ثمة من اعتقد، حتى يوم أمس، ان تمديد الهدنة -بعد ان استمرت لـ 6 أشهر- بات أمراً واقعاً وما المفاوضات التي تسبق الإعلان إلا إجراءات بروتوكولية وشكلية مع عدم رغبة الأطراف بعودة التصعيد. إلا ان الليلة الأخيرة كانت طويلة جداً. بحيث قدمت متسعاً من الوقت ما يكفي، ليدرك البيت الأبيض والبلاط السعودي، ان القنوات الدبلوماسية التي ضجت برسائل الوساطة خلال الساعات الأخيرة، كانت أضيق من ان تمرّر “هدنة مشوّهة”. وان صنعاء باتت تعلم، ان المشروع الذي يطبخ في المملكة هو “شرعنة” للحصار، وهي تتصرف مع المقترح الأممي للتمديد، على هذا الأساس.
مصادر مطلعة على القنوات الدبلوماسية أشارت لموقع “الخنادق” إلى ان “مساعي الوساطات لا تزال في أوجها بغية التوصل لاتفاق ينتج عنه تمديد للهدنة” وأكدت ان “المجلس السياسي الأعلى لا يزال مصراً على الحصول على ضمانات بشأن ملف صرف المرتبات الذي يحكمه عدد الثغرات”. ووفق المعلومات الواردة فإن المقترح الذي قُدّم لصنعاء كان مليئاً بـ “الأفخاخ”. بحيث لا يضمن استمرارية الصرف خلال الهدنة وما بعدها، ربط هذا الملف بما يسمى مجلس القيادة الرئاسي الذي لا يملك القدرة أو الصلاحيات للمضي بالتنفيذ، لم يتضمن المقترح أي ضمانات للوفاء به، كما يستبعد شريحة واسعة من الموظفين ومن بينهم مرتبات وزارة الدفاع والداخلية وكذلك معاشات متقاعدي وزارة الدفاع والداخلية دون مبرر، كونها وفق موازنة 2014، رفض ربط الصرف بالعائدات النفطية بالإضافة إلى رفض تحديد نوع العملة التي سيتم التسديد بها، وهذا بهدف التنصل لاحقاً او محاولة فرض القبول بعملتهم الصادرة من البنك المركزي في عدن مع الإشارة إلى انه قد رصد خلال الأشهر الماضية وجود عملات مزورة واغراق السوق بها ما نتج عنه انهيار بسعر الريال.
وعلى الرغم من ورود بعض المعلومات التي تؤكد ان المفاوضات لا تزال مستمرة وقد تشهد الأيام المقبلة تمديداً للهدنة مع “خضوع” السعودية لشروط صنعاء، إلا ان هناك ما يجب الإشارة إليه، هذا المخاض العسير الذي تشهده الهدنة هو أمر صحي. فذلك يثبت ان رغبة صنعاء بالتمديد ليست ضعفاً بل استثماراً لقوتها التي تستطيع من خلالها فرض شروطها وإلا فلا. وبالتالي، ستكون الرياض أمام خيارين: الأول، اذا ذهبت الأمور للتصعيد فستكون الأخيرة تحت القصف والاستهداف مجدداً، حسب ما أكد المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة اليمنية، العميد يحيى سريع. والثاني: الاتفاق على التمديد، وخضوعها لشروط تحسين الأوضاع الإنسانية والاقتصادية في نطاق حكومة صنعاء، وبالتالي، هو إقرار، غير مباشر، بشرعية الأخيرة وتحسين ظروفها بعد ان انفقت مليارات الدولارات و8 سنوات لأجل اقصائها عن المشهد السياسي في البلاد.
ولعل الولايات المتحدة وحلفاءها من أكثر المتضررين في حال فشلت جهود الهدنة، خاصة بعد تصريح العميد السريع الأخير، الذي حذر فيه “الشركات النفطية العاملة في الإمارات والسعودية، من مواصلة أعمالها”، ومنحها “فرصة لترتيب وضعها والمغادرة… مادامت دول العدوان الأمريكي السعودي غير ملتزمة بالهدنة وقد أعذر من أنذر”. وأضاف “قواتنا المسلحة قادرة من حرمان السعودي والإماراتي من موارده.. والبادئ أظلم.. كل شيءٍ محتمل ووارد.. فابقوا معنا”. في حين أكد المجلس السياسي الأعلى في بيان له، على حق الشعب اليمني بالدفاع عن حقوقه محذراً الشركات النفطية التي تعمل في كل من الرياض وأبو ظبي و”شركات الملاحة من التحرك إليها كي لا تتعرض للخطر في حال أصر العدوان على مواصلة حصاره وعدوانه”.
بهذا تدخل الشركات النفطية وخطوط الملاحة نطاق الاستهداف المباشر، في لحظة هي الأكثر احراجاً وقلقاً بالنسبة للولايات المتحدة والدول الأوروبية التي تعوّل إلى اليوم على النفط المنهوب من اليمن، إلى جوار الضخ النفطي الخليجي واستقرار خطوط الملاحة في البحر الأحمر والخليج، لأجل تأمين الحد الأدنى من متطلبات السوق بعيد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
بدأت الأمور تسمى بأسمائها دون مواربة او مساومة. وعلامات الاستفهام التي طرحت حول العروض العسكرية الأخيرة التي اقامتها صنعاء بدأت تلقى مزيداً من الأجوبة، والأيام القادمة ستحمل إحدى الحُسنين، إما الإقرار بشرعية صنعاء او الإقرار بقدرة القوات المسلحة اليمنية على تنفيذ تهديدها.
الكاتب: مريم السبلاني-الخنادق