قبل 3 أشهر من نهاية العام، أقرّ مجلس النواب مشروع موازنة عام 2022 بينما كان يفترض أن يناقش موازنة 2023. هذه الموازنة التي تأخرت تسعة أشهر، تخلّلها أكثر من 5 أشهر نقاش في لجنة المال والموازنة، وهي لا تقترب من حسابات «الدكنجية» بمقدار ما هي مجموعة أرقام رُميت مرات عدّة ثم عُدّلت مرات عدّة، ليمرّرها النواب بالغالبية ويسير بها رئيس مجلس النواب نبيه بري تحت شعار: «على مسؤولية الحكومة شو فارقة معنا».
هكذا أقرّت الموازنة أمس بكل مساوئها. فخلال مناقشة الأرقام الجديدة التي أرسلتها حكومة نجيب ميقاتي إلى النواب منذ ثلاثة أيام باعتماد 15 ألف ليرة كسعر للدولار الجمركي (لمدّة ثلاثة أشهر فقط ما يعني احتمال تعديلها لاحقاً)، اعترض رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان، على تعديلات سريعة تنقل العجز من 13 ألف مليار كما كان عليه في المشروع الأساسي، إلى 16 ألف مليار ليرة مع تعديل الدولار الجمركي على أساس سعر صرف يبلغ 15 ألف ليرة، ثم خفضه إلى أقلّ من 10 آلاف مليار ليرة خلال ساعتين فور انعقاد الجلسة المسائية للمجلس النيابي. عندها شرح وزير الاتصالات جوني قرم أن ثمة تعديلاً في أرقام الواردات الخاصة بالوزارة لا سيما بعد زيادة تعرفة الاتصالات بقيمة 2300 مليار ليرة. ومثله فعل وزير الأشغال العامة علي حمية الذي أشار إلى أن واردات من الأشغال بقيمة 3700 مليار ليرة. بعدها أعلن ميقاتي أن هناك واردات جديدة بقيمة 6 آلاف مليار، ما يخفض العجز إلى ما دون 10 آلاف مليار، مشيراً إلى «كثير من الأمور التي تحتاج إلى تعديل على سعر الصرف وستخفض العجز أكثر. لكن ممنوع الاستدانة من مصرف لبنان بحسب الاتفاق مع صندوق النقد».
كلام ميقاتي استدعى اعتراض عدد من النواب نتيجة تيقنهم أن رئيس الحكومة غيّر الأرقام مجدداً بما لا يتطابق مع الورقة المرسلة منذ 3 أيام. وسأل البعض، ومنهم النائب ملحم خلف، عن كيفية تمويل هذا العجز؛ فوزير المال يقول إن التمويل داخلي، بينما ميقاتي يشير إلى أن صندوق النقد تعهّد بتمويل عجز الموازنة. مجدداً، أعاد رئيس الحكومة تأكيد تكفّل صندوق النقد بتمويل العجز في حال وقّع الاتفاق «وإلا ذاهبون إلى التضخّم». هذا الأمر أثار غضب برّي الذي توجّه لرئيس الحكومة بالقول: «عم تغلط مرة تانية»، وطلب شطب كلام ميقاتي من المحضر مؤكداً أنه والمجلس النيابي لا يخضعان لصندوق النقد ولا لغيره. فالمجلس سيد نفسه: «إما هناك مجلس نيابي أو لا. يشطب هذا الكلام من المحضر». ليعلّق بعدها بري المادتين 2 و3 إلى حين تقديم الحكومة قبيل نهاية الجلسة أرقام الإيرادات والنفقات المعدّلة. ما يعني فعلياً أن ميقاتي نسف كل مشروع موازنة حكومته والمناقش على مدى 6 أشهر في لجنة المال قبل وصوله إلى الجلسة ليستبدله في جلسة إقرار الموازنة بمشروع آخر ويبيح لنفسه ووزير المال التلاعب بالأرقام من دون تبرير زيادتها أو انخفاضها. ففي خلال ساعتين وهي المدة الفاصلة بين الجزء الأول من الجلسة التي رفعها بري في الرابعة من بعد الظهر واستأنفها في السادسة، رفع ميقاتي الإيرادات في الموازنة بنحو 6 آلاف مليار ليرة وخفض العجز. لم يكتف حتى بهذا الأمر بل قرر أيضاً توزيع ألف مليار ليرة لوضعه في احتياطي الموازنة من دون إيضاح طريقة تأمين هذا المبلغ، معلناً أنه سيستخدم هذا الاحتياط لتمويل رواتب ومتممات موظفي القطاع العام وتعويضاتهم والمتعاقدين، ورواتب العسكريين إضافة إلى تعويضات العسكريين المتقاعدين. وسط ذلك كله، اقتصر تدخل المجلس النيابي على تعديل مواد الموازنة من دون مساءلة حقيقية للحكومة حول الأرقام الوهمية مبررين عدم قيامهم بدورهم، بأمرين: 1- اعتبر البرلمان أن هذه الموازنة هي مجرد ترقيع لمدة 3 أشهر، بالتالي كل الإصلاحات المطلوبة سيجري تضمينها في الموازنة المقبلة. 2- رفع رئيس المجلس مسؤولية كل ما ورد في المادتين 2 و3 عن مجلسه وألقى بها على عاتق الحكومة رغم معرفته بأن هذه الحكومة كغيرها من الحكومات لن تحاسب خصوصاً في غياب أي قطع حساب. لكن في النتيجة، دخل ميقاتي بعد الاستراحة القصيرة ليحدّد قيمة النفقات بـ40 ألف مليار و873 مليار ليرة بدلاً من 37 ألف مليار و758 مليار ليرة.
