رمال جوني-نداء الوطن
«شو نوعية الخبز»، «طعمة الخبز مش طبيعية»، «الخبز بايت»، وغيرها من عبارات يرددها الاهالي هذه الايام، جراء رداءة نوعية الخبز المتوفرة في السوق، لا ينكر احد ان الخبز هذه الايام ذو جودة متدنية، حتى اصحاب الافران انفسهم يعترفون ان الطحين المدعوم المخصص للخبز العربي بمعظمه من النوعية الرديئة او ما يعرف «بالدرجة غير الصالحة للاستخدام»، بدليل ان رغيف الخبز «ما بيتاكل»، باعتراف الكل.
صدِّق ان الطحين المدعوم غير مطابق لمواصفات الصحة، بل يؤكد اصحاب الافران انه «زبالة» اي غير صالح اطلاقاً، ومع ذلك يتم عجنه وخبزه ليأكله اللبناني الذي يشتري ربطة الخبز صباحاً وبعد ساعة تصبح غير صالحة للاكل، فهل يعلم وزير الاقتصاد ما يحصل في قطاع الطحين او يجهل الامر؟
انها مافيات الطحين، التي تسيطر على السوق، فعدد لا بأس به من المطاحن في لبنان يشترك في تجارة الطحين المدعوم السيئ في السوق السوداء ويبيعه لأصحاب افران المناقيش، الذين يفضلون توفير الاموال ولو على حساب نوعية الطحين، وان كانت النتيجة صحة المواطن التي باتت في خطر.
في لبنان الطحين المدعوم غير مطابق للمواصفات، واكثر يباع في السوق السوداء، لم تنجح مواقف وزير الاقتصاد بوقف نزيف الطحين المدعوم، على العكس، ادت تجزئة الطحين بين نوعين «حر ومدعوم» الى استفحال السوق السوداء اكثر، اذ تنشط شاحنات تابعة لمطاحن كبرى في الجنوب على خط بيع الطحين المدعوم وغير المطابق للصحة، في اسواق صور والرشيدية وبنت جبيل وحتى النبطية، بحيث وصل سعر الطن الى 20 مليون ليرة لبنانية، في مقابل سعره الرسمي الذي لا يتجاوز المليون ونصف المليون، ومما دفع لتعاظم هذه التجارة، ان سعر طن الطحين الحر المخصص للمناقيش والباتيسري، بلغ 650 دولاراً، وبالتالي يجد صاحب الفرن ان الطحين المدعوم ولو كان من السوق السوداء ارخص.
جديد القضية اليوم ان الطحين الذي يوزع على افران الخبز العربي وافران المناقيش غير صالح للاكل، وهو من النوعية السيئة جداً، على ما تقول مصادر متابعة، والتي تؤكد انه «عادة ما يتم رميه في بلاد المصدر، وتأتي رداءة الطحين من رداءة القمح المستورد وهو من الباب غير المخصص للبيع، ومع ذلك يتم استيراده مدعوماً، ويتم تحويله طحيناً يدخل في خبز اللبناني، الذي لا يعرف ماذا يأكل، وما يحمله رغيف الخبز من أمراض وعلل، والاخطر ان لا احد يراقب ويعاقب». تشير المصادر الى ان ثلاثة ارباع الطحين المدعوم الموزع في السوق الجنوبي خصوصاً واللبناني عموماً، منتهي الصلاحية، ما يعني اننا امام كارثة صحية خطيرة جداً، فالخبز كله «مضروب» وكذلك المناقيش والناس تأكل «ويا غافل الك الله»، كل ذلك يحصل فقط لان الطحين المدعوم غير مدعوم صحياً، ومافيات الطحين تفرض سيطرتها عليه وستدخل البلد في اسوأ ازمة بتاريخ لبنان والتي لا يمكن تجاوزها الا برفع الدعم كليا او دعم كل الطحين وغير ذلك، ستبقى مافيات الطحين هي الحكم.
لا تتوقف الازمة هنا، فنقيب اصحاب افران جبل لبنان طوني سيف، اعلن خفض حصة الافران من 10 الى 15 بالمئة من الطحين المدعوم، الذي يهرب الى السوق السوداء، ما يعني ان الافران ستخفض نسبة انتاجها للخبز، وليس مستغرباً ان ندخل مجدداً في ازمة رغيف، فكل السيناريوات مطروحة، طالما تهريب المدعوم شغال، وطالما الوزارة في سبات.
واضيف الى ازمة تهريب الطحين المدعوم لصالح افران المناقيش، منافسة الطحين الحر، بالطحين المستورد، والتي تؤكد مصادر متابعة للملف، ان هذا الطحين يدخل الى لبنان من دون حتى الخضوع للفحص، والاخطر انه غير مطابق، ولا تخفي المصادر نفسها ان الطحين التركي مثلا الذي يستورده التجار اليوم هو من النوعية التي لا تستخدم اصلا في الصناعات التركية لانه غير صالح للاستخدام، ومع ذلك يتم استيراده وبيعه في السوق المحلية، من دون ان يخضع لا للضريبة ولا حتى للفحص، علماً، تقول المصادر، ان الطحين الاجنبي يخضع لضريبة تقدر بـ35 بالمئة ولكن بسحر ساحر، يتم اعطاء اعفاءات لهؤلاء التجار بطريقة مستغربة.
واكثر، تشير المصادر الى ان منافسة الطحين الاجنبي للطحين المحلي سينعكس حكماً على احتياط المطاحن من القمح، والتي تستورد 20 الف طن من القمح كل ثلاثة اشهر، وفي حال لم يجر بيعها تلغى كل الصفقات الاخرى، وهذا يعرّض الاحتياط للخطر، فيما لو توسعت الحرب واوقفت اوكرانيا تصدير القمح.
عدد من المطاحن بدأ خفض انتاجه نتيجة منافسته من الطحين الاجنبي، وقد يتوقف هذا البعض عن انتاج الطحين، وهذا سينعكس حكماً على السوق الداخلية، عن طريق ضرب القطاع الانتاجي الوحيد المتبقي في لبنان، ويعني ايضا ضرب مئات العائلات التي تعتاش من هذا القطاع فمن المستفيد من هذا الامر؟ وما موقف وزير الاقتصاد مما يحصل داخل هذا القطاع من اهتراء وفساد وايضاً من ضياع… ومن يعطي الموافقات لهذه التجارة، فهل نحن امام مغارة علي بابا في وزارة الاقتصاد؟
اذاً نحن امام ازمة غذائية خطيرة جداً، فيا أيها مواطن هل تعلم ان رغيفك الذي تأكله غير صحي، لعل تلف طحين يغزوه السوس والدود في احد الافران في بيروت خير شاهد على ما يأكله الناس فهل من يتحرك؟