جوزفين ديب -أساس ميديا
اعتقد اللبنانيون ومنهم المسيحيون على وجه الخصوص أن “حرب الإلغاء” في كانون الثاني من العام 1990، وما تلاها وصولاً إلى المصالحة التاريخية عام 2005 بين الرئيس ميشال عون والدكتور سمير جعجع وما يُمثلان قد أنهت إلى غير رجعة “العسكرة” التي بدأها “حزب الكتائب” لأسبقيته التاريخية في الإنخراط بسائر الأحداث والحروب المُلبننة.
اهتزاز القناعة بانتهاء “عسكرة” المسيحيين
تعرض اعتقاد الجماعة الأهلية المسيحية ومعه غيرها من الجماعات الاهلية لاهتزازات عدة خلال السنوات العشر السابقة .مرةً بسبب “عراضات” تنظمها “القوات اللبنانية” في مناسبات مُعينة، معطوفةً على ما نُسب إلى هذا الحزب عن تنظيم ميليشيا بحسب وثائق ويكيليكس، ومن ثم النسب إلى الزعيم وليد جنبلاط قوله عن جعجع بعد عشاء مشترك ” صارت القوات اللبنانية الآن أقوى مما كانت عليه في زمن (الرئيس) بشير الجميل وأنجزت نهائياً عملية التسلح والتسليح والتدريب. أما حزب الله، فهو يعيش أسوأ مراحل ضعفه. لقد صار أضعف مما كانت عليه منظمة التحرير الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات” وهو ما نفاه الرجلان لاحقاً.
ما زاد من تصدع القناعة هذه، كان مصدره قبل أيام صورة صادمة لثلة من مقاتلين ملثمين يتوسطهم عضو “تكتل لبنان القوي” شربل مارون ويرفعون شعار “التيار الوطني الحر”، ما أعاد إلى الأذهان صور ماضي الحرب العبثية. الصورة غير مألوفة لدى جمهور هذا التيار ولا لدى الرأي العام، لا سيّما أنّ للتيار باعاً طويلاً في صياغة خطابه على مفهوم بناء الدولة والمؤسّسات وانتقاد الميليشيات، وتحديداً حزب القوات اللبنانية. لكن الصورة المبثوثة، من في محيط مكان الاحتفال في ذكرى 13 تشرين، والتي تم تداولها على نطاق واسع عبر وسائل التواصل الاجتماعي أطلقت نقاشات وسجالات على قاعدة أن “العونيين” يحتفلون بهذه المناسبة على وجه التحديد “لأنه التاريخ الذي سقط فيه شهداء للمحافظة على شرعية الدولة”.
قلق وغضب وسخرية
بين السخرية والغضب تعدّدت الانطباعات التي خرج بها عدد من المشاركين في احتفال ذكرى 13 تشرين وهم يشاهدون عدداً لا يفوق عشرين شابّاً بلباس عسكري منتشرين في المكان. أمّا الصورة التي انتشرت فبدت هزيلة ومُدعاة. ذلك أن الأمن الحقيقي، وأن المقاتلين المحترفين لا يبتسمون أمام عدسات الكاميرات، ومَن هو حريص على خطاب بناء الدولة لا يعمد إلى نشر صورة مماثلة هي أقرب إلى التهريج منها إلى الأمن.
في المعلومات أنّ الصورة التي أحدثت جدلاً لم يكن نشرها مقصوداً. ولكنّها نتاج خطاب بدأ في التيار بعد انتفاضة 17 تشرين التي انفجرت أوّلاً في وجه عهد ميشال عون وتيّاره.
تبرير منقوص
بعد الانتفاضة بأشهر قليلة وبعدما التقطت القوى السياسية أنفاسها، عمّم رئيس التيار جبران باسيل على نوابه وأنصاره أن يواجهوا من يعتدي عليهم ولو كلّف ذلك حصول إشكالات في الشارع. آنذاك قال بالحرف “لن نكون مكسر عصا لأحد”.
