وليد شقير – أساس ميديا
لماذا يفترض البعض أنّ محور المقاومة وحزب الله والثنائي الشيعي يسعون إلى انتخاب رئيس في لبنان في وقت يتعرّضون لحملة واسعة ضدّ السلاح، وبينما تتعرّض إيران لضغوط كبرى خارجية، وتتّهم أميركا بالتحريض على ما تتعرّض له داخليّاً؟
أبعد من احتساب الأصوات التي حصل عليها المرشّحون في جلسة الأمس الانتخابية، يستدعي ما حصل النظر إلى الظروف السياسية المحلية والخارجية التي حصلت فيها المنافسة على تأمين الأكثرية، والتي انتهت إلى تعادل سلبي، يقوم على عجز أيّ فريق عن تأمين الأكثرية لانتخاب الرئيس الجديد.
تفاهم السياديّين الأوّليّ قابل للتطوير؟
محليّاً، جلسة البرلمان أمس هي محطة من محطات حرق الأسماء، لأنّ التوافق الذي يدعو إليه رئيس المجلس نبيه بري لم يحِن وقته بعد لتظهير الاسم الذي يمكن أن يحظى بدعم أطراف من الفريقين.
في هذه الأثناء اختبر فريق تحالف السياديين والتغييريّين والمستقلّين المقرّبين منهم وبعض النواب السُنّة قدرتهم على التوافق على مرشّح واحد، فحقّقوا خطوة إلى الأمام عبر اجتماع القوى الرئيسة بينهم، أي حزب القوات اللبنانية والحزب التقدّمي الاشتراكي وحزب الكتائب وكتلة “التجدّد”، على ترشيح النائب ميشال معوّض بزهاء 40 صوتاً (باعتبار أنّ أربعة من المتغيّبين هم فؤاد مخزومي، سليم الصايغ، نعمة إفرام، واستريدا جعجع يميلون إلى دعم معوّض “كما صرّح هو”، ولو حضروا لأُضيفوا إلى الـ36 صوتاً التي حازها في الاقتراع). وفي رأي رموز هذا الفريق أنّ هذا التوافق كرّس استبعاد 3 مرشّحين، هم سليمان فرنجية، جبران باسيل وسمير جعجع، وأنّ ما حصل عليه معوّض من أصوات يشكّل قاعدة يمكن الانطلاق منها لتوسيع التفاهم مع قوى أخرى محسوبة على الأكثرية، مثل نواب كتلة “الاعتدال” التي تضمّ 6 نواب 4 منهم سُنّة من عكار، والنواب السُنّة الآخرين، بحيث يصبح العدد فوق ستّين نائباً يصوّتون لابن “شهيد الطائف” ميشال معوّض، وإذا تعذّر فلاسم آخر.
هل يجيّر محور الممانعة الـ63 ورقة بيضاء؟
في المقابل بإمكان حزب الله وحلفائه القول إنّهم بالورقة البيضاء استطاعوا حماية مرشّحهم المفضّل سليمان فرنجية، خلافاً لرأي بعض السياديين أنّهم أبعدوه عبر التمرين الذي حصل. ويمكن للفريق الممانع أن يتصرّف على أساس أنّ عدد أصواته بالورقة البيضاء ارتفع من 61 إلى 63، بحيث يمكّنه تطوير التفاهم مع نواب من الفريق الآخر من خلال إضافة نائبين لمصلحة مرشّح يختارونه في الدورة الثانية يحصل على الأكثرية المطلقة، سواء كان فرنجية، إذا استطاع حزب الله تغيير موقف رئيس التيار الوطني الحر الذي ترك الباب مفتوحاً بقوله في حديثه إلى “النهار” إنّه قد يعدّل من نظرته إذا اقتضت مصلحة البلد ذلك، أو جرى اختيار مرشّح آخر.
ويمكن لكلّ من الفريقين أن يعتبر أنّه أعطى دليلاً على قدرته على تطوير التفاهمات بين مكوّناته، أو القدرة على صياغة العلاقة مع بعض مكوّنات الفريق الآخر. بهذا المعنى يمكن وصف ما حصل بأنّه تعادل سلبي.
برّي يريد “التوافق”
بالعودة إلى دوافع رئيس البرلمان من وراء المفاجأة التي أخرجها من جعبته، يشكّل دافع حثّ الكتل على التوافق الأولويّة بالنسبة إليه، وفق كلمته الختامية للجلسة، حين قال إنّه إذا لم يحصل توافق لا يمكننا أن ننتخب رئيساً ولا مجلساً. فهو في خطابه في ذكرى تغييب الإمام موسى الصدر ورفيقيه في 31 آب الماضي دعا إلى التوافق بين القوى السياسية على الرئيس الجديد، لكن لم تظهر أيّ مؤشّرات على إمكان حصول هذا التوافق بعد انقضاء زهاء 4 أسابيع على دعوته هذه.
ويشكّل تمرين جلسة الانتخاب التي دعا إليها بري في نظر المطّلعين على ما يضمره من وراء الدعوة، برهاناً على عدم قدرة أيّ من الفرقاء على تأمين الأكثرية من دون حصول توافق بين القوى السياسية الرئيسة على شخص الرئيس. والدعوة إلى الجلسة هي بمنزلة دعوة إلى التوافق الذي لا يبدو قريب المنال. وبذلك يكون برّي برهن أن لا مجال لتجاهل دعوته التوافقية هذه، ردّاً على المآخذ، ولا سيّما المسيحية، على تأخير جلسة الانتخاب.
