت كافية لأن لا يختلفا ولا يحردا ولا يعاندا ولا يكابرا ويسلما بالتعهد الأخلاقي. قال فرنجية لشمعون: عام 1952 تخلّى شقيقي حميد لك كي تُنتخب بأفضل إجماع وطني، وانسحب رغم أنه منافس ويحظى بتأييد كبير. الآن حان أوان ردّ الدين.
مع أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير في 11 تشرين الثاني حدّد مواصفات الرئيس الذي يريده من دون أن يسميه، دارت التكهنات من حول اثنين فقط: سليمان فرنجية وجبران باسيل. تقدّم الأول على الثاني في التكهنات نفسها لدوافع شتى، منها العقوبات الأميركية عليه، ومنها أنه مجرَّب والتيار الوطني الحر في العهد السابق في ولاية الرئيس ميشال عون، ومنها تعذّر توافر أوسع تأييد وطني من الكتل والطوائف كلها. تلك الدوافع السلبية امتيازات لفرنجية.
مع أنه لم يقل جهاراً بعد أنه مرشح، وإن لم يستبعد ترشيحه ويفترضه الجميع طبيعياً وحتمياً، للنائب السابق لزغرتا وجهة نظر في الترشيح والاستحقاق يسمعها منه المطّلعون على موقفه.
ما يرويه هؤلاء «أنا حاضر للاحتمالات كلها. للرئاسة أو لعدم الوصول إليها. الأفرقاء يتناحرون اليوم عليها كأنها جائزة لوتو بينما هي في الواقع كرة نار حقيقية. كل الرؤساء الذين تعاقبوا حملوا الرئاسة كرة نار، والرئاسة كانت دائماً كرة نار. لن أعيد ما كان يقوله البعض في ما مضى بأن انتخابه كان تضحية منه، بل إنني سأتحمّل مسؤوليتها. نحن في بلد في انهيار أقرب ما يكون إلى أنقاض. مع ذلك ننقسم من حول رئاسته. لا أعرف ما إن كنت سأنجح أو سأفشل. ما أعرفه هو أنني سأحاول وسأبذل جهدي كي أنجح. لا يعني الوصول إليها هدفاً في ذاته. المرة الأخيرة تخليت عنها وأنا لا أتمسك بها الآن إن لم تكن هناك فرصة للإنقاذ والنجاح. النجاح يفترض أولاً تحمّل المسؤولية».
«الرئيس التوافقي ليس المنتخب توافقياً فحسب، بل الذي يتصرّف كذلك. طبعاً أنا فريق في مشروع وخط وأتمسك بموقعي فيهما، لكنّ انتخابي رئيساً يحتّم عليّ أن أكون للبنانيين جميعاً موالين ومعارضين، وليس لخطي ومشروعي فقط. أنا أنفذ ما يمكنني تعهّد القيام به لا أقل ولا أكثر. لا أعد بما لن أفعله لكنني أعد بما لن أفعله. ما أستطيع التنازل عنه هو ما أعلنه، وما لا أستطيع التنازل عنه لن أخفيه. أعرف ماذا لديّ وما يمكنني فعله. لن أكون رئيس فريقي وحده، لكنني أعطي المقاومة ما لا يعطيها إياه الخصم أو العدو. أنا أفعل ما أقوله. لا ننسى بأننا في بلد محكوم بموازين قوى وتوازنات سياسية وطائفية تقيّد القدرة على التحرك. العاجز عن مواجهة المقاومة سيتأكد أن انتخابه سيجعله أكثر عجزاً عن التفكير في ضربها غداً. الأمر الواقع يفرض إرادته على الجميع، وكذلك التوازنات الداخلية. أما محاولة الانقلاب عليه فليس مؤداها إلا تخريب البلد من دون أن يقدم أي حل. نحتاج إلى الروية في التفكير والتصرف لمعالجة مشكلاتنا كلها بما فيها سلاح المقاومة. هو قائم منذ ما قبل انتخابي إذا انتُخبت، ولا هو في حاجة إلى تغطيتي وحمايتي له. أوافق السيد حسن نصرالله على ما قاله أخيراً أن المطلوب رئيس لا يطعن المقاومة في ظهرها. ما سأفعله أنني لن أتآمر على المقاومة، ولن أتآمر على خصومها وأعدائها.
