أحمد المسلماني* -أساس ميديا
المرشد الأعلى للثورة الإيرانية علي خامنئي شديد الإعجاب بالمنظِّر الإخواني سيّد قطب، ويمكن القول إنّه يمثّل جزءاً ممّن يمكن تسميتهم بـ”الشيعة القطبيّين”.
كتب آية الله علي خامنئي رسالة الماجستير عن سيّد قطب ومشروعه الفكري، وقد زاد على ذلك بترجمة بعض أعمال قطب من العربية إلى الفارسية.
ترجم خامنئي كتاب سيّد قطب “المستقبل لهذا الدين”، وقام بترجمة كتابه “بيان ضدّ الحضارة الغربيّة”. وفي تقديمه لكتاب “المستقبل لهذا الدين” قال خامنئي: “إنّ مؤلّف الكتاب الكريم الكبير (سيّد قطب) بيّن أنّ الدين منهج حياة، وأثبت بأسلوب رائع ونظرة موضوعية أنّ العالم يتّجه نحو رسالتنا، وأنّ المستقبل لهذا الدين”.
ثمّ أثنى خامنئي على كتاب سيّد قطب “خصائص التصوّر الإسلامي” واعداً بترجمته، وقال: “إنّه أحد مؤلّفات سيّد قطب القيّمة والمبتكرة، ومترجم هذا الكتاب (خامنئي) يعكف على ترجمته، وسوف يتمّ تقديمه قريباً لقرّاء الدراسات الإسلامية”.
التوريث الثوريّ
إنّ انبهار خامنئي بالفكر الثوري الديني عند سيّد قطب، ومشاركته في قيادة الفكر الثوري الإيراني في عهد آية الله الخميني، ثمّ وصوله إلى منصب “المرشد الأعلى للثورة الإيرانية” باعتباره رسميّاً “الثوريّ الأول” في البلاد، لم يكن حائلاً دون العمل على توريث الثورة والدولة، والإعداد لابنه مجتبى خامنئي لخلافته في منصب الوليّ الفقيه!
في السابق تحدّثت وسائل الإعلام عن فساد يلاحق مجتبى خامنئي، وكتب محمد نوري زاد، الصديق السابق لخامنئي، عن فساد “النجل الثاني لمرشد الثورة الإيرانية”، كما تحدّث عطا الله مهاجراني، وزير الثقافة الإيراني السابق، عن هذا الرجل وفساده، ونشرت صحيفة ليبراسيون الفرنسية تقريراً عن حركة ودائع ماليّة كبيرة لـ”مجتبى” في بنوك أوروبا.
خامنئي الأب وخامنئي الابن
يذهب مهدي خلجي من “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” إلى أنّ “مجتبى بلا ثقافة، أو فكر، وبلا علم ديني”. ويذكر علي أنصاري من جامعة “سانت أندروز” في اسكتلندا أنّ “آية الله علي خامنئي نفسه لا يتمتّع بالشعبيّة في قُم، ولم يتمّ قبوله أبداً كعالم مرموق، وسوف يتدخّل رجال الدين ضدّ مجتبى إذا ما حاول الوصول للمنصب”.
في كتابي “الجهاد ضد الجهاد” عرضت لجوانب من ذلك الصراع، وكان من بين ذلك قول علي أكبر هاشمي رفسنجاني وحسين علي منتظري إنّ “مؤهّلات خامنئي الأب ليست كافية لكي يخلف الخميني، وإنّ وصول مجتبى للمنصب الأعلى لا يمكن تخيّله أو قبوله”.
13 عاماً على المؤامرة
في عام 2009 بدا واضحاً للإيرانيين أنّ توريث مجتبى قد بدأ، ورفع المتظاهرون لافتات مكتوباً عليها “مجتبى.. ستموت ولا ترى القيادة”.
في الشهر الماضي آب 2022 كتب مير حسين موسوي مقالاً بعنوان “13 عاماً على المؤامرة” قال فيه إنّ “مؤامرة إعداد مجتبى للقيادة بدأت عام 2009، وذلك بعد قمع الاحتجاجات على نتائج الانتخابات التي تمّ تزويرها لصالح محمود أحمدي نجاد عام 2008”. وتساءل موسوي في مقاله الذي هزّ أوساطاً دينية وسياسية في إيران: “هل عادت السلالات التي حكمت 2,500 سنة ليحكم مجتبى بعد خامنئي؟!”.
