ملاك عقيل -أساس ميديا
إذا لم تطرأ معوّقات تقنيّة أو سياسية أو خارجية يمكن شركة “توتال” أن تباشر بداية العام المقبل استعداداتها للحفر في البلوك رقم 9 في ظلّ قرار لمجلس الوزراء، بناء على اقتراح وزارة الطاقة، تمديد مهلة تنفيذ عقد الاستكشاف في البلوك رقم 9 لمدّة ثلاثة أعوام تنتهي في 21 أيار 2025، وفي البلوك رقم 4 لمدّة عام واحد تنتهي في تشرين الأوّل 2023. وهذا بعدما توقّف مسار الحفر فيه في نيسان 2020 لأسباب سياسية أكثر منها “نفطية”. وفعلاً وصل وفد من توتال إلى لبنان، وانتشرت أخبار عن البدء في حجز فنادق في مدينة صور ومحيطها، تمهيداً لاستقدام فريق العمل الكبير.
الغاز وسلطة الفساد
الأهمّ من هذا المسار المتوقّع المتوِّج لإعلان لبناني-إسرائيلي متزامن وغير منسّق عن “إنجاز تاريخي” في ترسيم الحدود البحرية، هو مسار ومصير “إدارة” الدولة اللبنانية لحصّة “نوفاتيك” بعد انسحاب الشركة الروسية من كونسورتيوم الشركات الملتزمة التنقيب عن النفط والغاز في البلوكين 4 و9 بسبب “عدّة عوامل، منها الجوانب الاقتصادية والمالية، ولا سيّما المخاطر السياسية العالمية”.
واستتبع قرار وزير الطاقة وليد فياض في أيلول الماضي “تنفيذ تنازل” شركة نوفاتيك الروسية عن حصّتها في التنقيب، بتحديد نسبة مشاركة لبنان في اتفاقيّتَيْ التنقيب والإنتاج في البلوكين 4 و9 البالغة 20%، فيما تمتلك توتال إينيرجيز حقّ التشغيل و40% في كلّ من الرقعتين، وتشارك إيني الإيطالية بنسبة 40%.
ثمّة سؤال هنا: هل تدير الدولة حصّتها ضمن الكونسورتيوم في ظلّ غياب الخبرة والتجربة والإمكانات وفي ظلّ طبقة سياسية من الأكثر فساداً على لائحة دول العالم، أم تعمد إلى بيعها إلى شركة ثالثة تقول التوقّعات قطرية مع العلم أنّ بنود العقد تتضمّن خيار استحواذ الشركتين على حصّة الشركة المُنسحبة، وهذا ما لم يحصل.
سيسبق هذه المحطات العديد من الإجراءات الداخلية والخارجية تضع اتفاق الترسيم البحري على سكّة التنفيذ مع فارق هائل في المنافع الفورية المكتسبة بين كلّ من لبنان وإسرائيل:
– على المقلب اللبناني تسود تكهّنات وحسب بما تحتويه البلوكات من ثروات نفطية وسبل استثمارها لإخراج لبنان من “نفقه المُعتم”، ومن مليارات مؤجّلة سنوات عدّة إلى حين استكشاف الغاز مع مخاوف دائمة من “سرقته” وسوء استثماره.
– أما على المقلب الإسرائيلي فإنّ الجهوزيّة كاملة للبدء في حصد مكاسب اقتصادية وماليّة فورية بسبب وضعيّة أوروبا “المرعوبة” من شحّ الغاز الروسي، ومن تطوّرات الحرب الروسية-الأوكرانية.
مؤشّر بايدن طمأن بعبدا
على الرغم من الاحتفاء اللبناني بـ”الصيغة النهائية للاتّفاق المرضية للبنان والملبّية لمطالبه”، كما جاء في بيان مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية، بقيت دوائر القصر الجمهوري حتى الأمس بانتظار الخبر اليقين من الجانب الإسرائيلي في شأن الموقف الذي سيتخذه “الكنست” عند مناقشة الاتفاق.
