تل أبيب تنفخ البوق للصلاة بالأقصى وبجنين والفصائل تجهز صواريخها

 

عبير بشير* – أساس ميديا

تحتشد عناصر التوتر في الأراضي الفلسطينية في ظل تصعيد إسرائيلي عسكري ـ أمني ـ ديني متناغم في مسجد الأقصى والضفة وجنين. انطلق هذا التصعيد  من “جماعات الهيكل” المزعوم في خطوة تهويديّة متكاملة حيث أرسلت من “نفخ البوق” داخل المسجد الأقصى في ظل غطاء حكومي كامل.

ترافق هذا مع اقتحام مخيم جنين أدى إلى سقوط أربعة شهداء ، ومع إعلان رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي عن قراره باغتيال فلسطينيين عن بعد. وقد قابل المشهد الإسرائيلي الحرب رسالةً من “الفصائل الفلسطينية”، إلى تل أبيب وعبر الوسيط المصري، حذرت عبرها من “تدنيس” أولى القبلتين.

تصعيد إسرائيلي فريد

مع انطلاق الاحتفال بالأعياد اليهودية ، وهي فترة طويلة بدأت الأحد الماضي وتمتدّ حتى ثلاثة أسابيع، سعت “جماعات الهيكل” المزعوم وفي خطوة تهويديّة متكاملة مدعومة من حكومة يائير لابيد، إلى “نفخ البوق” داخل المسجد الأقصى، وذلك ضمن محاولاتها المستمرّة لتهويد المسجد وتحويله إلى “مقدّس يهودي”. وتستعدّ هذه الجماعات لتنفيذ سلسلة برامج تهويدية واقتحامات واسعة للمسجد الأقصى.

يتمحور التصعيد الجديد والفريد حول نقطتين:

ـ الأولى أنّ المؤسّسة الحاخاميّة المركزية لجماعات الهيكل المتطرّفة المسمّاة “السنهدرين الجديد” تعلن للمرّة الأولى عزمها النفخ في البوق داخل المسجد الأقصى ضمن احتفالها برأس السنة العبرية، وهذا مسار تصاعدي خطير في عمليات الاقتحام اليهودية للمسجد الأقصى، وهدفه الإعلان أنّ الأقصى أصبح مقدّساً يهوديّاً.

ـ الثانية تتمثل في أنّ حكومة تل أبيب كانت دوماً تتظاهر أنّها ترفض مثل هذه الاقتحامات، لكنّها تقدّم الآن غطاء سياسياً وقانونياً لهذه الاقتحامات، بحيث لا تبدو هذه الاقتحامات اعتداءاتٍ من جماعات الهيكل أو من جماعات متطرّفة، بل من دولة إسرائيل، جيشاً وحكومةً، على المسجد الأقصى.

“الفصائل الفلسطينية” تحذر

في مواجهة هذا التصعيد، بعثت الفصائل الفلسطينية في غزة إلى حكومة الاحتلال، عبر الوسيط المصري، برسالة وُصفت بـ”شديدة اللهجة” حذّرت خلالها من تدنيس المسجد الأقصى من قبل المستوطنين خلال الاحتفال بالأعياد اليهودية، وإلا فإنّ صواريخ غزة جاهزة للردّ على أيّ انتهاكات، وتضمّنت ردّاً على بلاغ إسرائيلي ربط بين الحفاظ على حالة الهدوء واستمرار تقديم التسهيلات لقطاع غزة، فأكّدت أنّه لا يمكن القبول بتدنيس الأقصى مقابل أيّ تسهيلات لقطاع غزة مهما كانت.

وكان المتطرّف يهودا غليك سبق أن اقتحم المسجد الأقصى من باب المغاربة، وقام بإصدار صوت النفخ في القرن (الشوفار) عبر هاتفه المحمول، ونفخ فيه في مقبرة باب الرحمة الملاصقة للسور الشرقي للمسجد. و”الشوفار” هو بوق مصنوع من قرن الكبش يستخدمه اليهود في طقوسهم للإعلان عن “حضور الصلاة، لكنّه طقس ممنوع على اليهود تأديته داخل الأقصى. إلا أنّه في الوقت الحالي قرّرت حكومة الاحتلال المضيّ قدماً في تغطية اقتحامات المستوطنين للمسجد الأقصى خلال موسم الأعياد.

الضفة وجنين تحت النار

بذريعة منع وقوع عمليّات خلال فترة الأعياد اليهودية، اقدم رئيس الحكومة الإسرائيلي يائير لابيد وجنرالات الجيش على تصعيدٍ وصفه مراقبون إسرائيليون بـ “غير الضروريّ”. فقد أعدّت تل أبيب أكثر من ثلاثين آليّة، ومئات الجنود، وطائرات مسيّرة، وصواريخ لتدمير منزل أحد المطلوبين، وذلك لإقتحام مخيم جنين  ومحاصرة منزل كان يوجد فيه عبد الرحمن حازم شقيق الشهيد رعد حازم منفّذ عمليّة شارع تل أبيب، ما أدى إلى سقوط أربعة شهداء.

