المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ـ ألمانيا وهولندا
إعداد وحدة الدراسات والتقارير “3”
اليمين المتطرف في ألمانيا ـ اِستِغلاَل أزمة الطاقة
تنامت مساعي اليمين المتطرف خصوصا في شرق ألمانيا إلى التقارب وتوحيد القوى وباتت تشكل خطرا داهما على الحكومة الألمانية وشهدت الولايات الألمانية تزايداً ملحوظاً في تنظيم المسيرات والاحتجاجات للجماعات والأحزاب اليمينية المتطرفة المناهضة لسياسات الحكومة الألمانية لمعالجة أزمة الطاقة والتضخُّم والركود الاقتصادي، وتصاعدت التحذيرات الاستخباراتية من تخطيط شبكات اليمين المتطرف لشن أعمال إرهابية وهجمات لتقويض “النظام الديموقراطي الألماني”.
أنشطة اليمين المتطرف وأزمة الطاقة والتضخم
نجح اليمين المتطرف إلى استغلال تدهور شعبية الحكومة الألمانية في ظل مواجهة ارتفاع أسعارالطاقة ومخاطر شح مواردها وتوقف إمدادات الغاز والنفط الروسيين، واستطاعت الأحزاب والجماعات اليمينية المتطرفة إلى التقارب وتوحيد القوى بالتزامن مع الدعوات اليمينية للتقارب مع موسكو، مشددين على أن ألمانيا لا يمكنها أن تستغني عن الغاز الروسي. وشهدت األمانيا تزايداً ملحوظاً في احتجاجات ومظاهرات من حزب “البديل من أجل ألمانيا” على أزمة الطاقة والتضخُّم تحت شعار “عندما لا يجد الألمان ما يكفي، فلماذا نعطي الغرباء؟”، وهناك علامات تحذيرية أخطر فلم يكن من بين المتظاهرين والمحتجين أفراد فقط من “حزب البديل اليميني الشعبوي” بل هناك أيضاً العديد من الجماعات المتطرفة التي تتراوح بين اليساريين الراديكاليين إلى النازيين الجدد ومنظمات يمينية كــ”منظمة كومبات18″، وأعقب تلك الاحتجاجات أعمال عنف ضد بعض اللاجئين الأوكرانيين.
تهديدات اليمين المتطرف
خطط أعضاء شبكات يمينية متطرفة لشن أعمال إرهابية وهجمات للسعي لتدمير “النظام الديموقراطي الألماني”. وهددت تلك الشبكات الساسة الألمان؛ كالتهديد باختطاف وزير الصحة الألماني في 14 أبريل 2022، وشن هجمات على البنى التحتية الألمانية مثل شن هجمات على شبكات كهربائية بهدف قطع التيار الكهربي على مستوى ألمانيا ما يصعب جهود السلطات الألمانية لحل أزمة الطاقة. وعقدت المجموعات اليمينية المتطرفة دورات تدريبية لتعلم الفنون والرياضات القتالية. وأبرز تلك التهديدات جاءت من مجموعة “قسم الأسلحة النووية” بارتكاب أعمال عنف ضد التيار اليساري، ونظمت المجموعة اليمينية دوريات في أحياء سكنية في ولايات ألمانية ضد إجراءات مكافحة كورونا بغرض إثارة العنف وتهديد السلم المجتمعي الألماني.
اِستِغلاَل أزمة أوكرانيا
انقسمت جماعات اليمين المتطرف في ألمانيا وواجهت تحدياً كبيراً يتمثل في كيفية الخروج بموقف موحد حيال أزمة أوكرانيا. فدعت بعض القوى اليمينية المتطرفة إلى الاصطفاف بجانب موسكو، فيما دعت قوى يمينية أخرى إلى التضامن مع “كتيبة آزوف” اليمينية المتطرفة في أوكرانيا. وتنامت دعوات اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعى للسفر إلى أوكرانيا في 29 يوليو 2022 والقتال هناك، وتوفر لدى الأجهزة الأمنية الألمانية معلومات وإحصائيات عن (52) مواطناً ألمانياً “على صلة بالمتطرفين” كانوا يرغبون في السفر إلى أوكرانيا من بينهم (6) أشخاص موجودين حالياً في أوكرانيا.
الدعاية على الإنترنت
تنشط شبكات اليمين المتطرف على مواقع التواصل الاجتماعي والعديد من المنصات ومجموعات الدردشة، لاسيما على تطبيق ” تلغرام”. واستغلت مجموعات الدردشة للتحريض على رفض سياسات الحكومة الألمانية المتبعة لمواجهة جائحة كورونا وأزمة أوكرانيا وسياسات تسليح أوكرانيا واستقبال اللاجئين الأوكرانيين. وأطلقت الجماعات اليمينية دعوات لتصنيع السموم، وتبادل النصائح حول الحصول على السلاح، فضلاً عن رصد الأجهزة الأمنية الألمانية مقابلات الأعضاء بعيداً عن المحادثات الالكترونية. وأسس اليمين المتطرف في ألمانيا شبكات من النازيين الجدد تروج لنفسها عبر حملات التجنيد للشباب في الجامعات الألمانية في الثاني من أغسطس 2022.