الحكومة المتعثّرة والحركة الخارجيّة حول الرئاسة
افتتح برّي المعركة الرئاسية، مباغتاً الكتل النيابية في وقت كان الجميع يترقّب ما ستؤول إليه جهود تأليف الحكومة، فأبعد الشأن الحكومي عن سوق التداول الإعلامي والسياسي، ولا سيّما أنّ الأيام الأخيرة شهدت تصعيداً في مطالب الرئيس ميشال عون وصهره جبران باسيل في ما يتّصل بالتركيبة الحكومية المقبلة، وأبرزها الحصول على ضمانات خطّية بتلبية شروطه المتمثّلة في إقرار مرسوم التجنيس والتعيينات الإدارية والقضائية والأمنية والدبلوماسية، فضلاً عن شروطه التوزيرية.
لكنّ البارز أيضاً أنّ الظروف الخارجية المتعلّقة بالمعادلة اللبنانية مليئة بالحركة والأحداث المؤثّرة، إضافة إلى الاندفاعة الدبلوماسية الخارجية في اتجاه البلد من أجل حثّ فرقائه على انتخاب الرئيس في موعده. فالسفراء والموفدون يتناولون الاستحقاق الرئاسي اللبناني مع العديد من الزعامات والكتل النيابية، ويتناولون مواصفات الرئيس العتيد وهويّته، ومعظمهم، ولا سيّما الغربيون والخليجيون، لا يخفون أنّهم لا يشجّعون مجيء رئيس من قوى 8 آذار وحليف لحزب الله، ويفضّلون، وفق المقاييس التي يرونها، شخصية مقبولة من الغرب والدول الخليجية.
ويقول أحد الأقطاب السياسيين إنّه على الرغم من تشديد بعض السفراء على أنّهم لا يتدخّلون بالأسماء وانهم يتركون الأمر للّبنانيين، لكن عملياً هم مهتمون بصفاته وبرنامجه. كما أنّ بعضهم يبحث في الأسماء لأنّ النواب لن ينتخبوا في نهاية المطاف أشباحاً، بل شخصاً لديه قدرات، ولا سيّما على الصعيد الاقتصادي المالي، لتحقيق الحدّ الأدنى من الإصلاحات وتنفيذ خطّة تعافٍ موثوقة من الدول العربية والغربية لتقدم الأخيرة المساعدة إلى لبنان. وسمع بعض هؤلاء السفراء من بعض القيادات أفكاراً تركّز على ضرورة اختيار شخصية تساهم في إنهاض الوضع الاقتصادي، من دون الغرق في الخلافات الكبرى، ومنها سلاح حزب الله.
الجلسة رسالة للقوى الخارجيّة
إلا أنّ حركة السفراء لم تشمل الأطراف جميعاً، ومنهم برّي بما هو ممرّ إلزامي نحو إتمام الاستحقاق الرئاسي. وترمي دعوة الأخير إلى الجلسة، من بين ما ترمي إليه، إلى توجيه رسالة لهؤلاء السفراء مفادها بأنّ حركتهم تتجاوز فريقاً رئيساً معنيّاً بالرئاسة ويدعو إلى التوافق.
وفي رأي مراقبين أنّ بعض السفراء التقط رسالة برّي بهذا المعنى، فالتقته السفيرة الأميركية دوروثي شيا غداة توجيهه الدعوة إلى البرلمان لانتخاب الرئيس، واستفسرت عن التوقّعات من وراء عقدها، بعدما سألها: “أين هو آموس هوكستين الذي وعدنا باقتراحات مكتوبة عن الترسيم البحري؟”. وهكذا يقود انعقاد الجلسة النيابية إلى توسيع “بيكار” الحركة الخارجية باتجاه لبنان التي تجلّت بلقاءات السفراء، وبالاجتماعات التي عقدها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ووزير الخارجية عبد الله بوحبيب في نيويورك.
وبينما دعا البيان الأميركي ـ الفرنسي ـ السعودي الذي صدر عن وزراء خارجية الدول الثلاث في نيويورك إلى انتخاب رئيس في الموعد الدستوري يكون قادراً على توحيد اللبنانيين، شكّلت الجلسة النيابية تمريناً لاستكشاف اتجاهات الدول المعنيّة بالرئاسة اللبنانية وموقفها من صيغة التوافق الذي يدعو إليه برّي وحزب الله، إذ إنّ المساعدة الدولية التي يحتاج إليها لبنان تتوقّف على هويّة واسم الشخصيّة التي يمكن ترشيحها لتحقيق هذا التوافق. وهذا ما تبلّغته أكثر من جهة لبنانية. ومساعي بعض الفرقاء اللبنانيين السياديين من أجل لبننة اختيار الرئيس العتيد لا بدّ أن تأتي نتيجة حسابات ملائمة تنقل البلد إلى مرحلة جديدة، وهو أمر غير متوافر في ظلّ الهشاشة التي يتميّز بها الوضع الإقليمي.