طهران | بعد مُضيّ أكثر من أسبوع على انطلاق الاحتجاجات التي تلت وفاة الإيرانية مهسا أميني (22 سنة)، في أحد مراكز الشرطة في طهران، لا تزال شوارع مدن إيرانية مختلفة تشهد احتجاجات وأعمال عنف، حيث تشكّل محافظات طهران ومازندران وجيلان وهمدان وكردستان وأذربايجان الغربية وكرمانشاه، البؤر الرئيسة للتجمعات. وبدت تظاهرات اليومَين الأخيرَين أقلّ حجماً واتّساعاً، مقارنةً بالأيام الأولى التي تلت الحادثة، إذ تفيد المعلومات الواردة بأن معظم المدن الإيرانية باتت تعيش «حالة هدوء».
وتنطلق الاحتجاجات، عادة، عند الساعة السادسة مساء بالتوقيت المحلي، أي مع حلول الظلام. ففي العاصمة طهران، تجمع المحتجون، في الأيام الأولى، في وسط المدينة، وعلى وجه التحديد في محيط ساحة «ولي العصر»، لكنهم تفرّقوا في الأيام التالية، وباتوا يقيمون تجمّعات احتجاجية أصغر في الأحياء والشوارع المختلفة. وفي الساعات الأولى، يبدأ المحتجّون في ترديد الشعارات، ولكن مع مرور الوقت وتدخّل قوات الأمن الساعية إلى تفريق التظاهرات من خلال استخدام الغاز المسيل للدموع (نُشرت صور تُظهر إطلاق قوات الشرطة النار)، تزداد الاشتباكات والملاحقات، فيما يقوم بعض المحتجين، بمهاجمة المقارّ الحكوميّة، بما فيها مبنى حاكم المدينة ومقرّ قوى الأمن الداخلي، كما حصل في مدينة آمل شمال إيران، على سبيل المثال. وتبيّن المعطيات والتقارير أنه كلّما مرّ وقت على الاضطرابات، أضحت الشعارات أكثر راديكالية، واشتدّت أعمال العنف، وهو ما أثار قلقاً متزايداً لدى السلطات، خصوصاً مع وصول عدد قتلى الأحداث الأخيرة في إيران، إلى 41 شخصاً، وفق الإحصاءات والأرقام غير الرسمية، وهو عدد يشمل قوات الأمن وقوى الأمن الداخلي وكذلك المحتجين.
وفي هذه الأثناء، يواجه الوصول إلى الإنترنت، لا سيما عبر الهواتف الذكية، ارتباكاً وبطئاً، حتى أن خدمة الإنترنت قُطعت في بعض الأحيان، مع قرار السلطات الإيرانية إبقاء القيود على الإنترنت، طالما استمرّت الاضطرابات وأعمال العنف على حالها. وبحسب المعلومات التي استقتها «الأخبار»، فقد صدرت أوامر، خلال الأسبوع الأخير، للشرطة، بتجنّب الدخول في مواجهات واسعة وجادّة مع المحتجين، والتعامل معهم بـ«حلم وتسامح». ومن جهة أخرى، لم تتدخّل قوات التعبئة (البسيج) والحرس الثوري والجيش في الأيام الأولى من الاحتجاجات، إلّا أن بعض التقارير تفيد بأنه جرى اتخاذ قرار حاسم، منذ يوم الجمعة، بإعادة الهدوء والاستقرار إلى المدن خلال الأيام المقبلة، مع اتّسام التحركات بالعنف وتعدُّد الهجمات على المقار الحكومية.
