عبير بشير* – أساس ميديا
تخشى إسرائيل من هزيمة جديدة في 2022 تشبه ظروفها وأسبابها هزيمة 1973، حين عبر الجيش المصري قناة السويس وسيطر على خطّ بارليف، وافتتح زمناً عربياً جديداً هو زمن الانتصار على إسرائيل، بعد هزيمة 1967 التي حفرت عميقاً في الوعي العربي.
الخوف هذا يمكن قراءته في مقالات عدد من الكتّاب الإسرائيليين، تعليقاً على ما كشفت عنه وزارة الخارجية الإسرائيلية، من وثائق أفنير شاليف، مدير مكتب رئيس أركان الجيش الإسرائيلي خلال تلك الحرب.
يجمع عدد من الكتّاب، ممن “قرأوا” الوثائق في الذكرى 49 لتلك الهزيمة، على أنّ 2022 باتت شبيهة جدّاً بـ1973 بالنسبة إلى إسرائيل، ويحذّرون من هزيمة جديدة قد تصيب تل أبيب هذه المرّة.
الوثائق كشفت أنّ حرب تشرين كانت مباغتة وكبّدت إسرائيل ثمناً باهظاً: “اندلعت الحرب قبل 49 عاماً في يوم الغفران الذي يمثّل أكثر أيام اليهود قدسيّة… تل أبيب لم يكن لديها الوقت الكافي لتعبئة منتظمة لجنود الاحتياط، وتسبّبت الحرب بمقتل ألفين و688 جندياً إسرائيلياً، بينما خسر سلاح الدبّابات الإسرائيلي نحو 150 دبّابة”.
الأوراق الخارجة إلى العلن للمرّة الأولى وثّقت حال اليأس والخوف التي عانت منها القوات الإسرائيلية أثناءها. وقد أطلق قادة الجيش الإسرائيلي مصطلحات تعبّر عن الذعر والخوف اللذين أصاباهم على الجبهتين المصرية والسورية، ومنها كلمات: “كارثة” ،”هزيمة”، و”انهيار”.
وحول تشرين الجديدة
المحافل البحثية والإعلامية الإسرائيلة، غير الرسمية، انكبّت على محاولة أخذ العبر من تلك الحرب، والأسباب التي أدّت إليها. فكان هناك شبه إجماع على “مخاوف” و”شكوك” في حال خاضت إسرائيل مواجهة عسكرية كبيرة متعدّدة الجبهات، وعلى “هواجس حقيقية من تكرار تشرين”.
أحد هؤلاء هو أمنون لورد، الكاتب في صحيفة “إسرائيل اليوم”، الذي كشف أنّ “أهمّ أسباب نكسة تشرين 73 هو التناقض بين الجنود على الأرض والجنرالات في المكاتب”. ويؤكّد أنّ “مرور 49 عاماً يجب ألا يُنسي الإسرائيليين أساس الهزيمة، الذي بُنيَ على على خلفيّة غفلة السياسيين وعدم يقظة الجنرالات، ولم يكن بإمكان الجنود المقاتلين على الأرض سدّ هذه الثغرات التي أوجدها قادتهم من المستويين السياسي والعسكري”.
كانت النتيجة أنّ الجيش افتقر إلى ما يمكن وصفه بـ”اليد الإرشادية”، بسبب غياب التنسيق. والآن بعد خمسين عاماً “ما يزال الوضع على حاله، ويبدو الجنود الإسرائيليون وكأنّهم زائدون عن الحاجة”. لذلك يعتبر أمنون أن “تل أبيب عاجزة عن الذهاب إلى معركة متعدّدة الجبهات”، وينصح القيادة السياسية والعسكرية لإسرائيل “بعدم الانجراف إلى أماكن يصعب العودة منها”.
“تشرين الفلسطيني”
دورون ماتسا، الخبير العسكري وعضو حركة “الأمنيّين”، يدعو إلى “استعادة إخفاقات 1973 ليس من باب القراءة التاريخية فحسب، وإنّما خشية تكرارها هذه المرّة أمام الفلسطينيين”. ويشير إلى أنّ “الشهر الحالي الذي نحيي فيه إخفاقات تشرين 1973 يشهد تصعيداً للوضع الأمني في الضفة الغربية. ونحن أمام واقع فلسطيني يتّسم بتزايد ظاهرة المقاومة الفلسطينية في الضفة”.
يوضح ماتسا، في مقال نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت، أنّ إخفاقات 1973 لها سببان:
– عدم فهم مجموعة الإشارات والأدلّة الآتية من الواقعين المصري والسوري، وتحدّثت جميعها عن حرب وشيكة.
– ونشوء حالة من التعايش غير المعهودة بين المستويين الاستخباري والعسكري والسياسي، فكانت النتيجة حلول الكارثة المعروفة.
بعد مضيّ كلّ هذه العقود، ماتسا ليس أكيداً أنّ الإسرائيليين تعلّموا الدرس العميق الذي يتطلّب نظرة نقدية لواقعهم الصعب اليوم، والذي قد يستعاد في ضوء غليان تشرين 2022 في الضفة الغربية.
يعتبر ماتسا أنّ “القيادة الإسرائيلية في غفلة. هي تلاحظ ما يحدث في الضفة الغربية، لكنّها تفضّل تفسير الواقع على أنّه ضربة خفيفة في جناح الطائرة، وكأنّنا أمام موجة تصعيد لمرّة واحدة ولسنا أمام انتفاضة، وتفضّل صيغة الإنكار، ما يؤدي إلى خلاصة أنّ إسرائيل لم تستفد من سوء تقدير أحداث ما قبل حرب تشرين 1973، فوقعت الكارثة”.
بحسب ماتسا: “اليوم تعيد إسرائيل ارتكازها إلى الروتين العادي: الاستمرار في الترتيبات القديمة مع السلطة الفلسطينية، والاعتقاد أنّه يمكن إعادة تدجين النظام الفلسطيني بناءً على التوازنات السابقة لا بناءً على مفاوضات سياسية. وذلك لتوفير هدوء أمنيّ على الجانب الفلسطيني يسمح لها بالتركيز على مخاطر إيران ولبنان وسوريا. لكنّها قد تفتح عينيها على مفاجأة تشرين 2022، حين تتحوّل الأمطار المتناثرة التي تتساقط حالياً إلى طوفان، من دون امتلاك الأدوات اللازمة للتعامل مع الواقع الجديد الذي سيفرض على إسرائيل”.
كتّاب آخرون شبّهوا ما يجري في الضفة الغربية بما كان يجري قبل حرب تشرين 73، حيث تسيء تل أبيب فهم وتقدير الوضع المتفجّر في الضفة، وتصرّ على التعامل بفوقيّة وغرور وعلى أسس أمنيّة بحتة مع تلك الأوضاع، بعيداً عن إيجاد حلول سياسية حقيقية وأفق سياسي للفلسطينيين. وهذا ما جعل تلك المحافل غير الرسمية تحذِّر دوائر صنع القرار في تل أبيب ممّا تصفه بـ”الانجراف” إلى أماكن يصعب العودة منها، محذّرين من الوقوع في فخّ من يقول لهم صبحاً ومساءً إنّ إسرائيل هي الدولة الأقوى في الشرق الأوسط. وهم في الوقت عينه يخافون من أخطار حزب الله وحماس والجهاد الإسلامي والدولة الفلسطينية.