لبنان سيبقى في انتظار مرور 14 يوماً من “إيداع” الحكومة الإسرائيلية صيغة الاتفاق في الكنيست، لمناقشته، قبل أن توقّع عليه. وقدّرت مصادر قصر بعبدا في حديث لـ”أساس” أنّ “بتّ اتفاق الترسيم نهائياً سيحصل قبل 31 تشرين الأول، خصوصاً أنّ نهاية الولاية الرئاسية من دون حسمه سيوقف كلّ المسار، والمؤشّر الأساس قرأناه من خلال اتصال الرئيس الأميركي جو بايدن بالرئيس عون”.
المفارقة أنّ دوائر القصر الجمهوري تواكب مسارين متزامنين يُشكّلان ضغطاً غير مسبوق في تاريخ رئاسة الجمهورية: تزامن الاستعدادات اللوجستية لمغادرة رئيس الجمهورية، بما في ذلك إعداد أرشيف الرئيس ميشال عون وإجراء جردة الموجودات وغيرها من الأمور التفصيلية، مع إعداد آخر ترتيبات إنجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية.
وفور تسريب معطيات عن موافقة الحكومة الإسرائيلية المصغّرة على صيغة الاتفاق البحري والتوصية الصادرة بإتمام الترتيبات التقنية بأسرع وقت، كان رئيس الجمهورية يربط “هديّة الترسيم إلى اللبنانيين” بحدثٍ آخر من خلال إعلانه بدء إعادة النازحين السوريين الأسبوع المقبل إلى بلادهم على دفعات، وهو ما أثار تكهّنات بمدى ارتباط إنجاز ملفّ الترسيم بسلّة من الترتيبات والتوافقات السياسية في الملفّات الكبرى كملفّ النازحين والكهرباء.
إجراءات محتملة
حتّى ليل أمس لم يكن قد تمّ التوافق على بروتوكول التوقيع بشكل نهائي في لبنان، لناحية التواريخ وهويّة أعضاء الوفد اللبناني الذي سينتقل إلى الناقورة، مع العلم أنّ نصّ الاتفاق تضمّن صيغة التنفيذ من دون تحديد التواريخ والأشخاص المعنيّين به.
عمليّاً، شملت الصيغة رفع مذكّرة من الجانبين اللبناني والإسرائيلي بشكل منفصل إلى الأمم المتحدة (من دون تحديد الجهة أو الشخص) لـ”إيداع قائمة بالإحداثيّات الجغرافية ذات الصلة بالنقاط حسبما وردت في تبادُل الرسائل الهادف إلى إقامة حدود بحريّة دائمة لدى الأمين العام للأمم المتحدة.
وقد اتّفق الطرفان أيضاً، وفق نصّ الاتفاق، على أنّ الرسائل المتبادَلة تؤسّس لحلّ دائم ومنصف للنزاع البحري القائم بينهما.
تتضمّن كلّ مذكّرة قائمة الإحداثيات الجغرافية وتبادُل الرسائل الهادف إلى إقامة حدود بحرية دائمة، وقائمة الإحداثيّات الجغرافية لترسيم خطّ الحدود البحرية الخاصة بالمياه الإقليمية والمنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، وتتّصل هذه النقاط بعضها ببعض، وفقاً لبيانات النظام الجيوديسي العالمي WGS84، بواسطة خطوط جيوديسيّة، خطّ العرض خطّ الطول.
قبل مغادرة عون
وزارة الخارجية الأميركية أمس الأوّل بشّرت بتوافق حكومتَيْ إسرائيل ولبنان على “اتفاقية تاريخية تضمن المصالح الاقتصادية والأمنيّة للبلدين”، وركّزت على أهميّة “قيام الطرفين بوضع اللمسات الأخيرة على الاتفاقية بسرعة والوفاء بالتزاماتهما لتنفيذ الاتفاق.
وحدَه الأمين العامّ لحزب الله السيد حسن نصرالله افتتح يوم الثلاثاء الماضي موسم “العرس الوطني”: “الليلة لا يوجد تهديد ولا شعارات. الليلة فرح وزقيف. نحن بدنا ناكل عنب وما بدنا نستعرض العضلات”، مع تأكيده “ضرورة انتظار الموقف الرسمي ولحظة توقيع الاتفاق في الناقورة”.