مفاجأة تل أبيب لهوكستين: نريد الاتّفاق بعد الانتخابات

 

ابراهيم ريحان – أساس ميديا-

دخَلَ ملفّ ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل حلبة الانتخابات التشريعيّة في الكيان العبريّ من أوسع أبوابه. إذ يسعى زعيم المُعارضة بنيامين نتانياهو أن يسجّل الأهداف في مرمى رئيس الوزراء يائير لابيد من بوّابة اتفاق ترسيم الحدود. وفي المُقابل يسعى لابيد إلى أن يحفَظَ ماءَ وجهه لدى النّاخبين، وأن يقول إنّه يُحافظ على “مصالح إسرائيل” الأمنيّة والاقتصاديّة.

هذا مُختصرٌ لِما يحصل في الدّاخل الإسرائيليّ بشأن “ترسيم الحدود”، والذي نتَج عنه رفضُ مجلس الوزراء الإسرائيليّ المُصغّر الملاحظات اللبنانيّة على الورقة الأميركيّة.

 

هوكستين يتوسط

لم يتّضح بعد ما إذا كانَ الرّفض الإسرائيليّ قاطعاً، أم فيه بابٌ للأخذ والرّدّ. لكنّ الطريقة التي خرجَ بها الموقف الإسرائيليّ مؤشّرٌ إلى الضّغط الذي يتعرّض له لابيد من نتانياهو وحلفائه. وهذا ما أشار إليه زعيم الليكود بعد قرار مجلس الوزراء الإسرائيليّ: “الضغط الشديد الذي مارسته أنا وأصدقائي جعل رئيس الوزراء يائير لابيد ينسحب من اتفاق الاستسلام مع لبنان في الوقت الحالي”.

ما بين نتانياهو ولابيد، يقف الوسيط الأميركيّ آموس هوكستين يُحاوِلَ لملمة الآثار الانتخابيّة عن ورقة الاتفاق الذي باتَ في الـ100 متر الأخيرة.

بحسب مصدر أميركيّ رسميّ مُطّلع على أجواء المُفاوضات، فإنّ الخلاف الأبرز بين بيروت وتل أبيب يكمنُ في نقطتيْن أساسيّتيْن:

الأولى: رَفَضَ لبنان في مُلاحظاته التي أرسلها إلى الوسيط الأميركي آموس هوكستين ما باتَ يُعرَف بخط الطّفّافات بشكلٍ قاطع.

الثّانية: طلبَ لبنان أن تتضمّن الورقة نصّاً يشيرُ إلى أنّ الاتفاق بينه وبين الشركات التي ستعمل في حقل قانا لا يمكن أن يكون رهن أيّ اتفاق مسبق بين الشركات وتل أبيب، أو رهنَ إذنٍ إسرائيليّ على اعتبار أنّ حقلَ قانا من شماله إلى جنوبه حقلٌ لبنانيٌّ.

بحسب المصدر الذي رفضَ الكشف عن اسمه لأسباب “إداريّة”، فإنّ المُلاحظات اللبنانيّة وصَلَت إلى تل أبيب عبر اتصالٍ جرى مساء الأربعاء بين آموس هوكستين ومُستشار الأمن القوميّ إيال حولاتا.

أبلغَ حولاتا الوسيط الأميركيّ سلفاً أنّ رئيس الوزراء يائير لابيد لا يعتزم تقديم أيّ “تنازل جديدٍ للبنان، لاعتبارات تتعلّق بالانتخابات الإسرائيليّة والانتقادات التي وجّهها زعيم حزب الليكود بنيامين نتانياهو طوال الأيّام الماضية، ويُضاف إلى ذلك توجّس لابيد من إمكانيّة أن يرفض شريكه في الائتلاف الحكومي الحاليّ نفتالي بينيت هذه المُلاحظات، وهذا بحدّ ذاته إحراجٌ كبير له”.

لا بيد يؤجل

الأخطر في ما قاله حولاتا لهوكستين أنّ لابيد يُفضّل تأجيل الاتفاق إلى ما بعد انتخابات الكنيست مطلع تشرين الثّاني المُقبل ليتفادى وقوعه في “مأزق سيّاسيّ يُعدّه نتانياهو”. لم يكن هوكستين إيجابيّاً تجاه هذا الطّلب، وأصرّ على أنّ إدارته تريد الانتهاء من هذا الملفّ بأسرع وقت.

