بعدما كان متوقّعاً انعقاده في شهر تشرين الثاني المقبل، ينعقد المؤتمر الوطني العشرون لـ«الحزب الشيوعي» الصيني في السادس عشر من شهر تشرين الأوّل الحالي، ليبعث بأولى رسائله التي تؤكد أن العملية التوافقية داخل الحزب، وعلى المستويات كافة، سارت بسلاسة. هذا المؤتمر، الذي يضمّ أكثر من 2000 عضو، ينعقد في ظلّ توتّرات خارجية، وبالتحديد توتّر العلاقات مع الولايات المتحدة بخصوص مسألة تايوان؛ وداخلية تتعلّق بمواجهة المشكلات الصحّية – الاقتصادية الوطنية (وباء كورونا وآثاره على معدّلات نمو الاقتصاد). ومن دون استثناء الحرب الروسية – الأوكرانية وتداعياتها السياسية والاقتصادية على الصين وعلى العالم ككلّ، سيركّز المؤتمر على تقييم عمل «الشيوعي الصيني» على مدار السنوات الخمس الماضية وما تَحقّق خلالها من إنجازات. كما سيحدّد تَوجّهات البلاد على المستويَين الدولي والإقليمي، وهو ما يضفي على نتائجه أهمّية بالغة، ويجعلها موضع ترقّب كبير. أيضاً، من المتوقّع أن يوافق على استمرار الرئيس شي جين بينغ في منصبه لفترة رئاسية ثالثة تمتدّ حتى عام 2027، بعدما كان قد وافق البرلمان الصيني في عام 2017 على مقترح تمّ تقديمه من قِبَل «الشيوعي»، ينصّ على إلغاء تحديد دورات رئيس البلاد في السلطة. وسيتمّ، كذلك، انتخاب أعضاء اللجنة المركزية للحزب، وأعضاء «اللجنة المركزية لفحص الانضباط»، فيما سيجري تجديد دماء «الشيوعي» من خلال تنحّي بعض الأعضاء بسبب تقدّم السنّ (سنّ التقاعد هو 68)، أو بسبب انقضاء المدّة المحدَّدة دستورياً لتولّيهم مناصبهم، لتَصعد وجوه جديدة إلى المناصب الشاغرة، وتبْقى فيها لمدّة خمس سنوات.

فترة رئاسية ثالثة
منذ أن أُلغي تحديد دورات ولاية الرئيس، والذي قُرئ غربياً على أنه تحوُّل نحو الاحتكار الفردي للسلطة، جرى إغفال جوهر الآلية التي تمّ من خلالها هذا الإجراء، والتي يعمل من خلالها «الحزب الشيوعي الصيني» عموماً، وهي العملية التوافقية. إذ إن القرارات تُؤخذ عادةً، داخل الحزب، بالتوافق، وهو ما لا يُستثنى منه إلغاء الدورات الرئاسية، ولا تقديم موعد انعقاد المؤتمر. وإذ يدلّ ذلك على أن المناقشات الداخلية قد انتهت من دون أن تُظهّر أيّ خلافات بارزة، فهو يؤشّر أيضاً إلى غياب نُخب سياسية جادّة معارضة للرئيس شي جين بينغ. صحيح أن المعارضة المجتمعية أو تلك التي تستوطن المؤسّسات الأكاديمية يظلّ لها حضورها، إلّا أن حملة القضاء على الفساد والفقر المدقع التي أطلقها شي (تشير تقارير البنك الدولي إلى انتشال 800 مليون صيني من الفقر)، وعمليات الإصلاح داخل الجيش عبر التخلّي عن العقيدة الروسية (الاعتماد على القوات البرّية) والانتقال نحو العقيدة الأميركية (وجود قيادة مشتركة تلعب فيها القوات الجويّة والسيبرانيّة دوراً هاماً)، ومحاربة سلوك الشركات الرأسمالية المملوكة من قِبَل أفراد (إيفرغراند نموذجاً)، ومحاربة التلوّث الذي كانت ستّ مدن صينية صُنّفت من بين أكثر عشر مدن في العالم تَسبُّباً به فيما تقلّصت الآن إلى ثلاث، كلّ ما تَقدّم عزّز من شعبية الرئيس الصيني داخل الحزب وداخل المجتمع.

