ٍَالرئيسية

واشنطن تنتظر الشيخ: المشكلة بالديموغرافيا الفلسطينية

 

عبير بشير* – أساس ميديا

في أول زيارة رسمية لمسؤول رفيع في السلطة الفلسطينية إلى واشنطن منذ عام 2017 يتوجه أمين سرّ اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ إلى الولايات المتحدة حيث سيلتقي مستشار البيت الأبيض للأمن القومي جاك سوليفان، ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لبحث التصعيد الامني مع إسرائيل وكذلك طلب مساعدات اقتصادية وأمنية للسلطة. لكن الموضوع الأساس الأهم لإسرائيل ليس في الأخطار الأمنيّة الراهنة ، بل في “الإنذارات الاستراتيجية” الداخلية والمتعلقة بالديموغرافيا الفلسطينية التي تتنامى في الدولة العبرية.

زيارة تخفيف التصعيد

صحيفة “هآرتس” أفادت أنّ الشيخ، والذي يًصف على أنه الخليفة المحتمل للرئيس الفلسطيني محمود عباس ويتمتع بقبول لدى الغدارة الأميركية ، سيبحث مع المسؤولين الأميركيين التصعيد الحالي الذي تشهده الضفّة الغربية المحتلّة، في ظلّ اعتداءات الاحتلال المتواصلة. وذكرت “هآرتس” أنّ الزيارة “ليست مرتبطة مباشرة” بالتصعيد الأمني الحالي في الضفة، وتشمل محاولة دفع سلطات الاحتلال الإسرائيلية وإدارة الرئيس الاميركي جو بايدن لتقديم تسهيلات للفلسطينيين ومساعدات اقتصادية وأمنيّة للسلطة الفلسطينية.

من المستبعد أن تفضي زيارة الشيخ إلى أيّ تقدّم في مسار العملية السياسية مع إسرائيل. وذلك بسبب الانتخابات العامة الإسرائيلية الشهر المقبل، والانتخابات النصفية في الولايات المتحدة. وتأتي زيارة المسؤول الفلسطيني بعد أيام من زيارة مستشار الأمن القومي الإسرائيلي إيال حولاتا واشنطن، واجتماعه بنظيره الأميركي سوليفان الذي طالبه بـ”تخفيف التصعيد الأمني في الضفة الغربية، ومواصلة خطوات تحسين حياة الفلسطينيين”.

ودعت إدارة بايدن إسرائيل إلى فتح تحقيق في ملابسات استشهاد الطفل ريان سليمان (7 سنوات) في الضفة الغربية، وقال نائب المتحدّث باسم الخارجية الأميركية: “حزنّا لنبأ وفاة الطفل البريء، ونحن نؤيّد إجراء تحقيق شامل وفوري في ملابسات وفاته”.

ضمن الاستعدادات لـ”عيد الغفران”، أعلنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عن حالة تأهّب قصوى في جميع أنحاء البلاد، خاصة في مدينة القدس، بعد ورود أكثر من 80 إنذاراً باحتمال وقوع عمليات فلسطينية. لكن على الرغم من الضغوط السياسية التي يتعرّض لها المستوى العسكري لدفع الجيش الإسرائيلي إلى تنفيذ عملية عسكرية واسعة في الضفة الغربية، يعارض الجيش تنفيذها بسبب شكوكه في فاعليّتها. وأوصى المستوى العسكري الإسرائيلي القيادة السياسية بكبح الاندفاع العسكري والتركيز على مواصلة عمليات الاعتقال الاعتيادية في الضفة الغربية، وعدم تورط إسرائيل في معركة لا يعرف أحد نتائجها. ومن يدفع إلى حملة عسكرية في جنين لا يمكنه ضمان بقاء الضفّة وغزّة في حال من الهدوء.

