عبير بشير* -أساس ميديا
لم يكن صعباً على مراقب مفاوضات الترسيم اللبنانية – الإسرائيلية بوساطة مباشرة من الإدارة الأميركية التي تريد حلّاً لهذا الملف للتفرّغ للمعضلة الأوكرانية وتطوّراتها الهائلة، أن يتوقّع نجاح هذه الوساطة، وأن تنتهي الأمور إلى رضا “اولي” معلن من الحكومتين اللبنانية والإسرائيلية بالمسوّدة التي قدّمتها الإدارة الأميركية. وخصوصاً أنّ المستويين السياسي والعسكري في تل أبيب لا يملكان في هذه المرحلة قرار الحرب لا على لبنان ولا على إيران، بفعل تواضع القدرات العمليّة، والفيتو الأميركي على ذلك. فإدارة جو بايدن ترى أنّ الأولويّة للملف الأوكراني، وكلّ المسموح به لتل أبيب حاليّاً هو استهداف مواقع عسكرية في سوريا، ومناوشة إيران استخباريّاً.
كشف استطلاع جديد للرأي أجرته قناة “كان” أنّ 43 في المئة من الإسرائيليين يؤيّدون توقيع اتفاق لترسيم الحدود البحرية مع لبنان. وحسب المعطيات، فإن الـ 43 في المئة يؤيّدون الاتفاق المتبلور مع بيروت. وأبدى 16 في المئة من الإسرائيليين اعتراضهم على توقيع الاتفاق، فيما قال 41 في المئة إنّهم لم يكوّنوا رأياً بعد، أو أنّهم لا يعلمون شيئاً البتّة عن الاتفاق المتبلور.
كما أنّ نتائج هذا الاستطلاع تؤكد نجاح دبلوماسية الرئيس الإميركي جو بايدن في إطفاء الحريق ونزع صاعق التفجير في المنطقة ، وذلك مع وصول مفاوضات الترسيم البحرية بين لبنان وإسرائيل إلى الأمتار الأخيرة، بعدما تم تسليم مسوّدة الترسيم إلى الجانبين اللبناني والإسرائيلي.
ملخص بنود الاتفاق
نشرت وسائل إعلام إسرائيلية الخطوط العريضة لمقترح الوسيط الأميركي آموس هوكستين بشأن ترسيم الحدود بين لبنان وإسرائيل، مؤكّدة مصادقة رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد ووزير الأمن على المقترح. وقالت قناة التلفزة الإسرائيلية الرسمية “كان 11″، نقلاً عن مصدر سياسي كبير، إنّ “لابيد ووزير الدفاع بيني غانتس صادقا على المقترح من دون إبلاغ الولايات المتحدة بذلك، لأنّ إسرائيل تنتظر تصديق الكابينت بشكل نهائي على المقترح”.
وأوردت القناة بنود الاتفاق الأساسية، استناداً إلى المصدر نفسه، كما يلي: رسم خطّ الحدود البحرية بمعظمه اعتماداً على خط 23، الأمر الذي يبقي غالبية المساحة المتنازع عليها تحت السيطرة اللبنانية، وستكون الكيلومترات الخمسة الأولى لخطّ الحدود بدءاً من نقطة الشاطئ، مستندة إلى خطّ العوّامات (الطفافات) الإسرائيلي الواقع شمال خط 23، علماً أنّ هذا الخطّ فرضته إسرائيل بشكل أحادي الجانب، وتعتبره أمراً جوهرياً ومهمّاً على الصعيد الأمنيّ.
وبموجب الاتفاق سيكون حقل ومنشأة الغاز “كاريش” تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، مقابل إقامة منشأة غاز لبنانية في حقل قانا، فيما تحصل إسرائيل على نسبة أرباح وتعويضات من شركة الغاز “توتال” مقابل جزء من حقل قانا الموجود ضمن حدودها. وأضافت القناة أنّ الاتّفاق يشمل “مركّباً اقتصادياً لا نستخفّ به، لكنّه أولاً وآخِراً اتفاق سياسيّ – أمنيّ”.