حثّ اليمين التطرف على توحيد القوي السياسية المعارضة لتقويض الديمقراطية في ألمانيا، فعلى سبيل المثال حرض “يورغن إلساسر” المحرر بمجلة “Compact” التي تعد أبرز مجلة ألمانية يمينية متطرفة على تحالف كبير بين اليسار واليمين المتطرفين كذلك تخطيط أعضاء مجموعة دردشة “وطنيون متحدون” لشن هجمات إرهابية في الولايات الألمانية وعمليات اختطاف للساسة الألمان.
واقع اليمين المتطرف شرق ألمانيا
تنظّم الجماعات اليمينية المتطرفة التي تنشط خصوصاً في شرق ألمانيا تظاهرات ومسيرات في عدة مدن ألمانية عدة في الثامن من أكتوبر 2022 ، ولا يزال هناك العديد في شرق ألمانيا من المؤيدين لسياسات موسكو منذ بداية أزمة أوكرانيا. ففي “ولاية ساكسونيا” وفي مدينة “لايبزيغ” التقى المتظاهرون اللاجئين الأوكرانيين وبدؤوا يرددون شعارات بعدم الترحيب باستقبال اللاجئين الأوكرانيين في ألمانيا، كذلك شعارات ضد العقوبات المفروضة على روسيا في الثالث من نوفمبر 2022، وأشارت استطلاعات الرأي في ولاية شرقية أخرى “مكلنبورغ فوربومرن” إلى زيادة بنسبة (5%) في عدد الأشخاص الذين سيصوتون لصالح حزب “البديل من أجل ألمانيا” في الانتخابات البرلمانية.
تشير استطلاعات الرأي في العاشر من نوفمبر 2022 إلى تراجع التصريحات اليمينية المتطرفة في كل أنحاء ألمانيا وخاصة في شرق ألمانيا ، وأنه مازال هناك فقط (2%) من سكان شرق ألمانيا لديهم تصور يميني متطرف عن العالم بالمعنى “الأيديولوجي النازي” ، كذلك اشارت استطلاعات منشورة في 21 أغسطس 2022 إلى زيادة نسبة العداء للأجانب من نسبة (27,8 %) إلى (31 %) في شرق ألمانيا، فيما ارتفعت نسبة العنصرية في شرق ألمانيا من (8.5%) إلى (9.5%) .
تسجل شعبية حزب “البديل من أجل ألمانيا” صعوداً لاسيما في شرق ألمانيا فبلغت حوالي نسبة (15%) بعدما تراجعت منذ العام 2020 وحتى منتصف العام 2022 من جراء انقساماته الداخلية ومعارضته تدابير مكافحة كوفيد وبالرغم من ذلك هناك تأييد كبيير للحزب في شرق ألمانيا.
يعتبر شرق ألمانيا المعقل الأهم للأحزاب اليمينية على غرار “حزب البديل الألماني” الذي يقدِّم نفسه على أنه الحزب الذي يمثل مصالح ألمانيا الشرقية ، والتي حقق بها فعلاً نتائج كبيرة . ومن أهم أسباب صعود اليمين المتطرف في شرق ألمانيا ، استثمار الأحزاب اليمينية المتطرفة في مخاوف سكان شرق ألمانيا واستغلالها قضايا الرأي العام مثل الهجرة والتنوع الاجتماعي والبيئي وأزمة أوكرانيا والطاقة.
لا يزال سكان الشرق الألماني يشعرون بأنهم مهمشون مقارنة بنظرائهم بغرب ألمانيا، وأن كل وافد جديد هو تهديد لمناصب عملهم، ما يعني تهديداً اقتصادياً وتهديد لثقافتهم المحافظة. كذلك ترتبط النسبة العالية للمواقف اليمينية المتطرفة بارتفاع نسبة البطالة والباحثين عن الحماية، ومن المرجح أن كل هذه الخصائص الهيكلية الموجودة في شرقي ألمانيا أكثر من غربها أن تمثل تهديدا كبيرا للحكومة الألمانية.
تحذيرات واجراءات الاستخبارات الألمانية
حذرت الاستخبارات الألمانية في 26 أغسطس 2022 من الشبكات الاجتماعية ومجموعات الدردشة الخاصة واالمحادثات المماثلة بين العدد الكبير من الجماعات اليمينية المتطرفة في ألمانيا الشرقية، كحزب “الطريق الثالث” وهو حزب “نازي جديد” بالإضافة إلى “السكسونيين الأحرار” وهو حزب صغير آخر برز خلال الاحتجاجات المناهضة للإغلاق أثناء جائحة كورونا كذلك جماعة “Zukunft Heimat” وهي شبكة تتركز في ولايتي “براندنبورغ وساكسونيا الشرقيتين”.
حذرت الاستخبارات الداخلية الألمانية في السادس من أغسطس 2022 من احتمالية استغلال اليمين المتطرف لأزمة الطاقة والتضخم، حيث يحمل المتطرفون ما يسمى “شتاء الغضب الألماني” ليتمكنوا من استغلال الحالة المزاجية في الترويج لتطلعاتهم “المناهضة للدولة”، وصنّفت السلطات الألمانية عنف اليمين المتطرّف على أنه التهديد الأول للنظام العام متقدما بذلك على التهديدات الإسلاموية المتطرفة.
وصف “ستيفان كرامر” رئيس مكتب ولاية “تورينغيان” في الفرع الشرقي لجهاز المخابرات المحلية الألماني الحالة المزاجية بأنها “متفجرة” وأضاف “ستيفان كرامر” لدينا الآن مجموعة خاصة جداً من القوى المتطرفة هذا الخريف، لدينا سكان متوترون جداً جداً بعد الجائحة، ولا يزال لديهم الكثير من الغضب في داخلهم وإن المرونة والقدرة على حماية نفسك من الأزمات آخذة في النفاد”.
أشار المكتب الاتحادي للشرطة الجنائية في ألمانيا، في العاشر من مايو 2022 إلى أن تنامي اليمين المتطرف ربما يكون في طريقه للخروج عن السيطرة بالفعل حيث تم رصد (55048) جريمة “ذات دوافع سياسية ودينية” وأن معظم الجرائم ارتكبها متطرفون يمينيون وأحصت الشرطة نحو (22 ) ألف جريمة ذات دوافع يمينية متطرفة بزيادةٍ قدرها (7%) مقارنة بعام 2020 .
تقييم وقراءة مسستقبلية
– تعتمد أيديولوجية اليمين المتطرف في ألمانيا على كراهية الأجانب والثقافات الأخرى، ورفض القرارات الحكومية التي يرونها معارضة لأفكارهم؛ مثل مناهضة الإجراءات الاحترازية والإغلاقات لمواجهة جائحة كورونا والسياسات الألمانية في ظل أزمة أوكرانيا والطاقة، وصولاً إلى عمليات اختطاف اغتيال السياسيين المعارضين لهم.
– تستغل جماعات اليمين المتطرف في ألمانيا منصات التواصل الاجتماعي لاستقطاب جماعات وأفراد من خارج الطيف اليميني، والتحريض على السفر إلى أوكرانيا والقتال هناك، ويرجع ذلك إلى الروابط بينهم وبين جماعات يمينية متطرفة في أوكرانيا.
– تعوق تهديدات اليمين المتطرف بشن هجمات على البنى التحتية جهود الحكومة الألمانية لمعالجة شح موارد الطاقة، كذلك تنامي التهديدات باختطاف الساسة الألمان، وحشد الشباب ضد النظام الديمقراطي الألماني لا سيما في ألمانيا الشرقية، يشكل نوعية جديدة من التهديدات والمخاطر قد يصعب السيطرة عليها.
– بات مرجحاً أن تتنامى أنشطة اليمين المتطرف في شرق ألمانيا عبر تنظيم الاحتجاجت المناهضة لبرلين والمؤيدة لموسكو، ما قد يؤدي إلى زيادة نسبة تصويت الناخبين لصالح حزب البديل الألماني، وزيادة أعمال العنف ضد الأجانب والجاليات المسلمة.
– يرجع صعود اليمين المتطرف في شرق ألمانيا إلى استثمارالقوى اليمينية المتطرفة لقضايا الرأي العام والتنوع الاجتماعي والشعوربالتهميش وتدهور الحالة الاقتصادية مقارنة بسكان غرب ألمانيا، فبات مرجحاً أن تمثل تلك الأسباب تهديداً كبيراً للأحزاب المعتدلة في شرق ألمانيا، وشعبية الحكومة الألمانية على مستوى الولايات الاتحادية في الشرق.
– ينبغي على الحكومة الألمانية رصد ميزانية مخصصة لدعم البحث العلمي، وتكثيف برامج الاندماج لكافحة التطرف اليميني، واتخاذ إجراءات صارمة ضد منصات اليمين المتطرف على الإنترنت، كذلك تعزيز تبادل المعلومات بين الأجهزة الأمنية الألمانية وتقديم مشورات للمؤسسات الألمانية التي يوجد في صفوفها يمينيون متطرفون، وتشديد الرقابة على شبكات وجماعات اليمين المتطرف بشكل فعال.