الترسيم البحري.. ماذا بعد رد الموفد الأمريكي؟
تتسارع الخطوات المتعلقة بملف ترسيم الحدود البحرية الجنوبية بناء على موقف لبنان السياسي الموحد وعلى المقترحات التي تم التفاوض عليها على مدى الأشهر الماضية، وهذا بعد الاجتماع الرئاسي في قصر بعبدا الذي قضى بإعداد رد خطي حول مقترحات هوكشتاين الاخيرة والتي تم ارسالها يوم امس الثلاثاء. في حين، يأمل لبنان أن ينال الرد المبرم من الموفد الأمريكي قبل نهاية هذا الاسبوع.
وقد أوضح إلياس بو صعب، نائب رئيس البرلمان اللبناني، أن لبنان لا يعتبر الرد موافقة نهائية بعدما تضمن الملاحظات التي طرحها المسؤولون اللبنانيون. وأوضح أن لبنان لن يدفع مالًا من حصته في حقل قانا إلى “إسرائيل”، وإن ذلك من صلب الاتفاقية، وإن “لا حقوق لـ”إسرائيل” في حقل قانا”، كاشفًا عن دراسة ثلاثية الأبعاد لشركة توتال تبين من خلالها وجود 1.7 تريليون متر مكعب من الغاز في حقل قانا مقابل 1.2 تريليون في حقل كاريش. ويتوقع أن يتم الاتفاق على ترسيم الحدود بعد 15 يومًا.
وقد ذكر معهد واشنطن لسياسة الشرق الأوسط في دراسة حول ملف ترسيم الحدود بما يخص الجانب اللبناني التالي: “تدرك بيروت أن الفشل في التوصل إلى اتفاق سيؤدي إلى رد فعل داخلي عنيف، لأن اقتصاد البلاد لا يمكنه تحمل المزيد من التوترات مع المجتمع الدولي. وتأمل القيادة السياسية أن تفتح الموافقة على صفقة بوساطة الولايات المتحدة على حدود بحرية واسعة أبوابًا أخرى، مثل تسهيل نقل الغاز المصري إلى لبنان مع تخفيف مطالب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي بالإصلاح”.
وأضاف المعهد “أن العلاقات الامريكية-الاسرائيلية مسألة رئيسية لقادة الولايات المتحدة و”اسرائيل”. يرجع ذلك جزئيًا إلى حالة عدم اليقين بشأن ما سينتج عن الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية في 1 تشرين الثاني”.
وتعمل ادارة بايدن على التوسط في صفقة بحرية قريبًا لأنها قد تؤثرعلى نتيجة الانتخابات الإسرائيلية، بالاضافة الى تحسين العلاقات مع الفلسطينيين والحفاظ على الوضع الراهن في الضفة الغربية.
يفضل البيت الأبيض تحقيق نصر للابيد من أجل تعزيز هذه الأهداف، إلا أن “واشنطن ستتابع عملية الضغط من أجل صفقة الحدود البحرية، لذا يجب على المسؤولين الأمريكيين عدم اتخاذ خطوات تعزز قوتها في الداخل، بما في ذلك أثناء عملية اختيار الرئيس المقبل للبنان بالاضافة الى تسليط الضوء على أي صفقة مع بيروت وعلى مؤسسات الدولة وشعبها، مع التأكيد على الدور السلبي لحزب الله وعون في العملية”.
تسعى الدول الاوروبية وواشنطن جاهدة لتقمص دور “أسد الغابة”، إلا أن مخرج هذا العمل ينتظر التوقيت المناسب لصيد الأسد، وفي الوقت الذي تأخذ المفاوضات فيه وقتها بشأن ترسيم الحدود، تعمل الدول الاوروبية على الضغط على “اسرائيل” من اجل الموافقة على بنود الاتفاقية المبرمة بين لبنان و”اسرائيل” وهذا لحاجتها للغاز في ظل البرد القارس الذي يجتاح البلاد كل عام خلال فصل الشتاء. بالاضافة الى ذلك، إن قرب مصر الجغرافي من قبرص و”إسرائيل” الطامحتين إلى تصدير فائض إنتاجهما إلى أوروبا، شجّعهما على إبرام اتفاقيات بين كل منهما ومصر. وتنصّ الاتفاقيات على أن قبرص و”إسرائيل” ستصدّران فائضهما إلى محطات تسييل الغاز المصرية في إدكو ودمياط، ثم تقوم مصر بتسييله وتصديره إلى الاتحاد الأوروبي. ومن الممكن أن تساعد هذه الاتفاقيات على تحوّل مصر إلى مركز إقليمي لتصدير الغاز من شرق المتوسّط.
وتسعى المقاومة لفرض معادلة “استخراج في مقابل استخراج”، ليس من “كاريش” وحده، بل من كلّ الحقول. نحن اليوم أمام المعادلة الأصعب في سواحل المتوسط، وبالتأكيد سيكون هناك غالب ومغلوب. وفرص وقوع الحرب واردة بنسبة عالية جدًّا، إلا أن بعض المجريات تثبت حاجة “اسرائيل” الشديدة الى التوصل لحل الأزمة القائمة لفرض واقع جديد على الشرق الأوسط.