مخطط تسوية فنية
وترى مصادر تل أبيب الإعلامية أنّ الأمين العامّ لحزب الله حسن نصر الله نجح في معركة مفاوضات ترسيم الحدود البحرية. فقد علّق الكاتب الإسرائيلي جاكي خوجي على خطاب نصر الله الأخير الذي تحدّث عن مفاوضات الترسيم بالقول إنّ “نصر الله لم يهدّد بكلمة واحدة، بل على العكس أعرب عن أمله في أن تنجح المفاوضات وأن يرى الجميع لبنان بحكمته ووحدته”. وتساءل خوجي: “هل نصر الله أصبح معتدلاً؟ كلا، هو ببساطة أنهى مهمّته بنجاح. في ذروة المحادثات، الـmoney time، ضغط نصر الله على جميع الأطراف بالتخويف والتهديد”، مشيراً إلى أنّ “كلّ شيء كان مخطّطاً له ويهدف إلى وضع قدم على الباب، والدفع من الخارج نحو الصفقة”. ولفت خوجي إلى أنّ نصر الله يمكنه الآن القول: “بفضل تهديداتي أبدت إسرائيل ليونة، وبلا حزب الله كانت سلبت حقوق لبنان في البحر”.
من جهته ذكر رون بن يشاي الخبير العسكري في صحيفة “يديعوت أحرونوت” أنّ تل أبيب أمام مخطّط تسوية فنّية. فاتفاق الترسيم عمليّة “كوكتيل” من الاعتبارات الاقتصادية والتجارية والاستراتيجية. ونحن سنكون أمام سيناريو ردع أمنيّ – اقتصادي متبادل بين حزب الله وتل أبيب، سيجلب المال والاستقرار الأمنيّ لكلّ من إسرائيل ولبنان. غير أنّه يمكن لحزب الله الادّعاء أنّ إسرائيل استسلمت له، لأنّها خائفة من تهديداته، فيما تنفي هي ذلك، بدليل منحها الإذن لشركة الطاقة اليونانية لإنتاج الغاز، ونقله إليها من منصّة كاريش”.
نتانياهو ونصرالله إسرائيل
وإذا كان أقطاب الحكومة الإسرائيلية يرون في قرب التوصّل إلى اتفاق ترسيم نهائي للحدود البحرية مع لبنان إنجازاً كبيراً يجري تسويقه للجمهور الإسرائيلي على أعتاب انتخابات الكنيست، فإنّ زعيم المعارضة بنيامين نتانياهو منزعج ومأزوم من هذه الخطوة الاستراتيجية – الأمنيّة – الاقتصادية الكبيرة في حال تحقّقها. فهي تصبّ في صالح خصومه السياسيين، وبالأخصّ منافسه على رئاسة الحكومة يائير لابيد، الذي يحاول جاهداً الصيد في المياه العكرة.
نشر نتانياهو تغريدة له على “تويتر” اعتبر فيها أنّ لابيد استسلم للأمين العامّ لحزب الله حسن نصر الله بشكل مخجل، ومنح الحزب أرضاً ذات سيادة إسرائيلية، معتبراً أنّ أيّ اتفاق سيُوقّع حاليّاً غير قانوني ولن يكون مجبراً على الالتزام به في حال تولّيه مهامّ رئاسة الوزراء.
وأشار نتانياهو إلى أنّ لابيد قد منح “حزب الله” خزّان غاز ضخماً يخصّ المواطنين الإسرائيليين، وذلك من دون مناقشة الأمر داخل البرلمان الإسرائيلي “الكنيست”، ومن دون استفتاء عامّ.
وردّ وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي عومر بارليف على الانتقادات التي وجّهها نتانياهو إلى الاتّفاق الذي تجري بلورته، فكتب في تغريدات على “تويتر”: “نتانياهو يتصرّف تماماً مثل نصرالله. ماذا يفعل نصرالله داخل لبنان؟ إنّه يهاجم الحكومة اللبنانية كما لو كانت تقدّم تنازلات وكما لو أنّ إسرائيل بصدد السيطرة على احتياطيات الغاز في لبنان. وهذا بالضبط يفعله نتانياهو هنا”.
*كاتبة فلسطينية