 

عنف وأمن واستراتيجيا

الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات العسكرية “أمان” الجنرال تامير هايمان ذكر أنّ “الخطاب الإسرائيلي الداعي إلى تنفيذ عملية “السور الواقي 2″ في الضفة الغربية، يدلّ على تجاهل الواقع الراهن الذي لا يشبه إطلاقاً الواقع الذي نفذت فيه إسرائيل عملية السور الواقي الأولى”. وأضاف لموقع “القناة 12” أنّ “تنفيذ عملية عسكرية كبيرة في الضفة الغربية هدفه الرئيسي تدمير قدرات المنظمات المسلّحة، لإحباط عمليّاتها، وحماية الجنود والمستوطنين منها. لكنّ الكلفة الاستراتيجيّة لهذه العملية مضاعفة: تزيد النقد الخارجي والداخلي لإسرائيل، والذي قد يقوّض شرعيّتها، ويعيد الخطاب السياسي الدولي إلى الحديث عن القضية الفلسطينية. وهذا لا تريده إسرائيل”.

وأشار هايمان إلى أنّ “مقارنة بين الأوضاع عشيّة عملية السور الواقي الأولى في 2002 واليوم تظهر أنّ العملية في هذا الوقت ستكون مختلفة كليّاً. فإسرائيل نفذت العملية الأولى بعد سقوط مئات القتلى في هجمات انتحارية. والوضع مختلف جذريّاً اليوم”.

أما موجة العمليات الأخيرة والإخطارات الأمنية الكثيرة، فحملت الإسرائيليين إلى استنتاج سليم: انتهى عهد التجاهل للمشكلة الفلسطينية، بعدما قرّر نتانياهو وبينيت ولابيد إزالة الملف الفلسطيني من جدول أعمال الحكومات الإسرائيلية.

الخوف من الدمج السكاني

لكنّ الموضوع الأساس الأهم لدولة إسرائيل ليس الإخطارات الأمنيّة، بل الإخطارات الاستراتيجية. والقضية الكبرى ليست ارتفاع مستوى العنف وضعف السلطة الفلسطينية المتزايد فحسب، بل التحدّيات البعيدة المدى المغروسة جزئياً في المستويات المدنية والاجتماعية، والتي قد تتطوّر إلى تحدٍّ وجوديّ في المستقبل، يتمثّل في التداخل بين الضفة الغربية وإسرائيل، ما يعني لاحقاً دولة ثنائية القومية.

ففي مقال لعاموس جلعاد وميخائيل ميلشتاين، رأى الكاتبان أنّ المشكلة المركزية ليست بالضرورة ضجيج التهديدات الأمنية، بل الهدوء الذي ينطوي عليه الدمج المتواصل بين يهودا والسامرة، أي الضفّة الغربية وإسرائيل في المستويات المدنية والاقتصادية. وهذا من شأنه أن يشكّل أساساً لتداخل إداري وسياسي. والهدوء ينطوي على دمج متزايد في الاقتصاد والبنى التحتية كالكهرباء والمياه والاتصالات والمواصلات. وهو ما يؤدّي إلى تحسين حياة الفلسطينيين ويعمّق التداخل بين الجماعتين السكّانيّتين.

إذاً لا يتعلّق الخطر الاستراتيجي الحقيقي بتعاظم العنف – سواء نفّذه شبّان عديمو التنظيم أم رجال السلطة أم حماس – بل يتمثل بالتقدّم المتواصل نحو واقع دولة واحدة. والسؤال الذي يجب طرحه على أصحاب القرار والجمهور في إسرائيل: هل نُبقي الواقع الحالي على حاله بدون حسم الموضوع الفلسطيني سياسياً، فنضع إسرائيل بذلك أمام مفترق تاريخي: أن تختار بين نموذج حكم يتضمّن نوعين من المواطنة، أو توطين الفلسطينيين الذين يعيشون في يهودا والسامرة ودمجهم؟

أما الحاخام دوف فيشر – وهو مستشار معظم سياسيّي إسرائيل – فانتقد اليساريين الإسرائيليين الذين يؤيّدون حلّ الدولتين، ووصفهم بأنّهم ليسوا أطهاراً حسب الشريعة اليهودية، لأنّهم لم يغتسلوا في حمّام الطهارة (المكفا)، ولأنّهم غير مختونين. وقال: “لن تكون هناك “دولة لابيدستان” غرب نهر الأردن باسم فلسطين، لأنّ 60 في المئة من الإسرائيليين يعارضون حلّ الدولتين، ولن تُخلى أيُّ مستوطنة، ولن تتكرّر خطيئة إخلاء غوش قطيف في غزّة عام 2005″.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى