محمد بركات – أساس ميديا
عاد بعض وجوه الممانعة وحكواتيتها، باللهجة الجنوبية المشدّدة، إلى أسطورة “التوجّه شرقاً”. منهم أمثال محمد كوثراني، الذي يسخر آلاف اللبنانيين منذ مساء أمس، من دعوته إلى “التوجّه شرقاً”، بعد ساعات من توقيع النظام اللبناني، الذي تحكمه الممانعة وحزبها، اتفاقية إذعان لأميركا، تحرّم على أيّ “شرقيّ” بالمعنى السياسي أن “يقترب” من موضوع النفط والغاز في لبنان.
حكايات قروية
يتلهى كوثراني ويلهي جمهوره كما في جلسات ساحات القرى القديمة بالحديث عن قطارات ومشاريع أسطورية تتدفق على لبنان من الشرق مجاناً، فيما الفقرة (ج) من القسم الثاني من اتفاقية الإذعان في ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل تشترط بالحرف على أيّ شركة كي تشارك في التنقيب أن تكون “غير خاضعة لعقوبات دولية، وألا تعيق عملية التيسير المتواصلة التي تقوم بها الولايات المتحدة“. يعني باختصار، ألا تزعج أميركا وأن تكون “طوع بنانها”. ينطبق هذا على كلّ شركات “الشرق”، من روسيا إلى إيران وما بينهما الشركات الصينية الخاضعة للعقوبات.
صبحية وتبصير
صباح اليوم التالي على توقيع لبنان هذا الاتفاق، أرسل لنا الممانعون قوّتهم الضاربة: محمد كوثراني. فقدّم لنا الحلول الكاملة لأزمات لبنان كلها. كأنه يبّصر في تفل فنجان قهوة صباحي في بيت جدّته العتيق، في أوّل عهد البنّ. أي بانفصال كامل عن الواقع.
فواقع الراوي منذ ولادته هي خرافات الممانعة وأساطيرها. وهو يعيش حالة إنكار شاملة لمفاعيل هذا الاتفاق السياسي، لكن هذه المرّة بتوقيع الممانعة وحزبها الأصلي، ومعه العونيون والشرعية المسيحية وشرعية الحكومة ورئيس الجمهورية والطبقة السياسية كلّها. كلّ هذا معطوفاً على شرعية جوع اللبنانيين وفقرهم وعوز الدولة والناس لأيّ “ريق حلو” من الغرب ولأيّ “ملحسة” من أميركا على ظهر لبنان المنهك والمتعب.
يبدأ كوثراني الفيديو بأن يتغزّل بـ”المقاومة”، ناسياً أنّ “مادح نفسه كذّاب”. فيقول الكوثراااااني: “ينعن ديبها ملا مقاومة.. شو هالتكتكة؟ شو هالأعصاب…”. ثم يشتم “الـmtv والعربية وأساس ميديا.. قرطة الحاسدين الفاسدين. هول ما بيستوعبوا هلقدّ ذكاء”.
يا للزجل وجمال التحليل.. قد فشر الشعر.
بعد نظرية “زراعة البلاكين” يأتينا كوثراني بحلّ خرافي مستلّ من حكايات الجدّات في الطفولة. حلّ “ولا أهين، ولا أبسط، ولا أوفر… الصين بتعمل خطّ طرقات وسكك حديد مع طريق الحرير.. والروسي بيعمل 3 معامل كهرباء، وإيران والعراق بيعطونا فيول باللبناني، وبياخدوا بدالهم أبو صرّة”، وينقلونه على ظهر الجمال، كما تقول حكاية الجدات.
هكذا يريد من الصين أن تعمل لدينا، مجاناً، وكذلك روسيا، وإيران والعراق. إيران التي لم تقدّم قشّة للبنانيين غير الصواريخ. ويريد أن يدفع بحبّات الليمون.
ترهات وأعاجيب
ويكمل الشاب الأعجوبة: “مين بدّك بعد؟ الفرنساوي؟ أحسن ما يفكرونا عم نعمل البلد إشتراكي. منلزّمهم المرفأ. السوريون يردّوا النازحين، أكيد يضلوا يمرقولنا السلاح. وشو بدنا بعد؟ منسلم الإدارة للسنّة. والحلو وكنافة الجبن. السياحة عظوها للمسيحية. شغلتهم خيي. بس يراعوا شوي خصوصيات غيرهم. وإدارة النكبات والأزمات لإخواننا الدروز. عندن حكمة الجماعة. شو بعد؟ الزراعة لأهل الضيع. الصناعة للأرمن محسومة. هاو بيخلقوا جوهرجية. الدفاع والسلاح والصواريخ الدقيقة وملف المشاوي أكيد للقوات. باي ديفولت للشيعة. وركب البلد”.
لو أنّ محمد كوثراني الذي ترقّى وبات يقدّم الأمين العام لحزب الله قبل خطاباته، لو أنّه يعرف أحداً في السلطة. لو أنّ حزبه يحكم البلد أو يعرف من يحكمونه، لكان طبّق هذا الحلّ.
هي ثقافة “زراعة البلاكين”. ثقافة “القبض على الصرّافين” وثقافة “إطلاق النار على الدولار”. ثقافة “منجيب الصين وروسيا وإيران وفرنسا والعراق… ومنحلّها”. ثقافة البؤس العارم الذي يحيط بنا.
ويختم برائعته الكبيرة: “ساعتها لكل حادث حديث. ساعتها منعرف الواوية من الزلم. ع فكرة معك خبر إنو الزلم نوعين؟ هول بيجوا نسوان ورجال. مش سكشوال يعني. عم نحكي من حيث المواقف”.
لا بدّ لهذه الترهات من قفلة تهين المرأة والرجل على حدّ سواء، وتقدّم نظرة هذه البيئة للإنسان بشكل عام. تذكّر بسؤال: “ليش إنتَ إنسان؟”. إهانة الإنسان وتجريده من إنسانيته إذا لم يكن مطيعاً لمحمد كوثراني وأشباهه، هو اقتراح البيئة عينها.
على كلّ حال، باتت هذه المنظومة مفلسة من المتحدّثين. الناطقون باسمها باتوا “مسخرة” مواقع التواصل الاجتماعي. ومن كان عليهم “القدر والقيمة” انسحبوا لأن لا منطق ولا فكرة يقدّمونها، وليسوا مقتنعين بما يجب عليهم الدفاع عنه. فلم يبقَ إلا الكوثراااانييييي.
ما خلص يا خيّي. ما خلص.