سجال أسعار النفط: ما حدود “العداء” بين واشنطن والرياض؟

 

عبادة اللدن -أساس ميديا

سيل التصريحات الأميركية المنتقِدة قرار خفض إنتاج النفط الذي اتّخذته “أوبك بلاس” – وهو لا مثيل له منذ قرار السعودية الشهير بحظر النفط العربي عن الدول الداعمة لإسرائيل عام 1973 – بلغ ذروته حين وصل الأمر بالرئيس الأميركي جو بايدن إلى حدّ اتّهام “أوبك” بالاصطفاف إلى جانب روسيا. وهذا اتّهام ليس فيه أيّ جانب فنّي، بل هو تأطير سياسي كامل لقرار خفض الإنتاج. واكتمل هذا التأطير بتصريح وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين التي وصفت قرار “أوبك بلاس” بــ”العدائي”. وهذا أيضاً توصيف سياسي لا مكان فيه للنقاش الفنّي.

خلاف نفطي أم سياسي؟

حين تُطلَق مثل هذه النعوت على قرار خفض الإنتاج، فلا شكّ أنّ الانتقاد الأميركي موجّه للسعودية في المقام الأول، لأنّها القائد الفعليّ لمنظّمة “أوبك”. فهل نقلت إدارة بايدن السجال من ساحة الدبلوماسية النفطية إلى ساحة أخرى؟ وهل هو شرخ سياسي بين واشنطن والرياض يتظهّر في أسواق النفط؟ أم هو خلاف نفطي يتسبّب بشرخ سياسي؟

يحتاج الأمر إلى نظرة في الداخل الأميركي. فتصريحات إدارة بايدن لها سياقها المحلّي في لحظة ضاغطة على الديموقراطيين قبل انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الشهر المقبل. وما يقوله الرجل على طريقته هو رسالة إلى الرأي العامّ بأنّه غير مسؤول عن ارتفاع أسعار الوقود في الولايات المتحدة الأميركية.

لكنّ صوت بايدن وأعضاء إدارته ليس وحده المسموع في الداخل الأميركي. فالوجوه البارزة في الحزب الجمهوري تورد أسباباً أخرى لأزمات الوقود المتنقّلة. كثيرٌ منها تُسأل عنه إدارة بايدن. فالرجل قرّر في أوّل يوم له في البيت الأبيض وقف منح التراخيص الجديدة للتنقيب عن النفط والغاز في الأراضي الفيدرالية. ولطالما تباهى بموقفه الحاسم في هذا المجال. ثمّ وجّه الضربة القاصمة لمشروع خطّ أنابيب “كي ستون” الاستراتيجي بين كندا والولايات المتحدة، وانتهج سياسات مصمّمة لخفض الاستثمارات في قطاعَيْ استخراج النفط وتكريره، في إطار سياسته المعلنة لتسريع التحوّل إلى الطاقات المتجدّدة.

تناقضات أميركية

في واقع الحال، كانت الولايات المتحدة أوّل من انتهج سياسة خفض الإنتاج النفطي، وإن تحت لافتة بيئيّة، بل إنّ مبعوثها لشؤون المناخ جون كيري جال في العالم قبل قمّة “كوب 26” في غلاسكو العام الماضي منادياً بخفض الاستثمارات في القطاعات التقليدية، وإذا ببايدن وأركان إدارته يرون في خفض الإنتاج في مناطق أخرى في العالم اعتداءً على الاقتصاد العالمي.

المختلف هذه المرّة أنّ الصوت الأميركي الآخر مرتفع إلى حدّ يجعل السجال أميركيّاً محليّاً أكثر ممّا هو سجال دوليّ. فوزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو خرج على قناة “فوكس” ليؤيّد كلام وزير الدولة السعودي للشؤون الخارجية عادل الجبير، وليضع اللوم على إدارة بايدن في ابتعاد الولايات المتحدة عن الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة.

وما يضعف موقف بايدن أنّ جزءاً أساسيّاً من مشكلة أسعار الوقود في أميركا تعود إلى تقادم المصافي وضعف الاستثمارات فيها. وهذا ما أدّى إلى انخفاض المعروض من المنتجات المكرّرة في السوق الأميركية، وارتفاع هوامش أسعارها ارتفاعاً كبيراً. فالهامش التاريخي بين سعر النفط الخام وأسعار المنتجات المكرّرة كان قريباً من 20 دولاراً للبرميل، لكنّه ارتفع بعد الحرب الروسية الأوكرانية إلى نحو 70 دولاراً. وهذا ما رتّب العبء الأكبر على ميزانيّات الأُسَر الأميركية.

يُضاف إلى ذلك أنّ بعض الولايات التي يسيطر عليها الديمقراطيون انتهجت سياسات بيئية متشدّدة من خلال رفع مواصفات الوقود، متسبّبةً في ارتفاع أسعار البنزين ووقوع مشاكل في الإمدادات، وآخرها في كاليفورنيا.

كيف تتعامل السعودية مع هذا الوضع؟

يمسك الخطاب السعودي بخطّ تقنيّ متماسك منذ سنوات. فقرار “أوبك بلاس” أتى منسجماً مع النهج السعودي في إدارة توازن السوق النفطية. ومن المفارقات أنّ هذا النهج اصطدم في مرحلة من المراحل بالاعتراض الروسي على خفض الإنتاج في بدايات جائحة كورونا. حينها انتهى اجتماع “أوبك بلاس” في آذار 2020 إلى الفشل، وانطلقت حرب الأسعار في أسابيع قليلة، قبل أن يعود الجميع إلى طاولة المنطق السعودي، بتعاون أميركي شبه معلن من إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.

حتى الآن، لا يبدو أنّ إدارة بايدن قادرة على تحويل الخطاب النفطي إلى اصطفاف سياسي يجمع الغرب في وجه روسيا وأوبك. لا تبدو هذه القسمة مقنعة لأوروبا ولا للداخل الأميركي. وربّما على الجميع انتظار جلاء غبار انتخابات التجديد النصفي للكونغرس، ليعود الخطاب الأميركي إلى حدود المنطق التقنيّ.

Exit mobile version