وعليه، فقد ارتفع، خلال اليومين الأخيرين، عدد المعتقلين، فيما نقلت وكالة أنباء «تسنيم» القريبة من الحرس، السبت، عن «مصدر أمني مطلع» قوله إنه تم تحديد أكثر من ألف و200 من «مثيري القلاقل وأعمال الشغب»، واعتقال البعض منهم. من جهته، شدّد الرئيس الإيراني، إبراهيم رئيسي، على ضرورة التصدّي الحازم لـ«مناهضي الأمن»، فيما أكد رئيس السلطة القضائية، غلام حسين محسني إجئي، أن السلطات لن تسمح لـ«العناصر المثيرين للشغب بأن يعبثوا بأمن المدن». أمّا وزير الداخلية، أحمد وحيدي، فقد دحض الرواية القائلة بأنه تمّ ضرب مهسا أميني على يد قوات الشرطة، مؤكداً أن ثمة «مجموعات وخلايا منظّمة» تريد ممارسة «أعمال التخريب» في التجمعات، وهي «ليست مهتمة بقضية مهسا أميني أصلاً، بل اتّخذتها ذريعة للقيام بأعمال عنف فحسب». في هذا الوقت، أعلنت وزارة الداخلية، في بيان، أنه على الرغم من الإقرار بحقّ إقامة التجمّعات السلمية، «لكن وبما أن القرائن والشواهد السائدة تجزم باستغلال المناهضين ومنتهكي القانون لأيّ تجمعات في الظروف الحالية؛ فإن وزارة الداخلية لا توافق على إقامة تجمّعات في الشوارع». وتشير الشواهد إلى أن ثمة احتمالاً كبيراً بأن تتدخّل قوات الأمن خلال الأيام المقبلة على نطاق واسع لإعادة الاستقرار، وهو ما تزامن مع تزايد تحرّكات مناصري الحكومة. وشهدت مختلف المدن الإيرانية، الجمعة، مسيرات عدة خرجت بعد الصلاة للتنديد بالقلاقل الأخيرة والإعراب عن دعم قوى الأمن الداخلي. كما أقامت مواكب العزاء، أمس، في ذكرى رحيل النبي محمد، تجمُّعاً كبيراً في ساحة «الثورة» في وسط طهران والمدن الأخرى.
وفي تطوّر مهمّ، قصف الحرس الثوري، أول من أمس، مواقع مجموعة «كومولة» في شمال العراق، وهي مجموعة من الميليشيات الكردية الإيرانية التي تعتبرها الحكومة الإيرانية، «إرهابية». وهو تطوّر يُظهر تدخّل الحرس الثوري لاحتواء الأزمة الأخيرة. وكانت الميليشيات الكردية الإيرانية قد زادت، خلال الأيام الأخيرة، من تحرّكاتها في المناطق الكردية الإيرانية، ولعبت دوراً مهماً في إثارة الاضطرابات في هذه المناطق، كما تم تداول أخبار عن أنها قامت بنقل أسلحة إلى داخل إيران. ومن جهة أخرى، أجرى مسعود بارزاني، زعيم «الحزب الديموقراطي الكردستاني» في العراق، اتصالاً هاتفياً بأسرة مهسا أميني، وهي كردية، وهو إجراء لم تستسغه إيران، لأنها تعتبره مثالاً على التدخل الأجنبي في شؤونها.
وفي سياق متّصل، سلّطت الأوساط السياسية والإعلامية في إيران، الضوء على التطورات الأخيرة، إذ يرى معظم المراقبين أن أحد أهم خصائص التحركات الأخيرة، يتمثّل في طابعها الاجتماعي، وهو ما يميّزها عن تظاهرات الأعوام الثلاثة الماضية في إيران، والتي اندلعت احتجاجاً على زيادة أسعار الوقود، فكان طابعها اقتصادياً، وكان معظم المشاركين فيها من الطبقات الدنيا للمجتمع الإيراني، فيما تركّزت في المدن الصغيرة والضواحي. لكن هذه المرة، اندلعت الاحتجاجات في المدن الإيرانية الكبرى، وكان معظم المشاركين فيها من الشبان وأفراد الطبقة الحضرية المتوسطة، بيد أن غياب الانسجام فيها، أسهم كما يبدو في حرفها ودفعها في اتجاه الفوضى.