بالتوازي مع ذلك أصدر حسين مرعشي الأمين العام لحزب كوادر البناء في إيران نداءً غاضباً، كان مضمونه إمّا أن ينقذ المرشد البلاد من الانهيار التامّ أو ستكون النهاية. وقال مرعشي إنّ رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس السلطة القضائية لا دور لهم، سواء اجتمعوا في الرأي أو تفرّقوا، وما لم يقُم المرشد نفسه بالإصلاح فإنّ “النظام الديني الحاكم سيذوب مثل قطعة ثلج في الحرّ القائظ”.
ما يلفت الانتباه في نداء مرعشي هو وصفه للمشهد المروّع الذي يهدّد إيران: هروب رؤوس الأموال، ارتفاع التضخّم بلا توقّف، انكماش الطبقة الوسطى، هجرة العقول إلى الخارج، سيادة عدم الرضا لدى الشعب، ومن ضمن ذلك المشهد عدم أهليّة السلطة السياسية لمواجهته، فالرئيس نفسه وكلّ حكومته، برأيه، مجرّد مبتدئين عديمي الخبرة.
عقوبات أميركيّة.. والسيناريو كما هو
في عام 2019 قرّرت وزارة الخزانة الأميركية فرض عقوبات على مجتبى خامنئي، وفي الشهر الجاري أيلول 2022 تزايدت مساحة الغضب في البلاد على إثر مقتل فتاة على يد ما يُسمّى الشرطة الأخلاقية، وهو ما قاد إلى تظاهرات كبرى، وضحايا من القتلى والمصابين، وقلق جادّ من انهيار الحرس الثوري وسقوط بعض المدن أمام زحف المتظاهرين.
لكنّ ذلك كلّه لم يؤدِّ إلى توقّف مشروع الوريث الثوري، فقد استطاع مجتبى أن يحشد الحرس الثوري إلى جانبه من جديد، بعد سلسلة إقالات وتعيينات جرى وصفها بأنّها تطهير للحرس الثوري. ولمّا هاجمت فائزة رفسنجاني ابنة الرئيس رفسنجاني الحرس الثوري وحمّلته كلّ كوارث إيران، وطالبت بحلّه، جرى الهجوم الشديد عليها، واتّهامها بالعمالة والخيانة.
وهكذا بقي نفوذ الحرس الثوري كما هو، لكنّه بات في نسخة أنسب للوليّ المقبل، وأمّا المرتبة الدينية للوليّ المنتظر فلقد جرى تعديلها، وتم رفعه تصعيده إلى مرتبة “آية الله” لتأهيله للحصول على المنصب الكبير.
في آب 2022 وصفت وكالة أنباء في قُم مجتبى كالتالي: “آية الله الحاجّ السيّد مجتبى خامنئي”، وذلك في الحديث عن قيامه بتدريس منهج في الحوزة هو “دروس الخارج للفقه والأصول”، وقالت إنّ له خبرة 13 عاماً في تدريسه، ومن اللافت أنّها المدّة نفسها التي قطعها مشروع التوريث منذ 2009 حتى الآن.
الوليّ المريض
يعاني آية الله علي خامنئي المرض منذ سنوات، لكنّ تقارير عديدة تشير إلى أنّ حالته قد تدهورت إلى حدٍّ كبير، وأنّه قد لا يواصل السلطة ولا الحياة طويلاً. هنا يصل المشروع إلى ذروته، إمّا الآن وإمّا لا. ومن هنا كانت تغييرات الحرس الثوري والحصول على لقب آية الله سريعة للغاية، إذْ يجب الاستعداد منذ اللحظة وعلى مدار الساعة للانقضاض على المنصب. وترجِّح دورية “ناشيونال إنترست” الأميركية حدوث ذلك الأمر، لكنّها ترى أنّ ذلك سيقود إلى اضطرابات واسعة.
وإذا ما أصبح الرئيس إبراهيم رئيسي هو المرشد الأعلى، فسيظلّ مجتبى زعيم الظلّ بعض الوقت، ثمّ يتوارى تماماً بعد قليل. وإذا ما أصبح مجتبى المرشد الأعلى فقد يصبح المرشد الأخير.
* كاتب وسياسيّ مصريّ. رئيس مركز القاهرة للدراسات الاستراتيجيّة. عمل مستشاراً للدكتور أحمد زويل الحائز جائزة نوبل في العلوم، ثمّ مستشاراً للرئيس المصري السابق عدلي منصور.
له العديد من المؤلَّفات البارزة في الفكر السياسي، من بينها: الحداثة والسياسة، الجهاد ضدّ الجهاد، معالم بلا طريق، أمّة في خطر، الهندسة السياسية.