زياد عيتاني أساس ميديا
تُنقل عن الرئيس نجيب ميقاتي روايتان متناقضتان عن الاستحقاق الرئاسي:
الرواية الأولى: فاجأ الرئيس ميقاتي ضيوفه في جلسة خاصّة قائلاً إنّ “الشغور الرئاسي سيستمرّ لأربع سنوات”.
الرواية الثانية: أكّد الرئيس ميقاتي في جلسة دبلوماسية غربية أنّ انتخاب رئيس للجمهورية سوف يحصل عند الانتهاء من ترسيم الحدود البحرية.
روايتان متناقضتان عن رئيس معنيّ مباشرة بالاستحقاق الرئاسي:
– دستورياً لأنّ حكومته مهما كانت صفتها أصيلة أم تصريف أعمال فهي مسؤولة عن ملء الشغور بانتظار انتخاب الرئيس العتيد.
– وسياسيّاً من زاوية العلاقة التي تربطه بالإدارة الفرنسية التي أتت به رئيساً للحكومة، والتي تُعتبر أكثر المتحمّسين الدوليين في الملف الرئاسي، ومن زاوية العلاقة المطّردة التي تربطه بالثنائي الشيعي، وتحديداً رئيس مجلس النواب نبيه برّي.
سر السنوات الأربع
قد لا تكون رواية ميقاتي الأولى منفصلة عن الرواية الثانية، بقدر ما هي العصا المتكاملة مع الجزرة التي تمثّلها الرواية الثانية. فالأولى أوّل معانيها أنّ المجلس النيابي الحالي لن ينتخب رئيساً للجمهورية، وستكون المهمّة للمجلس المقبل. فسرّ الأربع سنوات يعني نهاية ولاية المجلس الحالي قبلها، وبالتالي سحب الاستحقاق برمّته من مجلس فاقد الأكثرية الواضحة والتفاهمات الممكنة، والوعي السياسي المطلوب بمواجهة المرحلة الصعبة.
تنطلق الرواية الثانية من أنّ حدث الترسيم مفترَق كبير وتحوُّل لافت في الواقع السياسي اللبناني. لقد تمّ إرساء الاستقرار العسكري على الحدود اللبنانية الجنوبية بعيداً عن كلّ التفسيرات أو التأويلات الشعبوية. لا حروب ولا مناوشات مباشرة أو بالواسطة عبر مجموعات فلسطينية متمرّدة غبّ الطلب، والاستقرار العسكري الحدودي لا بدّ أن يُحصَّن باستقرارين:
1- استقرار أمنيّ في الداخل يوقف احتمال حصول أيّ توتّرات في الشارع كان البعض يسعى إليها منذ فترة في الشمال وبيروت وقبلهما عند دوّار الطيّونة.
2- استقرار سياسيّ يبدأ بتشكيل حكومة أصيلة لإدارة الفراغ الرئاسي والترسيم، وينتهي بانتخاب رئيس للجمهورية.
فرنسا والحزب وباسيل
تتّجه الأنظار نحو فرنسا بعدما أرسلت أسماء ثلاثة مرشّحين إلى قيادات مسيحية، على رأسها البطريرك بشارة الراعي، وجوبهت بالرفض على قاعدة أنّ رئاسة الجمهورية تحتاج إلى سياسيّ وليس إلى موظّف. تأتي وزيرة خارجية فرنسا إلى لبنان اليوم الجمعة من دون أسماء، بمسعى يمهّد لتسوية تنتج اسماً يحظى بقبول كلّ الأفرقاء، وعلى رأسهم حزب الله العاجز عن فرض اسم واضح للرئاسة. والممتلك حقّ الفيتو على أيّ اسم يُطرَح. وعندما نتحدّث عن فيتو الحزب لا يمكن إغفال شراكة حليفه جبران باسيل في هذا الفيتو. يدرك الحزب أنّ جبران باسيل غير قادر على الوصول إلى رئاسة الجمهورية، لكنّه مؤمن أنّ خسارة باسيل ليست لمصلحته، واحتواءه يكون عبر إشراكه في الفيتو الذي يمتلكه الحزب.
البحث عن اسم لرئيس الجمهورية، كما تؤكّد المصادر المطّلعة، سيبدأ في الاجتماع الفرنسي – السعودي في باريس الذي قُرِّر سابقاً أن يكون خلال شهر تشرين الأول الجاري. فيما بات الأميركي بعد إنجاز الترسيم جاهزاً لبحث اسم الرئيس العتيد، فقد ذكرت السفيرة الأميركية دوروثي شيا أنّ البحث الذي سيتناول الغاز والطاقة بات جاهزاً بعد الترسيم، لكن ما لم يُذكَر في كلام السفيرة الأميركية أنّ البحث في كلّ النقاط، وتحديداً رئاسة الجمهورية، بات ممكناً بعد الترسيم.
في حسابات الربح والخسارة في ما يتّصل بإنجاز ترسيم الحدود البحرية، يمكن للحزب وأنصاره ادّعاء النصر، سواء كان إلهياً أم أميركياً. ويمكن لإسرائيل أيضاً ادّعاء النصر من جهتها. لكنّ المنتصر الوحيد، بعيداً عن كون هذا النصر إلهياً أم من صنيعة الشيطان الأكبر، هو الاستقرار إن على حدود إسرائيل الشمالية، أو على صعيد لبنان المرهق والمنهك والجائع والباحث عن ساعة تغذية بالتيّار الكهربائي.
في المقابل، ليس بالضرورة أن يكون معارضو حزب الله في الداخل من الخاسرين، إن اعتبر الحزب ما حصل انتصاراً له ولحلفائه، لكن شريطة أن يُحسنوا إدارة معركتهم. هم قادرون الآن أكثر من أيّ وقت مضى على انتزاع ورقة السلاح من الحزب وأذرعه، شريطة إحداث تحوُّل في مقاربة الموضوع، وفي الخطاب الإعلامي، وفي التحرّك الخارجي. فلا معركة تُخاض ببيانات رتيبة وبلُغة متكرّرة منذ 15 عاماً، إلا أنّ إحسان المعارضين إدارة معركة صعب، “فالطبع غلب التطبّع”، كما يقول المثل الشعبي الشهير.