عبير بشير* -أساس ميديا
تعيش إسرائيل حالة ذهول بعد “عملية شعفاط” البطولية، التي نفّذها مسلّح فلسطيني، ووثّقت بالصوت والصورة، على حاجز للقوات الإسرائيلية قرب مخيّم شعفاط بالقرب من القدس المحتلّة.
مقطع الفيديو الذي يوثّق الهجوم يظهر أنّ المسلّح أطلق النار على ثلّة من الجنود من مسافة صفر، وتمكُّن من الهرب بعدما قتل مجنّدة إسرائيلية وجرح آخرين، وتمكّن من الانسحاب بسلام. وتشير تقديرات أجهزة أمن الاحتلال إلى أنّ منفّذ إطلاق النار في شعفاط لا يزال يختبئ داخل المخيّم، ويخطّط للوصول إلى الضفّة الغربية.
الفيديو انتشر وأظهر القوات الإسرائيلية في حلة “إخفاق مدوٍّ”، بحسب تحقيقات الشرطة الإسرائيلية. خصوصاً من حيث عدم اليقظة، على الرغم من حالة الطوارئ التي أعلنها جيش الاحتلال عشيّة الأعياد اليهودية. وهذا أثار غضباً واسعاً في الداخل الإسرائيلي. خاصة أنّ العمليّة موثّقة بالصوت والصورة، وكشفت عن جرأة مذهلة للمقاوم الفلسطيني، وجبنٍ وتراجعٍ مهينٍ من جانب جنود الاحتلال. ما دفع الإسرائيليين إلى التساؤل في أجواء ذكرى حرب تشرين: “بعد عملية شعفاط: كيف يمكننا أن ننتصر في أيّ معركة أخرى؟”.
بعد يومين أعلن أهالي المخيّم العصيان المدني، ردّاً على مواصلة قوات الاحتلال فرض حصار على المخيّم وعلى بلدة عناتا والبلدات المجاورة، تخلّلته حملة مداهمات وتفتيش وإغلاق للحواجز والمدارس.
تراكم العمليات
عملية شعفاط، ومن بعدها عمليّة نابلس التي قُتل فيها جندي إسرائيلي، كانتا متوقّعتين. فمنذ عدّة أسابيع، كان هناك إخطارات أمنيّة كثيفة باحتمال تنفيذ عمليّات ضدّ أهداف إسرائيلية، على خلفيّة الغليان الذي تشهده الضفة الغربية، وتواصل القتل شبه اليومي للمدنيين الفلسطينيين على أيدي قوات الاحتلال، مع التشديد على فترة الأعياد اليهودية الحالية التي صُنّفت بأنّها “فترة حرجة”. وكانت القدس في بؤرة هذه الإخطارات.
تحقيق أوّلي لجيش الاحتلال الإسرائيلي أعلن أنّ عملية إطلاق النار قرب نابلس استهدفت موقعاً عسكرياً وعناصر من جيش الاحتلال وفّروا الحماية لمسيرة شارك فيها آلاف المستوطنين خلال فترة عيد “العرش” اليهودي.
وبنظرة سريعة يتبيّن أنّ حكومة “التغيير” برئاسة يائير لابيد ضربت رقماً قياسياً في قتل الفلسطينيين بسبب “سياسة اليد الرشيقة” من الجنود الإسرائيليين على الزناد عندما يدور الحديث عن فلسطينيين، حتى لو كانوا غير مسلّحين، أو كانوا فتياناً وأطفالاً.
قتل الفتيان الفلسطينيين
فقد قتلت قوات الاحتلال ستّة أشخاص، منهم خمسة فتيان في أسبوع واحد فقط، منهم:
– عادل داود، ابن الـ14 عاماً، الذي قتله الإسرائيليون قرب جدار الفصل في منطقة قلقيلية، مدّعين أنّه حاول إلقاء زجاجة حارقة على الجنود.
– مهدي لدادوة، ابن الـ 17 عاماً، الذي فصلت ساعتان فقط بين مقتله ومقتل داود، والذي أطلق الجنود النار على صدره في قرية المزرعة الغربية، شمال غربي رام الله، بعدما نشبت مواجهات بين أهالي القرية والمستوطنين الذين هاجموا القرية.