والإيرادات لـ 29 ألف مليار و986 ملياراً ليصبح العجز 10 آلاف مليار ليرة. ولما سأله باسيل عن قيمة الاحتياطي في الموازنة، أجاب أنه صفر، ليتدخل النائب علي حسن خليل ويشرح أنه كان 1566 مليار ليرة وبات 2566 ملياراً بعد زيادة ألف مليار. علماً بأن الـ1566 مليار ليرة هي عبارة عن نفقات معقودة. بينما جرى التوافق على منح الألف مليار للحكومة من دون تخصيصها طالما أن لا ميقاتي ولا وزير المال قدما رؤية واضحة عن طريقة توزيعها. بل جلّ ما قاله ميقاتي هو مجرد كلام حول معالجة رواتب ومتممات القطاع العام والعسكري وفق إيرادات وهمية. ما يعني أن ميقاتي باع الموظفين والعسكريين أوهاماً مبنية على وعد منه، ووعود رئيس الحكومة جميعها «عالكمون». ومن منطلق موازنة سيئة أفضل من لا موازنة وصرف على القاعدة الإثني عشرية، وبعد تعديلات كثيرة أدخلت عليها، صدّق مجلس النواب على الموازنة بغالبية 63 نائباً، مقابل 37 صوتوا ضد و7 امتنعوا. وكعادته اختار حزب القوات المزايدة على «التغييريين» بالتصويت ضدّ الموازنة رغم أنهم والتغييريين حضروا الجلسة وشاركوا في تعديلات المواد وبعضهم صوّت عليها!
أبرز ما أُقرّ في موازنة 2022
– إعفاء المتقاعدين من ضريبة الدخل على المعاشات التقاعدية والعودة إلى العمل بالمادة 56 من المرسوم 144/1959
– إقرار مساعدة اجتماعية للعاملين في القطاع العام والمتقاعدين وكل من يتقاضى أجراً من الأموال العمومية، ضعفي أساس الراتب أو أساس الأجر سواء أكان شهرياً أم بدلاً يومياً أم على الساعة أو أساس راتب المتقاعدين، على ألا تزيد القيمة على 12 مليون ليرة ولا تقل عن 5 ملايين ليرة. وهي زيادة محدودة المدة ولا تحتسب في تعويضات نهاية الخدمة. يستثنى من الزيادة، موظفو السلك الديبلوماسي وكل من يتقاضى تعويضات بغير العملة اللبنانية
– استيفاء رسوم جوازات السفر بقيمة مليون ليرة لخمس سنوات، ومليوني ليرة لعشر سنوات (أراد ميقاتي أن يفرض رسوماً مدولرة بقيمة 30 دولاراً للحالة الأولى و60 دولاراً للثانية ليعيد طرح الرسمين باللبناني مقترحاً 10 ملايين ليرة لخمس سنوات و20 مليون ليرة لعشر سنوات. فعارض النائب أمين شري بشدّة).
– إعفاء الطلاب اللبنانيين في الخارج من رسوم المصادقة على الإفادات الجامعية في الخارج والقنصليات.
– تشجيع الصناعات الوطنية عبر فرض رسم جمركي قدره 10% على السلع والبضائع المستوردة التي يصنّع مثيل لها في لبنان وعلى تلك المصنفة فاخرة.
– إلغاء رسم 4 دولارات الإضافي على كل مسافر قادم أو مغادر
– إلغاء المادة المتعلقة بتمديد مهلة تسديد الرسوم المتوجبة على شاغلي الأملاك البحرية.
– فرض ضريبة بقيمة 100 ألف ليرة لصالح صندوق تعاضد القضاة وهو رسم سيدفع لدى تقديم أي شكوى جزائية أو ادعاء مباشر. ولا يقتصر دفعه على مرة واحدة، بل يُدفع مجدداً عند تقديم الدفوع والبت بها وعلى كل تقرير صادر عن خبير أو طبيب شرعي أو وكيل تفليسة أو مراقب عقد صلح.
– فرض ضريبة بقيمة 10% على فوائد وعائدات الحسابات المصرفية وشهادات الإيداع وسندات الخزينة بالليرة اللبنانية. عارض النائب أسامة سعد اللاعدالة في توزيع الأعباء واقترح فرض ضريبة التضامن الوطني أي الضريبة على الحسابات التي تفوق المليون دولار. سانده النائب حسن فضل الله وأبدى رئيس الحكومة عدم ممانعة. إلا أن النائب آلان عون أسقط الاقتراح.