–بقلم الدكتور حسن بزي
منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية، مرّ العالم بمرحلتين من الهيمنة على مقدّرات الكوكب، الأولى ثنائية القطبية بين كتلة شيوعية إشتراكية وكتلة غربية ذات طابع سياسي واقتصادي حرّ كنقيضين كبيرين يعمل كلّ منهما على ضرب الآخر في علاقة طرديّة معقّدة, بسطت كل كتلة منهما نفوذها على مساحة من العالم وطبّقت فيها أفكارها ونظمها السياسية والإقتصادية, واصطفت كل كتلة منهما في حلف عسكري كبير فانقسمت جيوش العالم بين معسكرين ”حلف وارسو شرقاً، وحلف شمال الأطلسي غرباً”.
المرحلة الثانية، شهدت تفرّد أميركا في إدارة العالم بعد تحقيق هدفها الكبير في تفتيت وانهيار منافسها العالمي الإتحاد السوفياتي، فخلت الساحة العالمية إلا من أميركا ولم تجد أمامها إلا عالم ضعيف تقوده بنظامها المالي والإقتصادي وعصاها العسكرية الغليظة لمن عصاها من الدول.
إفتتحت أميركا زمن تفردها في الهيمنة بحرب الخليج، عندما استغلّت غزو العراق للكويت لاستعراض قوتها العسكرية، فأفرطت في أستخدام الأسلحة الجديدة لردع أي قوة ناشئة قد تفكّر في نوع من الإستقلالية عن الإرادة الأميركية, كذلك أستغلت أميركا أحسن أستغلال حالة الضعف والترهّل السياسي والإقتصادي لروسيا بعد تفكك الإتحاد السوفياتي، ففرضت نفوذها في الكثير من دول الكتلة الشرقية السابقة في شرق أوروبا ووسط آسيا، فنشرت القواعد العسكرية حول روسيا وعزّزت من التوجه الرأسمالي لتلك الدول, فحاصرت بذلك روسيا وعملت على احتوائها.
في هذه المرحلة كان ينمو في شرق الأرض مارد اقتصادي عملاق بفكر مناهض لأميركا ويسعى لتوسيع نفوذه في العالم وهو الصين، التي غزت بمنتجاتها أسواق العالم وتبحث عن دور سياسي يوازي حجمها الإقتصادي.
امام النهوض السياسي والعسكري والإقتصادي لروسيا في عهد بوتين وتفاهمها مع الصين وبإرثها السوفياتي الثقيل, تعلن روسيا من خلال حربها في أوكرانيا نهاية نظام القطبية الواحدة وافتتاح عهد سياسي جديد في العالم، تقوده مجموعة أحلاف سياسية لدول صاعدة كمجموعات البريكس وشانغهاي ودول كبرى كروسيا والصين وأميركا, فيما لا يبدو أن هناك مساحة نفوذ كبرى لأوروبا خصوصاً في ظل الإتحاد الأوروبي الذي باتت الأسئلة كثيرة تطرح حول جدواه.
في هذه المرحلة, يجب أن تستفيد القوى التحرّرية في العالم من إنعكاسات الحرب في أوكرانيا والتغيرات الجيوسياسية في شرق أوروبا، إضافة للمرحلة الإنتقالية من نظام القطبية الواحدة الى عالم متعدد الأقطاب، لأن العالم لم يعد يحتمل الإدارة من قطب واحد ودولة مركزيّة واحدة تدير توزيع الموارد بحسب مصلحتها الخاصة، ولن يعود العالم لمرحلة قطبين كبيرين بتناقض أيديولوجي وسياسي واقتصادي جذري، هذا العالم بات بحاجة إلى نظام جديد غير مركزي أكثر عدالة من التجربتين السالفتين الذكر حتى يتمكن من الإستمرار!