حرب تحرير الودائع انطلقت، ولن يهدّئ حدة المعركة سوى قرار واضح بالسماح للمودعين بسحب جنى عمرهم، وما عدا ذلك فالحرب ستدخل مرحلة خطرة جداً لن تقوى حتى الاجهزة الامنية على درئها، وما حصل امس ليس الا مؤشراً الى أن الحرب اشتعلت.
عادت ازمة المصارف الى الواجهة، ويبدو ان الهجمات المتلاحقة للمودعين ستقلق راحة بال من سرق مدخرات المواطنين.
ما كادت تنتهي الجولة الاولى من الاقتحامات المباغتة، حتى بدأت الجولة الثانية وستكر السبحة، طالما ان لا آلية واضحة تتيح للمودع سحب امواله، على العكس، بدأ يشعر وكأنه “حرامي” يقف عند باب المصرف المزنّر بـ”قبضايات” الامن الذين يراقبون تحركات الناس اثناء سحبهم فتات اموالهم من الصرافات الآلية، فيما ابقت المصارف ابوابها موصدة حتى اشعار آخر.
صحيح ان موجة الاقتحامات هذه المرة لم تكن بالوتيرة السابقة وانتهت بسرعة قياسية، غير انها كشفت رغبة المودع في الانقضاض على المصارف، بعدما باتت حياته جحيماً جراء الازمة الاقتصادية.
ما دفع علي حدرج ابن بلدة البازورية – قضاء صور لاقتحام بنك “بيبلوس” في صور هو وضعه الاقتصادي المأسوي، فهو يملك مالا غير انه مصادر في المصارف، ويعاني ويلات الحياة. طفح كيله كما حصل وسيحصل حتماً مع كثيرين، حين يضطرون لاجراء عملية جراحية طارئة تتطلب منهم الدفع بالدولار ولا يملكون مالاً لانه محتجز في المصرف، او يعجزون عن تأمين علاج ودواء وربما تحويل اموال لاولادهم الطلاب. امام هذه الحالات، سيصبح كل شيء مباحاً بحسب ما يقول كثر من المودعين، وهم يراقبون عن كثب ما يحصل في المصارف، ويخططون لاي هجوم مباغت طارئ.
على رغم تمكن علي من سحب 352 مليون ليرة من وديعته البالغة ٤٤ الف دولار، الا ان المصرف سرقه مرة ثانية، حين سلمه امواله وفق سعر 8000 ليرة الامر الذي اعتبر سرقة مأجورة وفق حديث المودعين. ولا يخفي رئيس جمعية المودعين حسن مغنية ان لا سكوت عن حقوق المودعين، وان الحق يجب ان يسترد في كل الطرق، وانه آن الاوان لايقاف سرقة اموال الناس المصادرة منذ 2019.
اهتز أمن مصارف صور، نجح علي حدرج في زعزعته في المدينة رغم انها لم تشرع ابوابها جميعا امام الزبائن، وبحسب المعلومات، فإن المصارف بدأت تدرك حجم الخطر المحدق بها، جراء سياستها المالية الراهنة، ولا تخفي ان الكل يستشعر الخطر، خاصة بعدما تزايدت نسبة الغلاء والفقر ورفض المصارف دفع المستحقات للمودع، وهو ما ترى فيه مصادر مواكبة كارثة آتية، خاصة وان هناك صحوة لافتة للمودعين ستدفع الى تغيير مسار اللعبة فـ”المودعون باتوا اكثر ثقة طالما خلفهم جمعية المودعين، ما يعطيهم غطاء اكبر”.
حكماً الضائقة المالية ستدفع بالسائق والمحامي والممرض والاهل والطلاب الى الاقدام على مهاجمة المصرف، في فيلم “اكشن” لبناني لتحرير الاموال المسروقة، وبدأت تطفو على الواجهة عبارة “ما ضاع حق وراءه مطالب” في دلالة واضحة على المستور الآتي.
مصارف النبطية نأت بنفسها حتى الساعة عن اي هجمة ارتدادية لمودع غاضب، غير ان هناك من بدأ يخطط ويرسم للهجوم، فالوضع وفق المصادر، بات لا يسمح، اضافة الى ان هناك من يريد سحب امواله بالقوة قبل ان تضيع في غياهب المصارف، فـ”كل المصارف ستكون في مرمى الهجوم”. ولا تخفي المصادر لجوء المصارف الى الاقفال مجدداً في لعبة جديدة للانقضاض على ما تبقى من اموال مودعين.
المستغرب في لعبة المصارف والمودع، ان الحرامي تتم حمايته امنياً، اما المودع المسروق فيعامل كمجرم، ويساق الى التحقيق فقط لانه قرر استرداد امواله بالقوة، القوة نفسها التي تمارسها المصارف لاحكام قبضتها على الاموال، حتى قرارات القاضي العديدة باجبار المصارف على دفع اموال المودعين ظلت حبراً على ورق، وعلى الارض قرار المصارف هو الوحيد النافذ.