ما يُنقل عنه قوله: «لن آتي كي أنتقم من أحد، ولا لتصفية أي حساب مع أي أحد. لا عن الماضي ولا عن المستقبل سلفاً، ولن أغلّب فريقاً على آخر».
«في ماضيَّ السياسي بين عامي 1990 و2005 كنت وزيراً ونائباً، ولم أطلب مرة أمراً لنفسي. ما يفترض أن أكون في صدده هو المشروع الوطني الجامع المتفق عليه بين الجميع، مع ضرورة قبول التباين في وجهات النظر عند هذا الفريق أو ذاك. لكن بالتوافق والتفاهم من أجل المصلحة العامة يمكننا تذليل الخلافات. أما أن يكون هناك مشروعان سياسيان متباعدان، فهما حتماً سيتعطلان. كل منهما سيعطّل الآخر.
لمست ذلك عندما كنت وزيراً للداخلية عامي 2004 و2005 عندما كنا في صدد وضع قانون الانتخاب حينذاك. إذا تمسك كل طرف بمشروعه سنكون بالتأكيد أمام مأزق ومعضلة. إذا توافقنا داخلياً يأتي الغطاء الخارجي لدعم هذا التوافق وسيكون عاملاً مساعداً في الحل، بينما العكس غير صحيح. الخارج لا يستطيع فرض توافق علينا وسيتركنا نتخبط في مشكلاتنا على نحو ما نحن عليه الآن. بناء الدولة والاقتصاد قابل للحل إذا أردنا ذلك فعلاً وتحاورنا. ليست مشكلاتنا كلها متساوية في تداعياتها. ثمّة أولويات يقتضي مراعاتها تطاول اللبنانيين وطوائفهم جميعاً، ولا تقتصر على فئة أو طائفة دون سواها. أولويتنا الأولى وقف الانهيار ومعالجة المشكلات الاجتماعية والمعيشية والنقدية والإصلاحات، وهي كلها قابلة للحلول إلا إذا لم نكن نريد ذلك. وضع سلاح حزب الله في أولى الأولويات ونحن نعرف أننا كلبنانيين غير قادرين على إيجاد حل له، مؤداه أننا نعطل حل مشكلاتنا الداخلية التي يسهل التوافق عليها في انتظار بتّ مصيره. سلاح حزب الله بُعده إقليمي ودولي ونحن غير قادرين بمفردنا على تسويته. مشكلاتنا اليومية تتوالى منذ عام 2019 ولا تحتمل انتظار أي مسألة أخرى ولا تحتمل التأجيل لئلا نصل إلى قعر القعر. أمامي سلم أولويات نعالجها بالتوافق تباعاً».
بحسب المطّلعين على موقفه، فإن «الاتصال قائم بيني وبين الأميركيين والفرنسيين. طبعاً همم ليسوا أصدقاء لحزب الله ولا لسلاحه، ويعرفون موقعي في المشروع السياسي والخط. مع ذلك هناك اتصال بيننا واحترام متبادل. الفرنسيون دعموا ترشّحي عام 2016 وهو ما قاله لي الرئيس فرنسوا هولاند في مكالمته الهاتفية معي. إلى الآن لم أسمع من الأميركيين والفرنسيين أنهم مع انتخابي، لكنني لم أتلقَّ أي رسالة سلبية معاكسة أنهم يعترضون عليّ أو لا يريدونني. الأمر نفسه بالنسبة إلى السعودية. لا تواصل مباشراً لكن لا رسائل سلبية وصلتني منها. بعض الأصدقاء يحملون إليّ رسائل ودّ غير مباشرة. ليس هؤلاء المشكلة، ولا الأفرقاء اللبنانيون الذين يتحدثون معي كالرئيسين نبيه برّي وسعد الحريري. المشكلة في عداوة الكار بيني وبين بعض الأفرقاء المسيحيين. سؤالي لهؤلاء: مشكلتهم هي مع رئيس ينجح أم مع رئيس يفشل؟».