هذه العبارة ردّدها باسيل مراراً وتكراراً وعلى مسامع كثيرين، ولا سيّما مع تنامي الحضور المنظور على الأرض للقوات اللبنانية من المتن إلى كسروان وجبيل وفي الاعتصامات التي شاركت فيها تزامناً مع قطع الطرق.
منذ ذلك الحين نظّم التيار “خطة طوارئ” تواكب المشاكل على الأرض. فكانت تواكب كلّ سيارة نائب سيارتان من على مسافة معيّنة. وفي حال حصول أيّ إشكال تكون المجموعة جاهزة للدفاع. هكذا حصل مع النائب زياد أسود، وشهدنا للمرّة الأولى عراكاً ومواجهة بين مجموعة من التيار والمجموعة المقابلة لها. وعليه كان لكلّ منطقة مجموعتها من دون أن يتعدّى الأمر ذلك وتتحوّل هذه المجموعات إلى تنظيم مسلّح. حتى “الانتفاضة” وما أفرزته في الشوارع من تحركات كثيرة بقيت ملتبسة لا تبرر مثل هذه الوجهة نحو نوعٍ من أمن ذاتي.
باسيل شخصياً لا يحتاج إلى تنظيم مسلّح ، لأنّه في عهد الرئيس عون كان قادراً على الحصول على أيّ مواكبة أمنية من أجهزة أمنيّة عدّة وصولاً إلى الحرس الجمهوري الذي رافقه في أكثر جولاته المناطقية وتقريباً في كل لبنان.
باسيل يستعد في الأمن .. والسياسة
في المعلومات أنّ باسيل يسابق الوقت مع نهاية العهد، فهو يستعدّ في الأمن والسياسة لمرحلة الفراغ المرتقب. في الأمن أُجريت مجموعة من المناقلات لضبّاط في الحرس الجمهوري إلى جهاز أمن الدولة ليستمرّوا بمواكبته بعد نهاية العهد.
وفي السياسة يستعدّ باسيل من خلال خطاب عالي السقف يقول فيه بالحدّ الأدنى إنّه لا أحد يستطيع تجاوزه في الاستحقاق الرئاسي.
في الأمن تنتهي سلطة باسيل في الحرس الجمهوري بعد خروج عون من قصر بعبدا، وتعود السلطة لقيادة الجيش، ولذلك كان على باسيل أن ينقل العناصر الأمنيّة التي واكبته في السنوات الستّ الماضية إلى أمن الدولة حيث له سلطة.
باسيل يدرك صعوبة المرحلة المقبلة لجهة حجم النقمة الشعبية على العهد وعليه، ولجهة أزماته الداخلية والخارجية على حدّ سواء، في الداخل مع القوى المحلية والخصومات التي لا تنتهي، وفي الخارج من خلال العقوبات المفروضة عليه وعلى عدد من المقرّبين منه. وبالتالي بدأ يستعدّ للعودة إلى الرابية وما تعنيه من شدّ العصب لدى الساحة المسيحية، وإن كلّفه ذلك أن يكون في السلطة والمعارضة معاً.
في خطابه يمسك باسيل حزب الله من خاصرته الرخوة، فيدغدغ مشاعره بالإشادات المتكرّرة بالمقاومة ودور الحزب في التحرير والترسيم وما إلى هنالك من مصطلحات تؤثّر فعلاً في قيادات حزب الله، وبالمقابل فهو الذي التقى مراراً الوسيط الأميركي آموس هوكستين يحرص على البحث في كيفيّة البدء بالعمل على رفع العقوبات عنه على الرغم من كلفته الماليّة عليه بالتزامن مع ابتعاد المموّلين عنه.
إن كان يراهن باسيل على أن يُحدث الوقت متغيّراتٍ في المعادلة الدولية والإقليمية على أمل أن يحمل له ذلك انفراجاً في الطريق الرئاسية، فإنّه يدرك كما ينقل مقرّبون منه أنّ حظوظه صفر في هذه الدورة، وكلّ ما يفعله هو ابتزاز حزب الله لكسب أكبر قدر ممكن من المكتسبات من التسوية الرئاسية المقبلة.