– محمود الصوص ابن الـ18 ربيعاً وأحمد دراغمة ابن الـ19 عاماً، اللذان قتلتهما القوات الإسرائيلي في أثناء اقتحام قوّات كبيرة تابعة للجيش الإسرائيلي مخيّم جنين كي تعتقل مطلوباً.
المسؤولية لا تقع على الجيش الإسرائيلي وحده. الأصل أنّ حكومة لابيد هي التي تتحمّل المسؤولية عن ذلك، وهي تثبت مرّة تلو أخرى أنّ خطر وجود حكومة يسارية في إسرائيل يفوق خطر وجود حكومة يمينية فيها. فمعظم الحروب التي خاضتها إسرائيل كانت تحت لواء حكومة يسارية لأنّها تريد أن تثبت لجمهورها أنّها قويّة وتستطيع ضمان أمن إسرائيل وليست كما يتّهمها اليمين الإسرائيلي بالضعف والتهاون.
صمت غزّة المدوّي
كان من اللافت جدّاً هذا الهدوء المدوّي الذي يعيشه قطاع غزّة، في مقابل ما تشهده الضفّة الغربية من عمليات أمنيّة صاخبة، وغياب شبه كامل لشعار “وحدة الساحات”.
استغربت صحيفة “هآرتس” الصمت غير العادي الذي تعيشه غزّة، على الرغم من الأوضاع الأمنيّة المتوتّرة في الضفة الغربية والقدس”. وفقاً للمحلّل العسكري في الصحيفة عاموس هرئيل، فإنّ مدى تأثير “حماس” على ما يجري في الضفّة الغربية لا يزال ضعيفاً، على الرغم ممّا تبذله الحركة من جهود كبيرة لإشعال الأوضاع هناك، وفي المقابل تبذل جهوداً أكبر لإخماد النيران في غزّة.
من جهته، وصف رئيس “الشاباك” رونين بار الوضع في الضفّة الغربية، في خطاب ألقاه أخيراً في جامعة “رايخمن”، بأنّه “دائرة مغلقة تزداد فيها محاور العنف، فعدم وجود أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية بشكل كافٍ في الضفة، بسبب السيادة المحدودة، يستوجب عمليات إحباط إسرائيلية كلّ ليلة تؤدّي بدورها إلى المزيد من الإصابات في صفوف الفلسطينيين، وبالتالي إلى تراجُع مكانة أجهزة أمن السلطة”.
ومع اقتراب الانتخابات الإسرائيلية، تبدي حكومة لابيد مزيداً من التعنّت والقبضة الحديدية، ويضغط رؤساء المستوطنات في الضفة على حكومة لابيد لتبنّي الخيار العسكري والقيام بعملية “السور الواقي 2” في الضفة الغربية، بحجّة أنّها المسار الوحيد الذي يجلب الهدوء لمستوطنات الضفّة ويحلّ معضلة العمليات الفلسطينية، لأنّ الفلسطينيين لا يفهمون إلا لغة القوّة.
الردّ بـ”منح الفلسطينيين الأمل”
غير أنّ وزير خارجية الاحتلال الأسبق يوسي بيلين دعا تل أبيب إلى الردّ على “الإرهاب” الفلسطيني بمنح الأمل للفلسطينيين والسماح للفلسطينيين بإجراء انتخابات عامّة تشمل الشطر الشرقي من القدس. ورأى بيلين أنّ إعادة الخيار السياسي إلى جدول أعمال الحكومة الإسرائيلية كفيلة بأن تسهم في تهدئة الميدان. وأكّد أنّ التسويات القصيرة الأمد غير مجدية، مقارناً الحالة الفلسطينية بالحالة الإيرلندية التاريخية والراهنة، قائلاً إنّ “التسوية الانتقالية في إيرلندا كانت مريحة لكلّ الأطراف، لكن تبيّن قِصر يد الاتفاقات الانتقالية الممتدّة. قبل بضعة أيام انتهى إحصاء في شمال إيرلندا، كانت نتائجه الرسمية أنه برز تحوّل ديمغرافي. فمن الآن وصاعداً باتت توجد أغلبية كاثوليكية في الشمال، وبدأت تطالب باستفتاء شعبي. لقد ثبت مرّة أخرى أنّ تسوية انتقالية، مهما كانت ناجحة، ليست بديلاً عن تسوية دائمة مزعجة. وثبتت مركزية الديمغرافيا مرّة أخرى”.
*كاتبة فلسطينية