📰صحيفة البناء كتبت تقول:: فتحت الجلسة السادسة لانتخاب رئيس الجمهورية الباب أمام السجالات الساخنة، ودفعت الى الواجهة بلغة عالية السقوف كل الخلافات المؤجلة، وأول العناوين كان موضوع نصاب جلسة الانتخاب الرئاسي في الدورات التي تلي الدورة الأولى، بين من يدعو الى جعلها 65 نائباً ويتقدمهم النائبان سامي الجميل وملحم خلف، ومن يدعو لتأييد ما ذهب إليه رئيس مجلس النواب نبيه بري، وقد ظهر أن دائرتهم تطال مساحة كافية لجعل الحسم لصالح نصاب الثلثين، وإسقاط دعوة الجميل بالضربة القاضية، علماً أن أي تعديل للنصاب المعتمد بالثلثين تحت عنوان تفسير الدستور، كما تقول مصادر نيابية، ليس متاحاً، ما يجعل النقاش دون موضوع، لأن تفسير الدستور يسلك مسار تعديل الدستور نفسه، وهو مستحيل بغياب رئيس جمهورية وغياب حكومة كاملة المواصفات الدستورية. والبارز على هذا الصعيد كان إعلان كتلتين مسيحيتين كبيرتين هما كتلة القوات اللبنانية وكتلة التيار الوطني الحر، أي ما يقارب 40 نائباً، تأييد نصاب الثلثين، وبالتوازي تأييد كتلتين رئيسيتين في الخيار الرئاسي الواحد مع الجميل الذي يمثله المرشح ميشال معوّض، هما كتلة القوات من جهة واللقاء الديمقراطي من جهة موازية لنصاب الثلثين، مأ أصاب دعوة الجميل بفقدان النصاب الطائفي والسياسي. وكان اللافت انتقال الجميل ليلاً في الحديث عبر برنامج تلفزيوني عن خيار التقسيم دون أن ينطق الكلمة، متحدثاً عن خيار الطلاق، إذا تعذر التفاهم مع حزب الله، ومعتبراً ان الأمور تتحوّل بسرعة الى الاختيار بين القبول بالبقاء تحت سطوة حزب الله «الذي يمسك بالدولة»، أو رفض القبول وهذا معناه خيار الطلاق، مفضلاً عدم الكشف عن الخيارات التي يمكن اللجوء إليها لتحقيقه.
السجالات الساخنة الأخرى تمثلت بظهور الانقسام داخل معسكر الورقة البيضاء، وانتقاله من الكواليس إلى العلن، حيث تحدث النائب جبران باسيل من باريس عن مواصفات التيار الوطني الحر لرئيس الجمهورية جازماً بأن التيار لن يوافق على ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، مضيفاً أن انتخابه يعني إعادة إنتاج الترويكا التي حكمت بين عامي 1990 و2005، مع فارق استبدال «ثلاثي بري الهراوي والحريري» بثلاثي، «بري وفرنجية وميقاتي»، مؤكداً أن لا رئاسة جمهورية دون التيار، وجاء الرد على باسيل سريعاً من رئيس مجلس النواب نبيه بري، الذي قال إن الوضع عام 1990 كان أفضل مما قدمته السنوات الست الماضية، مضيفاً وصفها بثلاثية «عون وباسيل وجريصاتي»، وتبعه بسقف أعلى جاء رد النائب طوني فرنجية. وهذا السجال المحرج لحزب الله جعل التفاهم داخل حلف الورقة البيضاء أشد تعقيداً وصعوبة، وفتح الباب أمام الأسئلة الصعبة، حول كيف سيتعامل حزب الله مع الملف الرئاسي كلما بدا أن موقف باسيل من ترشيح فرنجية يذهب بعيداً ويزيد صعوبة التراجع عنه، ويجعل المضي بمعركة انتخاب فرنجية بمثابة هزيمة للتيار، وما هو السيناريو المتاح لإنقاذ رئاسة فرنجية دون هزيمة التيار؟ وما هو السيناريو الموازي لبناء تفاهم رئاسي ليس فيه الحاجة للاختيار الصعب بين التصويت مع أحد الحليفين بري او باسيل؟ وكيف سيتصرّف بري مع انتظار حزب الله لإنضاج تفاهم مع باسيل، وما يترتب عليه من إطالة أمد الفراغ، في ظل النبرة العالية المكررة لباسيل في الحديث عن بري؟ وكيف سيتعامل فرنجية وما سيطلبه من حلفائه في أمل وحزب الله على الأقل تجاه موقف باسيل المعطل لفرصته الرئاسية، تجاه الخيارات الرئاسية، ومدى الوقوف على رأي باسيل فيها؟ وهل كسر باسيل الجرة وقرّر وضع الأمور في دائرة وضع حزب الله أمام خيار صعب، السير بفرنجية رئيساً يعني الطلاق مع التيار؟ وهل سيؤدي كل ذلك لتعزيز فرص قائد الجيش العماد جوزف عون رئاسياً، على كل المستويات، من موقف حزب الله الى موقف بري وفرنجية، وصولاً الى موقف باسيل نفسه؟
وقد برز تراجع عدد الأصوات التي نالها معوض، وبقيت الورقة البيضاء في صدارة السباق حتى الساعة، ما يعني فشل الفريق الداعم لمعوض من تأمين الأكثرية له للمرة السادسة على التوالي. إلا أنه وكما ذكرت «البناء» أمس الأول، فإن النائبين عن «حزب تقدم» مارك ضو ونجاة صليبا سيصوّتان لمعوض في الجلسة المقبلة، وهذا ما أكده النائب ضو لـ»البناء» مشيراً الى أن الدكتور عصام خليفة لا يمثل توجهاتنا وأهدافنا وشعاراتنا، وبالتالي فشلنا في إقناع الكتل الأخرى بمرشح معين سيدفعنا للتصويت لمعوّض.
ولفتت مصادر نيابية لـ»البناء» الى أن المشهد الرئاسي يتكرر في ست جلسات بسبب تعنت فريق القوات والكتائب وكتل أخرى وتمسكهم بمرشحهم الذين يعلمون بأنه لن يصل الى أكثرية الـ65 صوتاً فكيف بنصاب الثلثين، وبالتالي يعطلون من حيث يدرون أو لا يدرون انتخاب الرئيس، خدمة لمصالح خارجية حتى تأتيهم التعليمة من الخارج». واتهمت المصادر هذا الفريق بملء الوقت الضائع بسجالات دستورية عقيمة لا تقدم ولا تؤخر بل هدفها التشويش على عملية الانتخاب والتغطية على التعطيل الذي يمارسونه وإظهار المجلس النيابي على أنه عاجز عن إنجاز هذا الاستحقاق الرئاسي لاستدراج تدخل دولي ربطاً بدعوات بعض المرجعيات السياسية والروحية الى مؤتمر دولي بشأن لبنان».
وذكرت المصادر بأن الانتخابات الرئاسية منذ عقود تمت بنصاب ثلثي المجلس النيابي، ما يخفي أهدافاً مبيتة خلف هذه المطالبات، أبرزها انتخاب رئيس للجمهورية بالأكثرية لفرض مرشح قوى 14 آذار، وتكريس هذا الأمر في الاستحقاقات المقبلة، ما يهدد الميثاقية والتوازن الطائفي والشراكة بإنتاج الرئيس، وبالتالي خلق إشكالية سياسية وطائفية تهدد السلم الأهلي.