أمّا بخصوص بقيّة المناصب في الدولة، فعلى الرغم من غياب أيّ تسريبات حول مَن سيبقى في منصبه ومَن سيتنحّى، إلّا أنه من المتوقع أن يشهد المؤتمر تنحّي رئيس الوزراء الحالي، لي كه تشيانغ، الذي أعلن، في شهر آذار الماضي، نيّته الاستقالة في غضون عام. وفي الوقت ذاته، أشار بعض المختصّين بالشؤون الصينية إلى أن تشون هوا (نائب رئيس مجلس الدولة) ووانغ يانغ (رئيس المجلس الوطني للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني) يُعتبران المرشّحَين المحتملَين لخلافة لي في منصبه.

ما المنتظَر؟
أكد المكتب السياسي لـ«الحزب الشيوعي» الصيني، في اجتماعه السابق، الذي تمّ فيه تحديد تاريخ المؤتمر العشرين، أن لا تغيير في السياسة الجوهرية للحزب، وأن الأخير لا يزال متمسّكاً بالماركسية – اللينينية وأفكار ماو تسي تونغ ونظرية دنغ شياو بينغ ومفهوم التنمية العلمية كمرشد نظري منذ عام 2003، وهو يعمل على التطبيق الشامل لأفكار شي جين بينغ حول «الاشتراكية ذات الخصائص الصينية في العصر الجديد». وكان مشروع الصين الممتدّ حتى عام 2049، انطلق تحت شعار «بناء الدولة الاشتراكية الحديثة»، ليتمّ تنفيذه على مرحلتَين: الأولى المتعلّقة بالتحديث الاشتراكي، والتي يُفترض أن تنتهي قبل بداية عام 2035؛ والثانية التي سيتمّ فيها «بناء دولة اشتراكية حديثة قوية ومزدهرة وديموقراطية»، في فترة تبدأ من عام 2035 وتصل إلى منتصف هذا القرن. ومن المتوقّع أن يتطرّق مؤتمر «الشيوعي» إلى الصعوبات التي تواجه هذا المشروع، وعلى رأسها فجوة الدخل بين المدينة والريف، وفجوة الدخل بين المناطق الشرقية ذات الدخل المرتفع وتلك الغربية ذات الدخل المنخفض، وكذلك فجوة الدخل بين القطاعات المختلفة، والتي تستوجب جميعها اتّباع سياسات اقتصادية كان قد تمّ طرحها سابقاً (التوزيع الأول والتوزيع الثاني والتوزيع الثالث) من أجل تحسين هيكل توزيع الدخل إلى مستوى معقول، وصولاً إلى «الرخاء المشترك». كما من المتوقّع أن يتطرّق المؤتمر إلى السياسة الوقائية من فيروس «كورونا»، والتي يُنتظَر أن يجري تخفيفها نظراً لتأثيرها على الاقتصاد الصيني.

أمّا بخصوص مسألة تايوان، فمن غير المرتقب التراجع عن السياسة الحازمة التي تتّبعها بكين حالياً إزاء واشنطن، في حين يرجَّح أن تحافظ الصين على الموقف نفسه إزاء الحرب الروسية – الأوكرانية، والذي يُعدّ ميّالاً إلى روسيا (صحيح أن بكين لم تقف بشكل مباشر مع أيّ طرف من طرفَي الصراع، إلّا أنها لم تُدِن العملية العسكرية الروسية، بل دانت سياسة «حلف شمال الأطلسي» الاستفزازية تجاه موسكو)، لعلم الأولى تماماً بأن خسارة الأخيرة في هذه المعركة ستُحفّز «الناتو» على متابعة طريقه العدواني حتى يصل إلى حدودها.