وقد رد الفلسطينيون بإضراب عام عم الضفّة الغربية، ترافق مع قرع أجراس كنيسة المهد وكنائس مدينة بيت لحم حداداً على أرواح الشهداء الأربعة الذين سقطوا برصاص الجيش الإسرائيلي ما جعل الوضع مرشّحاً أكثر فأكثر للتصعيد، فالدم الفلسطينيّ لا يزال بنداً ثابتاً في “بازار” الانتخابات الإسرائيلية الخامسة خلال ثلاث سنوات ونصف.

كوخافي يأمر متجاوزاً الاعياد اليهودية

وفي خطوة غير مسبوقة في الضفّة الغربية، أعلن رئيس الأركان الإسرائيلي أفيف كوخافي موافقته على استهداف مقاومين، واغتيال كبار المسؤولين لحركتَيْ الجهاد الإسلامي وحماس وكتائب شهداء الأقصى في الضفّة الغربية، عبر سلاح الجوّ الإسرائيلي. ووفقاً لصحيفة “معاريف”، فإنّ كوخافي أجرى تقييماً للوضع في أعقاب عمليات الجيش الإسرائيلي في جنين، وأمر بتنفيذ إجراءات مضادّة موجّهة من الجوّ في الضفّة، بصرف النظر عن فترة الأعياد اليهودية.

عرين الأسود

في رواية تل أبيب عن التصعيد الحاصل في جنين ونابلس، ومن ضمنه العملية الأخيرة، فإنّ قيادة السلطة الفلسطينية منعزلة عمّا يحدث على الأرض، لأن الاشتباكات المسلّحة مع قوات الاحتلال في منطقتَيْ جنين ونابلس لا يشارك فيها ناشطون من الفصائل الفلسطينية فقط، وإنّما يخوضها أيضاً مسلّحون لا ينتمون إليها بل إلى تنظيم مسلّح جديد هو “عرين الأسود” . والتقييم الإسرائيلي هو أنّ حركة حماس تحرّض على إشعال الضفّة الغربية مقابل تهدئة الأوضاع في غزّة.

ونقل المحلّل العسكري يوسي يهوشواع عن ضابط في وحدة المستعربين التابعة لحرس الحدود التي نفّذت العملية العسكرية في جنين، قوله إنّ “الجنود واجهوا نيراناً شديدة جدّاً” أطلقها المقاتلون في مخيم جنين، وشملت عبوات ناسفة ذات مواصفات عسكرية “تسبّبت بتعطيل مركبات عسكرية”. وأضاف الضابط أنّ العبوات الناسفة ذكّرته بغزّة.

ولكن لم يُشِر يشاي، بطبيعة الحال، إلى التناقض الحاصل بين خطاب لابيد في الأمم المتحدة، الذي دعا فيه إلى حلّ الدولتين والحلّ السلمي، وبين ميل لابيد إلى لعبة الدم الفلسطيني، وإلى السماح للمستوطنين باقتحام المسجد الأقصى وإقامة الشعائر التلمودية فيه في الأعياد العبرية، بحماية شرطة الاحتلال، وهو وضع أقلّ ما يقال فيه أنّه صبّ للزيت على النار.

رسالة إلى حماس

في هذا الإطار، حذّر رئيس الشاباك الإسرائيلي رونين بار ممّا سمّاه “مواصلة التحريض على تنفيذ العمليات في الضفة الغربية”، التي تشهد تصاعداً ملحوظاً في الآونة الأخيرة. ووجّه رئيس الشاباك رسالة إلى قائد “حماس” في غزة يحيى السنوار، قائلاً له: “يجب أن تدرس خطواتك بدقّة، وأن تختار بين ترميم غزة وبين المقاومة”. وأضاف بار: “لن نسمح للسنوار بأن يواصل التحريض على العمليات وأن يتمّ في المقابل تحسين وضع السكّان في غزة”.

من جهته، نقل جيش الاحتلال الإسرائيلي رسالة إلى السلطة الفلسطينية مفادها أنّه في حال لم تتصرّف الأجهزة الأمنية في نابلس فإنّ الجيش سيدخل هناك كلّ ليلة كما هو الحال في جنين. وأبلغ جيش الاحتلال السلطة الفلسطينية أنّه في حال رغبت بعدم تكرار ما جرى في جنين، فإنّ عليها العمل ضدّ المسلّحين واعتقالهم.

وأشار المحلّل يوسي يهوشواع إلى أنّ مسلّحين من حركة فتح يشاركون في هذه الاشتباكات، وفرضوا إضراباً عامّاً في أعقاب عمليّة الاحتلال في جنين. وأضاف أنّ “التناقض هو حدوث هذا كلّه في موازاة محادثات أجراها رئيس السلطة الفلسطينية أبو مازن مع وزير الأمن بيني غانتس ورئيس الدولة يتسحاق هرتسوغ حول تعزيز التنسيق الأمنيّ، ويتّضح أنّ الميدان منعزل عن القيادة، أو أنّ القيادة لا تفرض سلطتها عليه”.

*كاتبة فلسطينية

Exit mobile version