عمر البردان-اللواء
تشير كل المعطيات المتوافرة إلى أن جلسة الانتخاب الرئاسية الثالثة المقررة، اليوم، لن تختلف عن سابقيتها، وبالتالي لن تحصل أي مفاجأة، باعتبار أن الهوة لا تزال عميقة بين المكونات النيابية، في ما يتصل بانتخاب الرئيس العتيد، قبل أحد عشر يوماً على انتهاء ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون. في وقت بدا أن تأليف الحكومة الحكومة قد دخل في سباق مع الوقت، في ظل حديث عن أن الساعات المقبلة، يرجح أن تكون حاسمة على هذا الصعيد. فإما أن ترى الحكومة النور، أو يطوى الملف بحيث أن حكومة تصريف الأعمال القائمة هي التي ستتولى صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة، في حال تعذر انتخاب رئيس جديد.
وسط هذه الأجواء، تتوالى الضربات التي تتعرض إليها كتلة «نواب التغيير» في الاستحقاقات النيابية المتعاقبة منذ الانتخابات النيابية الأخيرة، ما يعكس بوضوح عدم الانسجام بين أعضاء هذه الكتلة التي كا يؤمل منها أن تساهم في إحداث التغيير المطلوب مع قوى المعارضة، وإذ بها تقع في أخطاء قاتلة، أفقدت ثقة الناس بها، وعكست قلة خبرة واضحة في التعاطي مع الكثير من الملفات السياسية. فما حصل في جلسة انتخاب اللجان النيابية، وقبله في جلسة انتخاب نائب رئيس المجلس النيابي، وغيرها من المحطات، يشير بوضوح إلى أن هذه الكتلة تفتقد كثيراً إلى الانسجام السياسي الذي من شأنه أن يفقدها دورها ومكانتها، كقوة تغييرية داخل المجلس النيابي. إذ أنه وبأي منطق يقدم النائب مارك ضو على ضرب تمثيل التكتّل في لجنة المال والموازنة، من خلال إقصاء زميله في الكتلة النائب ابراهيم منيمنة عن اللجنة، وذلك بإعلان ترشيحه، ما دفع المجلس لاستبدال الاسمين بالمرشح النائب عدنان طرابلسي، بعد عملية انتخابية استغرقت أكثر من ساعة. وهذا الأمر وجه ضربة قاصمة لمسار الكتلة التشريعي، وعكس بوضوح مدى الانقسام في صفوفها، بدل أن تكون موحدة وعلى نفس الكلمة والموقف. والأنكى أن «نواب التغيير» الذين طالبوا بأن يكونوا موجودين داخل الكتل النيابية، وبعد أن تعهد لهم رئيس مجلس النواب نبيه بري بذلك، رفضوا التوافق وفضلوا اللجوء إلى الانتخاب، فكان أن ترشحت النائبة حليمة القعقور إلى لجنة الإدارة والعدل، فلم تنل إلا 18 صوتاً. فكان أن خسر هؤلاء النواب الانتخابات للمشاركة في عضوية لجنتين رئيسيتين في البرلمان اللبناني، هما لجنة «الإدارة والعدل» ولجنة «المال والموازنة».
وفي انعكاس لمدى التناقض في موقف أعضائها من الاستحقاقات الداهمة، وفي مؤشر على تضعضعها وإمكانية تفككها إذا استمرت الخلافات داخلها، إعلان أحد أعضائها النائب ميشال الدويهي، خروجه من كتلة «نواب التغيير»، على خلفية الكثير من الملفات الساخنة التي كشفت عورات الكتلة، حيث أعلن النائب الدويهي عبر «تويتر»، أنه «خارج تكتل التغيير الـ13 بصيغته الحالية نهائيًا».، في وقت لم يتردد النائب ضو في شرح ما حصل في جلسة انتخاب أعضاء لجنة المال والموازنة، بقوله، «لم يريدوا مشاركتنا في هيئة المجلس. ترشحنا وتحدينا. عارضنا طريقة توزيع اللجان. اتفقنا على الترشح ككتلة واوصلنا رسالتنا، وصوّت كل أعضاء التكتل لبعضهم»، لكن زميله النائب إبراهيم منيمنة كان له رأي آخر، إذ قال مغرداً، ردّاً على ضو، «هذا الكلام غير دقيق. احتراماً للزمالة سأكتفي بذلك الآن».
وهذا إن دل على شيء برأي أوساط نيابية مراقبة، فإنما يدل على أنه «مرة جديدة يثبت التغييريون أنهم ليسوا على قدر الامال التي وضعت عليهم. فهم من خلال تراكم أخطائهم، إنما يثبتون مدى قلة خبرتهم السياسية، ويفسحون في المجال أمام الفريق الآخر، ليضع يده على ما تبقى من مؤسسات. وهذا ما يحصل في جلسات انتخاب رئيس الجمهورية. إذ كيف يقترع هؤلاء النواب لأسماء يعرفون سلفاً أنها لن تصل إلى كرسي الرئاسة. فلماذا لا يقترعون للنائب ميشال معوض مرشح المعارضة، حتى يتمكن الرجل من تأمين الـ65 صوتاً المطلوبة في الدورة الثانية، للفوز بالرئاسة؟ وهل المطلوب أن تكون هذه الكتلة بمثابة حصان طروادة في كل الاستحقاقات التي تخوضها المعارضة وعلى أكثر من جبهة»؟.
وتكشف المعلومات المتوافرة لـ«اللواء»، أن من أبرز أسباب خروج النائب الدويهي من كتلة «التغييريين»، هو التصادم غير المفهوم الذي حصل بترشح النائب ضو، ما أدى إلى إقصاء زميله النائب منيمنة عن لجنة الإدارة والعدل، ما يدل على أن لكل نائب في هذه الكتلة حساباته حتى يثبث عكس ذلك، وسط خشية من انفراط عقد هؤلاء التغييريين، في حال أكملوا على هذا النهج الخاطئ الذي لن يكون في مصلحتهم، ولا في مصلحة قوى المعارضة التي تسعى إلى إحداث تغيير حقيقي في المسار السياسي القائم، من خلال انتخاب رئيس سيادي وتغييري فعلاً، يقود الجمهورية وفق برنامج إنقاذي، يستطيع لبنان استعادة مكانته العربية والدولية، على أساس الثوابت التي أرساها اتفاق الطائف الذي أكدت المملكة العربية السعودية من خلال التحرك اللافت الذي يقوم به سفيرها في لبنان وليد البخاري، تمسكها به وحرصها على استكمال تطبيقه، ورافضة في المقابل أي توجه من جانب أي فريق داخلي أو خارجي، لتغيير النظام الذي أرساه هدا الاتفاق في لبنان.
وكذلك فإن السعودية، ومعها كل الدول الخليجة والعربية، لا يمكن أن تقبل بأي محاولة لفرض أمر واقع جديد في لبنان، على حساب الاستقرار في لبنان، من خلال الدفع باتجاه تغيير اتفاق الطائف الذي أنهى الحرب في لبنان، وفتح أبواب السلم، في وقت ذكر أن السفارة السعودية في بيروت، تتجه إلى عقد منتدى سياسي للتأكيد على ضرورة الحفاظ على إتفاق الطائف في لبنان. ويرجح عقد المنتدى في 5 تشرين الثاني المقبل في قصر الأونيسكو، بمشاركة نخب وأحزاب سياسية بحضور الدبلوماسي الجزائري الأخضر الإبراهيمي والذي كان مبعوثاً للأمم المتحدة إلى لبنان في العام 1989.