ابراهيم ريحان أساس ميديا
في الطّريق ما بيْن الفُندقيْن اللذيْن نزل فيهما الوفدان اللبناني والإسرائيليّ المُشاركَان في أعمال الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة في نيويورك، تمكّنَ الأميركيّون من تبديد القلق اللبنانيّ بشأن ملفّ ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، الذي باتَ في أمتاره الأخيرة. الحديث عن التوقيع النّهائيّ مسألة أسبوعٍ أو اثنيْن على أبعد تقدير، في حال لم يطرأ أمر غير مُتوقّع.
وما حصَلَ هو نِتاج حركة دبلوماسيّة مكّوكيّة قضاها الوسيط الأميركيّ آموس هوكستين ومُنسّق الشّرق الأوسط في مكتب الأمن القوميّ بريت ماكغورك بين الفندقيْن اللذيْن ينزل فيهما الوفدان اللبناني والإسرائيلي.
بلينكن يُحذّر ميقاتي
يشير دخول ماكغورك على خطّ الاتصالات إلى أنّ المُفاوضات أحرزت تقدّماً كبيراً، وأنّ مكتب الأمن القوميّ، ومن خلفه البيت الأبيض، يولي اهتماماً بإنجاز هذا الملفّ في أسرع وقتٍ مُمكن، لِما له من أثرٍ على التخفيف من آثار تلويح روسيا بورقة الغاز الطّبيعيّ في وجه الغرب في حربها مع أوكرانيا.
قال مصدرٌ مسؤول في الخارجيّة الأميركيّة لـ”أساس” إنّ وزير الخارجيّة الأميركيّة أنتوني بلينكن قال لرئيس الحكومة المُكلّف نجيب ميقاتي، بعد لقائهما على هامش الجمعيّة العامّة للأمم المُتحدة الأسبوع الماضي، إنّ واشنطن ستُراعي “مصادر القلق اللبنانيّة” بشأن ملفّ الترسيم، وإنّ بلاده تتوقّع أن تكون الحكومة اللبنانيّة مُتجاوبة مع العرض الخطّيّ الذي سيُرسله أو يحمله هوكستين قبل الأوّل من تشرين الأوّل، شهر الاستخراج الإسرائيلي من حقل كاريش.
يؤكّد هذه المعلومات ما قاله نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب أمس الإثنين، عن أنّه يتوقّع وصول العرض الخطّيّ من الوسيط الأميركي في مفاوضات ترسيم الحدود البحرية إلى دوائر قصر بعبدا قبل نهاية الأسبوع الجاري.
وحذّرَ بلينكن في الوقتِ عينه من أن يقومَ حزبُ الله بأيّ حركة عسكريّة بغرض الاستعراض، لِما تسبّبه هذه الخطوة من إحراج داخليّ لرئيس الوزراء الإسرائيليّ يائير لابيد قبل انتخابات الكنيست، وهو ما قد يجرّ ردّة فعلٍ إسرائيليّة غير مُتوقّعة.
قبل اللقاء بين بلينكن وميقاتي وبعده، كان هوكستين يُحاول إنهاء العرض الخطّيّ خلال الأسبوع الماضي، إلّا أنّ بعضَ العقبات الصّغيرة، التي لم يُكشَف عنها، حالت دون تقديم هوكستين عرضه للوفدين في نيويورك.
واشنطن: الحزب وإسرائيل لا يريدان الحرب
يقول الأميركيّون إنّ كلا الطّرفَيْن، أي حزب الله وإسرائيل، يُسابقان الوقتَ وموعد بدء استخراج الغاز من حقل كاريش بين منتصف تشرين الأوّل المُقبل ونهايته.
يتقاطع هذا الاعتقاد مع بثّ وسائل إعلام إسرائيليّة أجواءً “متفائلة”. فنقلَت القناة 13 أنّ المسؤولين الأمنيّين يقدّرون أنّ التوصّل إلى اتفاق يمكن أن يتمّ خلال أسبوع أو أسبوعين، إضافة إلى ما أعلنه رئيس الوزراء يائير لابيد الأسبوع الماضي أنّ “إسرائيل تؤمن أنّ من الممكن وينبغي التوصّل إلى اتفاق على ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل”.
يسود اعتقادٌ شبه ثابتٍ في واشنطن أنّ الحزبَ كما تل أبيب لا يُريدان الحرب، ولكلٍّ منهما أسبابه. استخلصَ المعنيّون في مكتب الأمن القوميّ الأميركيّ في البيت الأبيضَ هذه النتيجة من كلام الأمين العامّ لحزب الله السّيّد حسن نصرالله في أربعين الإمام الحُسين، حينَ تحدّث عن “أكل العِنَب وعدم رغبته في البحث عن إشكالات”.
كذلك الأمر بالنسبة إلى تل أبيب، التي بحسب مسؤولي الأمن القوميّ، تُريد البدء باستخراج الغاز بأسرع وقتٍ مُمكن، لِما يشكّل ذلك من ورقةٍ سياسيّة رابحة لتل أبيب التي ستصير واحدةً من مُصدّري الغاز الطبيعي إلى أوروبا. وترى الولايات المُتحدة أنّ إسرائيل حليف استراتيجيّ، وبالتّالي لن يُعرّض مصالحَ واشنطن للخطر على الإطلاق دخولُ تل أبيب قائمة مصدّري الغاز إلى أوروبا.
يضيقُ الوقتُ ويرتفع التفاؤل. لكن لا شيء محسومٌ في حال لم ينزِل حبر التوقيع على اتفاق الترسيم. الشّيطان يكمن في أصغر التفاصيل. واشنطن لا تريد أن يطلّ هذا الشّيطان “بقرنَيْه” في اللحظات الأخيرة، والضّمانة هو التكتّم الأميركيّ الشّديد.