في المُقابل كان هوكستين يقول لحولاتا إنّه يعتبر مُلاحظات لبنان غير جوهريّة ويُمكن تأجيل البحث بها إلى وقتٍ آخر، وإنّ اللبنانيين، على الأرجح، لن يقبلوا تأجيل الاتفاق إلى ما بعد الانتخابات.

إلّا أنّ حولاتا ردّ على هوكستين بالقول: “إذا كان لبنان جاهزاً للتفاوض على هذه النّقاط فلا مُشكلة لدينا، إلّا أنّ حكومة لابيد لا تتحمّل تقديم المزيد من التنازلات قبل أسابيع قليلة من الانتخابات”.

تفهّم هوكستين الموقف الإسرائيليّ، وقال إنّه سينكبّ مع فريق عمله على التّوصّل إلى حلّ وسطٍ لا يُحرِج تل أبيب أمنيّاً واقتصاديّاً ولا لابيد انتخابيّاً، وفي الوقت عينه لا يُحرِج الجانب اللبنانيّ.

هل صار اتفاقَ الترسيم من الماضي؟

لا يريدُ الأميركيّون أن تضيع فرصة الترسيم. فموعدُ الشّتاء يقتربُ يوماً بعد يومٍ من أوروبا، ومعه موعد الانتخابات النّصفيّة في أميركا والتشريعيّة في إسرائيل، فإمّا أن يُنقَذ الاتّفاقُ سريعاً، وإمّا أن تنقلبَ الأمور رأساً على عقب.

يعبّر المصدر الأميركيّ عن أنّ التصريحات العالية النّبرة التي خرجَت بعد اجتماع “الكابينت الإسرائيلي” هي تصريحات انتخابيّة تدخل في إطار المُزايدات الدّاخليّة بين نتانياهو ولابيد. وكانت “القناة 13” الإسرائيلية نقلَت عن “مسؤول سياسي كبير” قوله إنّ “لابيد أُبلغ بتفاصيل التغييرات الجوهريّة التي يسعى لبنان إلى إجرائها في اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وأمر فريق التفاوض برفضها”، وإنّ “إسرائيل لن تقبل بتهديد أمنها واقتصادها بأيّ شكل من الأشكال، حتى لو كان ذلك يعني أنّه لن يكون هناك اتفاق قريباً”.

إصرار أميركي

يؤكّد المصدر الأميركيّ أنّ واشنطن تريد الانتهاء من هذا الملفّ قبل موعد بدء استخراج الغاز من حقل كاريش في 15 تشرين الأوّل الجاري. لكنّ المُشكلة الأساسيّة هي في الدّاخل الإسرائيليّ، إذ نكَثَ زعيم المُعارضة الإسرائيليّة بنيامين نتانياهو بالوعد الذي قطعه أمام الرّئيس جو بايدن أثناء لقائهما منتصف تمّوز الماضي بعدم استخدام ملفّ الترسيم في الانتخابات التشريعيّة، وهذا ما يُسبّب إحراجاً للابيد ووزير الدّفاع بيني غانتس.

ويلفت المصدر عينه إلى أنّ 95 في المئة من الاتفاق النهائي باتَ جاهزاً، وأنّ الإدارة الأميركيّة ستنكبّ خلال السّاعات المُقبلة على محاولة “لملمة” آثار المُلاحظات اللبنانيّة والرّفض الإسرائيليّ لها.

على الرّغم من أنّ إنقاذ الاتفاق ليسَ ببعيد، لا ينفي الأميركيّون احتمال أن تنهار المُفاوضات في حال لم يُبدِ لبنان ليونةً تجاه مطالبه التي تتفهّمها واشنطن وترفضها تل أبيب. في الوقت عينه يريد الأميركيّون أن يبدأ الاستخراج من حقل كاريش في أجواء هادئة، وهذا ما سيكون مهمّة آموس هوكستين خلال السّاعات المُقبلة، وإلّا فسيكون صوتُ المواجهة أعلى.

Exit mobile version